بفعل الفوضى والاضطرابات التي عانتها ليبيا على مدى السنوات الماضية، تمكنت المليشيات المسلحة والعناصر الارهابية من وضع موطئ قدم لها في ليبيا، والتوغل في عديد المناطق.ومثلت العاصمة الليبية طرابلس،مركزا للجماعات المسلحة ذات الولاءات المختلفة والساعية لبسط سيطرتها على البلاد.

وبعد تحريره أغلب مناطق شرق وجنوب البلاد،أطلق الجيش الوطني الليبي منذ الرابع من أبريل/نيسان الجاري عملية عسكرية تحت مسمى "طوفان الكرامة" بهدف تحرير العاصمة الليبية وانهاء نفوذ المليشيات المسلحة فيها التي سارعت لحشد عناصرها لتندلع اشتباكات هي الأعنف منذ سنوات في ليبيا.

الجيش يتقدم

وبعد حوالي أربعة أسابيع من انطلاق عملية تحرير العاصمة الليبية،يواصل الجيش الوطني الليبي تحقيق المزيد من التقدم على الأرض في مواجهة القوات الموالية لحكومة الوفاق،وبخاصة في جنوب طرابلس، حيث جرت اشتباكات هي الأعنف من نوعها منذ بدء القتال وسط حديث عن تقهقر المليشيات وتراجعها.

ونقلت صحيفة "الشرق الأوسط" عن مصادر عسكرية قولها: إن وحدات الجيش الوطني تمكنت وسط قصف جوى مكثف لليوم الثاني على التوالي، من اختراق الدفاعات المستميتة لقوات السراج في محور الجنوب خاصة في مناطق صلاح الدين والهيرة والكسارات والسبيعة وبير علاق، مشيرة إلى أن معارك طاحنة جرت أيضاً أمس في محور خلة الفرجان، بعدما بدأت عناصر من كتيبة طارق بن زياد واللواء التاسع التابعين للجيش في التقدم باتجاه العاصمة.

وأعلن الناطق الرسمي باسم القائد العام للقوات المسلحة العربية الليبية، اللواء أحمد المسماري،الاثنين، أن الجيش الوطني الليبي يتوجه الآن نحو وسط العاصمة الليبية طرابلس، مشيراً إلى صد قوات حكومة الوفاق في عدد من محاور القتال.وقال المسماري في بيان صحفي،إن "وحدات القوات المسلحة العربية الليبية تسطر ملاحم الكرامة والعزة والاعتزاز وتدحر الإرهابيين في جميع القواطع القتالية حول طرابلس وتتجه نحو قلب المدينة".

ومن جهتها،قالت شعبة الإعلام الحربي التابعة للجيش في بيان لها أيضاً إن قواته تتقدم باتجاه قلب العاصمة وسط انهيار تام في صفوف الميليشيات الإرهابية المسلحة بمختلف محاور القتال في طرابلس، دون الإفصاح عن المزيد من لتفاصيل.

وجاء إعلان التوجه إلى قلب العاصمة "طرابلس" بعد استعادة قوات الجيش السيطرة على معسكر اليرموك بطريق قصر بن غشير، وذلك في الوقت الذي  تراجعت فيه قوات حكومة الوفاق.وقال مصدر عسكري ليبي في اللواء التاسع التابع للقيادة العامة للقوات المسلحة العربية الليبية، اليوم الاثنين،إن "منطقة الهضبة طول تشهد هدوءا نسيبا بعد هروب وهلع المليشيات المسلحة التابعة لحكومة الوفاق إليها خلال هجوم عسكري بعملية التفاف من قبل قوات اللواء التاسع التابع للجيش الوطني الليبي على تمركزات لقوات الوفاق أمام مقر الإدارة العامة للجوازات والجنسية، وكذلك معسكر اليرموك".

ونقلت وكالة سبوتنيك الروسية عن المصدر قوله أن "قوات الوفاق كانت تتمركز في تلك المناطق وبعد عملية الجيش قاموا(أفراد هذه القوات) بالهروب والانسحاب للخلف إلى سيمفارو الكلية العسكرية للبنات في طريق الهضبة طول".مضيفا بأن "سلاح الجو الليبي التابع للجيش الوطني أستهدف السرية 11 التابعة لقوات الوفاق قرب الكلية العسكرية للبنات بمنطقة الهضبة".

ضربة موجعة

وفي غضون ذلك،أعلنت صفحات موالية لقوات الجيش الوطني،الاثنين، مقتل محمد بعيو المعروف بـ "شيريخان"، وهو آمر كتيبة أماطين، فيما تداولت بعض المواقع والصفحات صورا قالت إنها لجثته.وقالت وكالة الأنباء الليبية إن "شيريخان" قتل في الاشتباكات الدائرة بين الجيش الوطني وقوات حكومة الوفاق في محور صلاح الدين جنوب طرابلس.وذكرت الوكالة أن قوات اللواء التاسع مشاة بالقيادة العامة أعلنت مقتل "شريخان" أحد أكبر قيادات المجموعات المسلحة في طرابلس.

ويقود "شريخان" ميليشيا مسلّحة، ينتمي معظم أفرادها إلى مدينة مصراتة، وانضمّت للقتال في صفوف قوات الوفاق لصدّ تقدّم الجيش الليبي ومنع سيطرته على العاصمة طرابلس، حفاظاً على مصالحها ومناطق نفوذها، حيث تتخذّ من معسكر اليرموك مقرّا لها..

وتتجه أصابع الاتهام نحو "شيريخان" وعناصره بارتكاب مجزرة غرغور عام 2013، عندما قُتل قرابة 50 مدنيًا وجُرح المئات بينهم أطفال ونساء وشيوخ، بعد أن فتحت الميليشيات النار على متظاهرين تجرأوا وطالبوا بإخلاء طرابلس من الكتائب والميليشيا، وخاصة تلك القادمة من مصراتة التي ينتمي لها شريخان.

كما أنه متهم بارتكاب انتهاكات وجرائم وجنايات، أسوة بباقي ميليشيات طرابلس التي أثقلت كاهل الطرابلسيين بالأتاوات والجبايات والتلاعب بالمال العام، إضافة إلى اتهام شريخان بتدبير هجمات على مقار وبعثات دبلوماسية ومنها الاعتداء على السفارة الإماراتية في صيف عام 2013.

ويمثل مقتل "شيريخان"،ضربة موجعة للمليشيات التي دخلت في حالة ارتباك كشفت عنها اتهامات قادة في ميليشيات مصراتة وأقرباء شريخان لكتيبة "النواصي" الحليفة بالخيانة والتسبب في مقتل بعيو.ويرى مراقبون أن هذه الضربة من شأنها أن تثير الرعب والهلع في صفوف قيادات المليشيات وتكسر عجرفتها الزائفة التي ظهرت بها منذ بداية الهعركة على تخوم العاصمة الليبية.

انشقاقات وارتباك

وبالتزامن مع هذه التطورات تتواصل سلسلة الانشقاقات في صفوف حكومة الوفاق والتي كان آخرها اعلان منتسبي الأجهزة الأمنية ببلدية صبراتة عدم تبعيتهم لحكومة الوفاق وانضمامهم للحكومة المؤقتة.

وأعرب منتسبو الأجهزة الأمنية بصبراتة في بيان مصور عن مباركتهم لانتصارات الجيش في الشرق والجنوب والغرب وتوجهه نحو العاصمة طرابلس وإنقاذها من سيطرة المليشيات التي أوغلت في دماء الليبيين ونهبت الأمول وعرقلت مؤسسات الدولة وأجهزتها الضبطية.وأكد منتسبو الأجهزة الأمنية فض الاتباط بحكومة الوفاق التي ثبت انصياعها للمليشيات مؤكدين تبعيتهم للحكومة المؤقتة مشيرين إلى انهم على استعداد لتنفيذ التعليمات الصادرة اليهم.

وياتي ذلك بعد يوم واحد من ظهور انشقاقات كبيرة داخل مؤسسة النفط الليبية الموالية لحكومة السراج؛ إذ أعلنت وحدتان نفطيتان في الشرق تتبعان المؤسسة وللمرة الأولى تأييدهما لعملية تحرير العاصمة، بعد ساعات فقط من إعراب رئيس لمؤسسة مصطفى صنع الله عن انتقاده لما أسماه بعسكرة المنشآت النفطية.

وقبل ذلك،أعلنت مديريات أمن بالعاصمة طرابلس،انشقاقها عن صفوف الكتائب الأمنية الموالية لحكومة الوفاق ودعمها لعمليات الجيش الليبي، لتحرير طرابلس من الجماعات المسلحة.

وفي بيان مصوّر، أكدت مديريات أمن النواحي الأربعة (سوق الخميس امسيحل - سوق السبت - السبيعة - سيدي السايح - قصر بن غشير) انفكاكها عن وزارة داخلية حكومة الوفاق، وأعلنت تبعيتها لوزارة الداخلية بالحكومة المؤقتة، كما دعت إلى ضرورة تأييد الجيش الليبي بقيادة الجنرال خليفة حفتر في معركته لانتزاع العاصمة طرابلس من الميليشيات المسلحة المؤدلجة التي نهبت ثروات الليبيين.بحسب ما نقلت قناة "العربية" الاخبارية.

وفي ظل هذه التطورات،دخلت حكومة الوفاق في حالة ارتباك ما دفعها للاستنجاد بأطراف خارجية،وهو ما كشفت عنه مكالمة هاتفية أجراها رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فائز السراج مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان،أكد خلالها الأخير  أنه سيسخّر كل إمكانات بلاده لمنع ما سماه بالمؤامرة على الشعب الليبي، وأنها ستقف بكل حزم إلى جانب الليبيين وستدعم الحكومة الشرعية المتمثلة في حكومة السراج.حسبما ذكر بيان للمكتب الإعلامي لرئيس المجلس الرئاسي.

وفيما بدا أنه بمثابة تلميح إلى وجود اتفاقيات دفاع مشترك بين حكومة السراج وتركيا، قال البيان إنه "في ختام المحادثة تم التأكيد على توثيق العلاقات الثنائية وتطوير التعاون وتفعيل الاتفاقيات المشتركة بين البلدين".

في المقابل، رفضت وزارة الخارجية بالحكومة المؤقتة في شرق البلاد هذه التصريحات واعتبرتها بمثابة تهديد لأمن المنطقة، وقالت في بيان لها: إن تدخل الحكومة التركية السافر في الشأن الليبي، بدعمهم الجماعات الإرهابية والمتطرفة والمطلوبة دولياً على السلطات الشرعية، التي تحظى بتأييد شعبي كبير، لن يثني الحكومة والجيش عن استعادة العاصمة إلى حضن الوطن وتخليصها من براثن الإرهاب.

وبعدما طالبت إردوغان بالتوقف عن التدخل في الشأن الداخلي الليبي، قالت: إن التاريخ القريب علمنا بأن تركيا لم تتدخل في أي قضية لدول جوارها والشرق الأوسط إلا وأدخلت الدمار إليه.

وترتبط تركيا بعلاقات مشبوهة مع المليشيات المسلحة المسيطرة على العاصمة الليبية حيث تكشف خلال السنوات الماضية الدعم المقدم من تركيا للمسلحين وذلك من خلال العمليات المتكررة لضبط سفن السلاح القادمة من تركيا نحو ليبيا.كما كشفت معركة طرابلس عن دفع أنقرة لمقاتلين أتراك في مواجهة الجيش الوطني الليبي وهو ما أثار غضبا عارما في الوساط الليبية.