فى هزيع ليلة ( القدر ) من شهر رمضان ..بدأ (احمد ) رحلته مع المجهول لتلك الليلة الموعودة بالكنوز كما يذكر الكثيرون و كما تشاع بين اسوار مدينة ( بنغازى ) ..لقد أعد العدة لملاقاة تلك الكنوز الوافدة من السماء دون جهد جهيد..جلس القرفصاء فى حجرته فى استعداد لملاقاة تلك الليلة حيث  الملائكة التى تحمل له الوعد و ما عليه الا ان يتوضأ و يمسك بمصحفه و لا ضير ان رتل بعض الآيات لأستقطاب الحدث ..

لم تغمض لعينيه جفنا و بدأ يدخل فى مرحلة السهر ظانا منهم أن الملائكة لا تتسرب اليه الا فى جوف الليل .. سكان مدينة (بنغازى ) جندوا أنفسهم لتك الليلة لملاقاة الوعد المرتقب..بعضهم جند نفسه الأقامة فى خلوات المساجد اخرون مثل ( احمد ) فضل الأقامة فى بيته ..

فالحديث عن تلك الليلة كانت تتلقفه الأفواه فى كل مكان ..كانوا يشيعون أن الليل ليس للبشر ؟؟تتبعه الأساطير التى ملآت جوانب المدينة بالحديث عن تلك الليلة بأن الملائكة تنزل على الناس واهبة لهم الكنوز اذا ماكانوا اوفر حظا ..فالناس فى المدينة كانواعاجزين عن فعل اى شئ سوى التطلع نحو الغيبيات و كان هذا دأبهم  .. 

لقد عشعشت الأساطير فى جوانب كل بيت فى المدينة حتى اصبح الناس عبيدا لهذه الأساطير ..لقد ملآت جوانب جدران بيوتهم بالمعوذات و أمتلأت صدور أطفالهم بالأحجبة لتقيهم الأمراض و عين الحسد ..

كانت أطفالهم تسقط صرعى ولايذهبون للطبيب بل الى الشيخ ؟؟  كان الأيمان بالغيب هو الحجة السائدة بين الأسر البنغازية وهم يتطايرون حتى من الدواب و يرون فى البعض انها مسكونة بالجان وحتى وأن رؤيتهم قط أسود قبل ذهابهم الى العمل يتراجعون الى البيت خوفا من ان يصيبهم مكروها فى الطريق..فالقط الأسود نذير شر و شؤم شديدين ..

كان فى كل شئ يعتمدون على الغيب حتى فى تدبير شئون معيشتهم ..فكانوا يسلمون أنفسهم الى القدر فى كل شئ حتى فى تدبير أرزاقهم و يسلمون أنفسهم الى القدر ليفعل بهم مايشاء ..كل أحوالهم الحياتية سلموها للقدر ؟؟ فأصبجوا رهينة هذا القدر المتولد عن عجزهم اى فعل تجاه واقعهم المؤلم كان لفظ الخالق تترد على شفايفهم فى كل لحظة ..كانت والدتى رغم أن ليس لديها حظا أوفر من العلم تحث والدى على العمل و ترك الدعة كانت تقول له : أرزق عبدى من عبدى ..

كانت والدتى تنطق بلسان الحكمة الغائبة عن  والدى على السعى نحو رزقه ..( احمد ) رأى أن يجرب حظه مع تلك الليلة الموعودة و لعلى الأقدار تحمل له الكنز الموعود ..فأعتكف فى حجرته طوال الليل فى أنتظار قدوم الملائكة الواعد بما تطلع من كنوز قد تغدق عليه ..كان يشيع فيما حوله أن تلك الليلة تتفتح كنوز الأرض قاطبة لترمى فى حجر الناس وهم قاعدون .. 

( احمد ) لم يسمع قط أن احدا من جيرانه حصل على هذا الوعد .. و لكنه أراد أن يغامر بتلك الليلة  للحصول على الوعد لعله أوفر حظا منهم ..لكن تسرب الشك الى نفسه بأنه ليس الوحيد من سكان المدينة ينفرد بالكنز و هناك العديد الذين يتسابقون على تلك الليلة ..وربما الملائكة تعرج على شخص آخر وتتركه دون عطية ..حاول ( احمد ) أن يطرد الملال من حوله وهو فى وضع وهو يترقب زيارة الملائكة له ..بتلاوة بعض الآيات لأستدراج الملائكة على القدوم اليه .. فى بعض الأحيان يلجأ الى التراتيل الدينية لحث الملائكة على الزيارة . 

شعر ( احمد ) أن الليل بدأ يتراجع وأن خيوط الفجر بدأت تتسرب الى حجرته .. لا شئ فى الأفق يظهر ولو طيف من الملائكة قد يتسرب الى ناظريه ..فكان يقلب ناظريه هنا وهناك لعله أخطأ فى تقدير الوصول الا أن النهار بدأ يشق ظلمة الليل و بدأت أحلامه تتسرب مع ضؤ الشمس 

.. لقد تسرب ضوء الشمس الى حجرته معلنة يوم جديد دون ملائكة تذكر ..لقد شعر باليأس يتسرب الى نفسه و لكنه أدرك شيئا واحدا أن الغيب لا يأتى بشئ الا بتصورات لا وجود لها ..لقد تسرب الى ذاته أن القدر أمكان و ليس فعل و أن السعى هو القدر ..وأن لا ملائكة تحمل الهبات سعيا وراء الناس