كانت الكلمات تخرج بمرارة ولوعة منه، يقطعها بين الحين والآخر ــ بحسبي الله ونعم الوكيل ــ يتحدث تارة بانفعال وغضب، وتارة أخرى يتحدث بحزن شديد، يقول عن هذه الانفعالات مهما حاولت كتمان مشاعري إلا أن هذه قضية إنسانية تثير العواطف وتجعل الناس تحزن على ما آلت اليه حياتنا في ليبيا بأن لا أحد من المسئولين أصبح يقيم اعتبارا للمرضى النفسيين هل لأنهم فاقدي الأهلية أم لأنهم لا يستطيعون المطالبة بحقوقهم، أو لا يوجد من يتحدث باسمهم؟ هكذا تحدث إلينا مدير الإدارة الهندسية بمستشفى النفسية والمتحدث الإعلامي الرسمي باسم المستشفى المهندس نبيل التاجوري حول مشكلة المياه وتلوثها التي يعاني منها المستشفى منذ عام   2018 م، ويضيف المهندس نبيل حول هذه المشكلة قائلا:
في عام 2018م اكتشفنا أن البئر المغذي الرئيسي للمستشفى بمياه الشرب والمياه المستخدمة في الأغراض الأخرى قد أصيب بالتلوث وعند اجراء التحاليل تبين انه ملوث بالسلاسل الكروية، وببكتريا الشوكلاي، والتي تأتي عادة من المياه السوداء أي مياه الصرف الصحي، وأصبح بذلك البئر غير صالح للاستعمال في المستشفى.
قد يشار إلينا بأصابع الاتهام
ويقول المهندس نبيل أنه: وبناء على هذه المشكلة قمنا يوم 8 مارس 2018م بتحرير كتاب وكان بمثابة نداء استغاثة موجهه إلى وزارة الصحة، ومدير إدارة التفتيش والمتابعة بوزارة الصحة، مدير إدارة المرافق والإسكان بنغازي، رئيس لجنة مشروع النهر الصناعي، رئيس لجنة ديوان المحاسبة، رئيس جهاز ديوان الرقابة، شركة المياه والصرف والصحي، اخبرناهم فيهم بأن نزلاء مستشفى النفسية يتعرضون لكارثة بيئية وصحية نتيجة لتلوث المياه المغذية للمستشفى، على اعتبار أن هذه الفئة تستهلك كميات كبيرة من المياه التي تستخدم في النظافة الشخصية وأعمال النظافة المستمرة وبالرغم من إننا نقوم بتوفير المياه المعبأة في الأكواب أو القناني الكبيرة إلا إننا في مرات كثيرة لا نستطيع أن نتحكم في المريض ونمنعه من الشرب من الحنفية.
ويوضح المهندس نبيل بأن: لو أصيب أحد النزلاء بمرض ما سوف يشار إلينا نحن بأصابع الاتهام والتقصير وعدم الاهتمام بالمرضى، ولكن أنا هنا أؤكد على نقطة مهمة فهم بحاجة إلى عملية نظافة دائمة ــ فقد يتبرز المريض على نفسه في اليوم أكثر من مرة ــ لذلك فهو يحتاج إلى نظافة وتغيير الملابس.

نتخوف من تلوث الخزان الآخر
ويشير المهندس نبيل: بأنهم قاموا بحل المشكلة مؤقتا وأنهم قاموا بأخذ المياه من الخزان الذي كانت تستخدمه جمعية الكفيف عندما كانت تقيم في هذا المقر، ولازالت المياه نظيفة إلى الآن ولم يصل إليها التلوث لكن أصبحنا نتخوف في أي لحظة يمكن لهذا البئر أن يتلوث مثل البئر الأخرى.
وعن أسباب التلوث يقول المهندس نبيل: إن المستشفى يقوم بتصريف مياه الصرف الصحي عن طريق خزانات ترشح تحت الأرض وليست مربوطة على شبكات الصرف الصحي، لأن المنطقة كلها تعتمد على خزانات الصرف الصحي التي ترشح بدلا عن الشبكة إذ أن المستشفى اعتمد على حفر خزان كبير بصبة خرسانية وتم بنائه من الداخل بالطوب الاسمنتي ومن ثم تم عمل ثقوب به من أجل أن ترشح المياه ويتم تصريف المياه لأطول فترة زمنية ممكنة دون الحاجة إلى تفريغه، وبهذا تشبعت التربة بمياه الصرف الصحي مع زيادة عدد السكان من حول المستشفى والذين يقومون بحفر الآبار تصل الى عمق 100 أو 120 مترا وحين لا يتحصلون على المياه يحولونها إلى خزانات للصرف الصحي.
العقد منذ عام 2009 ولكن تم تجميده
وحول الجهات التي تم مراسلتها وتجاوبت مع هذه المراسلات يقول: للأمانة في ذلك الوقت  تجاوبت معنا الإسكان والمرافق عن طريق المهندس رجب التاجوري حيث قال نحن لدينا عقد من 2009 م يخص توصيل المياه إلى المستشفى، ولكن العقد مجمد وأكد المهندس رجب على أنه  سوف يسعى من أجل إحياء العقد، وانتم تقومون بمتابعة ذلك مع بلدية بنغازي حيث تم تفعيل العقد شهر سبتمبر 2018م، وكان مشكورا في ذلك الوقت السيد عبدالرحمن العبار ولجنة استقرار بنغازي أقروا أن يتم تغذية المستشفى بمياه  النهر الصناعي، ووقعوا عقد مع شركة نظم المعمار لتغذية مستشفى الهواري العام ومستشفى النفسية بمياه النهر.
 ويستطرد المهندس نبيل عن إتمام العقد قائلا: تم توقيع العقد، وتم تعليق اللافتات التي تنذر بانطلاق العمل، وبدأنا ــ نحلم ــ  بـن نقوم بعمل توسعة للمستشفى، لان المستشفى يفتقد لثلاثة أقسام رئيسية في ليبيا ككل وهي قسم يأوي طفل يعاني من حالة نفسية، قسم يأوي إنسان يعاني من إعاقة جسدية وإعاقة نفسية، وقسم للمسنين وأمراض الشيخوخة، ولجأت إلى أهل الخير، والشركة الليبية للاستشارات الهندسية ومن باب المساعدة والصدقة طلبت منهم تصميم خزان أرضي نستخدمه لتجميع المياه، ثم نحولها للخزان العلوي وتظل عندنا نسبة التخزين عالية، وحتى لو الخزان العلوي توجد به مشكلة أو صيانة نستطيع أن نضخ مباشرة للأقسام، وظللنا ننتظر ونحلم في أن تأتي إلينا مياه النهر.
بدأ المشروع في العمل وقاموا بتوصيل المياه إلى مستشفى الهواري، وعندما بدأت الخطوات تسير نحونا بدأ المشروع في التعثر فقد بدأت المواد الخام تقل من عند المقاول ثم جاءت كورونا،   بدأ المشروع من  أمام مديرية  أمن بنغازي، وعند هذه النقطة تنتهي مهمة جهاز النهر الصناعي لأنه مسئول على الضغط العالي فقط، ثم بعد ذلك تنتقل المهمة إلى شركة المياه والصرف الصحي ومشروعات الإسكان والمرافق وبلدية بنغازي، توقفت أعمال التوصيل إلى أن وصلتنا معلومة بأن مسار الخط بدأ يتغير وتم تحويله إلى مشروع الصفصفة، وحي الروضة، ومزرعة السحاتي " مزرعة معمر القذافي سابقا"، وحتى لا نقع في المحظور ويكون الكلام مردود علينا قمنا بمخاطبة مدير إدارة المشروعات بمدنية بنغازي لنسأله حول سبب تأخر وصول المياه إلى المستشفى، وأخبرناهم إذا كانت هناك مشكلة من أي نوع سنكون كمستشفى في الواجهة لتحمل هذه المشكلة، ولكن للأسف لم يتكرم السيد مدير المشروعات بالرد علينا إلا مرة واحدة عن طريق شخص آخر ولم نتحصل منه على معلومة مفيدة.
قال لي "فكنا من العواطف"
ويقول المهندس نبيل: على الرغم من عدم رد مدير المشروعات على الرسائل والمخاطبات ــ التي كان اخرها بتاريخ 24 فبراير 2021 م والتي نطلب من خلالها توضيح أسباب عدم اكمال توصيل المياه الى المستشفى ــ توجهت إليهم شخصيا فقاموا بتحويلي إلى شركة المياه والصرف الصحي، التي اخبرتهم بضرورة توضيح الملابسات في استكمال المشروع والإصرار على ضرورة توصيل المياه للفئة الأكثر حاجة له في ليبيا فقال لي السيد مدير الشركة ــ فكنا من العواطف ــ فأخبرته بأننا لسنا مجردين من العواطف وبالتحديد هذا الموضوع يحتاج إلى أن نتعاطف معه خاصة وأن بعض هؤلاء المرضى هم نزلاء للمستشفى منذ اكثر من 30 عاما، وأن هناك أشخاص يقيمون هنا منذ حادثة زلزال المرج، وأنه يوجد ليدنا 300 مريض نفسي فهذا المستشفى يستقبل المرضى من الزاوية غربا إلى سبها جنوبا إلى الحدود المصرية الليبية شرقا ــ فاخبرني في النهاية بأن هناك أمور فنية حصلت، ولكن الظاهر أن المشروع بدأ يتغير مساره نحو حي الروضة.
المستشفى يقع في مكان مرتفع حجة واهية
وحول سبب وصول المياه إلى مستشفى الهواري وعدم وصولها إلى مستشفى النفسية يقول المهندس نبيل: الهواري لديه عدة ميزات منها بأنه لديه خزان أرضي ولديه شبكة صرف صحي مربوطة مع شبكة القوارشة، وأخبرونا أن مستشفى النفسية يقع في مكان مرتفع وليس مثل مستشفى الهواري، وبالتالي قالوا أنهم سوف يغذون المستشفى من خط 300 الذي يخرج من مزرعة السحاتي والتي بالتالي هي تتغذى على مياه الابار وهي بالتأكيد معرضة للتلوث، ولكن اخبرتهم بضرورة حصولنا على المياه من خط 200 حتى لو المستشفى مرتفع لكن عناك مضخات لرفع المياه لابد لهم من استخدامها ولكن هم لا يريدون ذلك.
ماذا عن تصريف مياه الصرف الصحي خارج المستشفى يجيب المهندس نبيل قائلا: نحن لو فكرنا في القيام بعمل محطة معالجة المياه السوداء أين سنصرف الفاقد لأنه يصل إلى 40% فلو قمنا برميه في البئر سوف ألوث الآبار الثانية، أو إذا قمنا بتصريفها في الخلاء فمن ثاني كمية سوف يتحول إلى مستنقع للناموس والذباب، وليست لدينا إمكانية لإحضار سيارات من أجل رميه في الأماكن المخصصة.
لا أستطيع السكوت عن عدم وصول المياه إلى المستشفى
وعن دور الصحة في حل هذه المشكلة يقول المهندس نبيل: وجهنا خطاب لوزارة الصحة وقام وزير الصحة بعمل جولة في المستشفى ولكن هذه المشكلة ليست من اختصاص الصحة بل هي مسئولية بلدية بنغازي وشركة المياه والصرف الصحي اللتين أصبح المشروع فيما بينهما، وحاولت بعلاقاتي الشخصية التوجه إلى بعض المسئولين وللأسف ندمت على التحدث معهم حول الموضوع حيث قال بعضهم اترك هؤلاء " المهبلة " واخرين قالوا لي لقد أصبحت مصدر ازعاج من كثرت حديثك حول هذه الموضوع، ولكن أنا لن اترك هذا الموضوع أبدا حتى يتم توصيل المياه إلى المستشفى فأن لا أستطيع السكوت حين أرى حمامات السباحة تمتلئ بالمياه وتسقى بها حدائق حي الروضة، و لاتصل هذه المياه كي "تستنجي بها امرأة مريضة نفسية نزيلة للمستشفى".
ويوضح المهندس نبيل بأنه: في 2020 م تم مد خط مياه من أمام المستشفى وتحدثت مع المقاول بصفة ودية وطلبت منه أن يعطينا " تفريعة" للمستشفى لم يعترض في وقتها، ولكن لم يعر الموضوع أهمية فيما بعد، وكان هذا الخط يقوم بتغذية المساكن التي وراء المستشفى وما بعدها، نعم نحن ليس لدينا اعتراض لأن هؤلاء مواطنون ليبيون ومن حقهم الحصول على المياه، ولكن بالمقابل هناك أحقية لنزلاء المستشفى أيضا، ونحن بموجب العقد لنا الأحقية والأولية ي الحصول على المياه.
ستواجه بلدية بنغازي كارثة كبرى
في ختام الحوار قال المهندس نبيل التاجوري: بدأنا التوجه إلى المنظمات الإنسانية من أجل دعم المستشفى بينما المسئولين في بنغازي يمنعون وصول المياه النظيفة إلى نزلاء مستشفى النفسية هل لأنهم مرضى فاقدو الأهلية وهم يرون أنهم لا يحق لهم الحصول على الماء؟ وأم أنهم يضعونهم في عداد الأموات؟ ربما لا يدري هؤلاء المسئولين أنه قد يأتي يوم عليه أو على أحد من أهله ويكون نزيل بهذا المستشفى.
ويضيف المهندس نبيل أنه: في ظل الأحداث الأخيرة في ليبيا بدأت أعداد المرضى النفسيين تتزايد بشكل كبير إضافة إلى أعداد المتعاطين، وفي ظل نقص الأدوية، وعدم وجود ميزانية تدعم هذا المستشفى، إضافة إلى المشكلة الكبرى وهي نقص المياه وتلوث الموجود سيواجه المستشفى كارثة كبرى لا تستطيع بلدية بنغازي مواجهتها.