في الوقت الذي تتواصل فيه الجهود المحلية والدولية للتوصل الى تسوية شاملة في ليبيا تنهي سنوات من الصراعات والانقسامات التي وصلت بالبلاد الى منعطفات خطيرة، فإن هذه المساعي مازالت تصطدم بحقيقة الأوضاع الأمنية المتردية وخاصة في المنطقة الغربية حيث تسيطر المليشيات المسلحة على العاصمة وتهدد بافشال أي جهود لارساء سلطة موحدة تنهي الفوضي.

وعاشت العاصمة الليبية منذ الرابع من أبريل/نيسان 2019، على وقع اشتباكات عنيفة بين الجيش الوطني الليبي والقوات الموالية لحكومة الوفاق وذلك في أعقاب اطلاق الأول لعملية عسكرية بهدف انهاء نفوذ المليشيات المسلحة واستعادة مؤسسات الدولة.واستمر القتال طيلة الأشهر الماضية دون حسم من الطرفين فيما تصاعد التدخل التركي عبر آلاف المرتزقة والارهابييين وهو مازاد في تأزيم الأوضاع بشكل كبير.

وتصاعدت الدعوات الدولية لوقف اطلاق النار والعودة الى طاولة الحوار وهو ما وافق عليه الجيش الليبي الذي انسحب من محاور العاصمة طرابلس كبادرة لحسن النية فيما واصلت المليشيات المسلحة بدعم تركي أكبر عملياتها العسكرية واقتحمت مدينة ترهونة حيث أعملت فيها جرائمها وانتهاكاتها التي وثقتها الفيديوهات والصور ولقيت تنديدا محليا ودوليا واسعين.

https://twitter.com/afrigatenewsly/status/1272259166896361475

ومنذ سيطرة الميليشيات على المدينة انتشرت مقاطع فيديو على الإنترنت تظهر أعمال نهب للمحال، وإضرام نار في منازل عائلات على صلة بقوات الجيش الوطني وداعميها المحليين.وبالرغم من محاولة حكومة الوفاق اتهام الجيش الليبي بالمسؤولية عن مقابر جماعية في ترهونة فقد كشف قيام مليشيات تابعة لحكومة السراج، بتصفية أسير من قوات الجيش الوطني،ودفنه في ترهونة كذب هذه الاتهامات.

وشنّ ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي هجوما حادا على حكومة الوفاق ومليشياتها، محذرين من إقدامها على تصفية مزيد من أسرى الجيش ودفنهم في مقابر جماعية في ترهونة.وبحسب الناشطين، فإن نقل الباروني إلى ترهونة ودفنه في مقابر جماعية، الغرض منه محاولة اتهام الجيش الليبي بالوقوف وراء الأمر، محذرين من "خداع" حكومة الوفاق ومليشياتها.

وقال الناطق باسم الجيش الليبي أحمد المسماري،تعليقا على الانتهاكات والمقابر في ترهونة والتي أثارت الرأي العام المحلي والدولي، قائلا إنه "معروف من ارتكبها ومن يرتكبها وهي من عقيدة الدواعش والمليشيات الإرهابية، مذكرا بأن زرع الألغام والتفخيخ والتنكيل بالمدنيين واستهدافهم هي من أخلاق المليشيات والإرهابيين وهي أمور شاهدها الجيش الليبي لدى تحرير شرق وجنوبي البلاد في أماكن كانت تسيطر عليها هذه العناصر".

ولم تكن جرائم المليشيات والمرتزقة الأولي في ترهونة فقد شهدت أغلب مدن الغرب الليبي التي كانت تحت سيطرة الجيش الليبي عمليات انتقامية وقتل وتدمير على غرار الأصابعة وصبراتة وصرمان والعجيلات.ولم يجد مسؤولو حكومة الوفاق من تبريرات لأفعال المليشيات سوى الوعود المتكررة بتحقيق لن يتم أو بمنع هذه الجرائم والانتهاكات في المرة القادمة وهو ايضا شيئ لم ولن يتم في ظل عجز حكومة السراج أمام سطوة المليشيات.

انتهاكات المليشيات المسلحة طالت ايضا الجاليات الموجودة في ليبيا،حيث أظهر مقطع فيديو على مواقع التواصل، اعتقال عشرات المصريين في مدينة ترهونة، بتهمة العمل في صفوف الجيش الليبي.وتعاملت المليشيات مع المعتقلين بطريقة مهينة، إذْ أجبرتهم على الوقوف في الشمس حفاة على قدم واحدة، ورفع أيديهم، والهتاف باسم مصراتة، كما ظهر في الفيديو.

وقدّر مصدر في الجيش الوطني الليبي، عدد المصريين الذين اعتقلوا على يد مليشيات حكومة الوفاق في مدينة ترهونة، بنحو 200 مصري.وقال المسؤول في التوجيه المعنوي التابع للجيش، حسين العبيدي، في تصريح لـموقع "إرم نيوز" الاخباري، إن هؤلاء المصريين مجرد عمّال، ولا صلة لهم بالجيش، أو بأي نشاط سياسي، وإن المليشيات اعتقلتهم بشكل عنيف، وروعتهم انتقامًا من الدور المصري.

https://www.facebook.com/newsafrigate/videos/189674342386502/

وقبل هجوم الجيش الوطني الليبي على طرابلس كانت المليشيات المسلحة في صراعات متكررة خلال السنوات الماضية فيما بينها لكنها سرعان ما تحالفت وانظم الى حلفها آلاف العناصر الارهابية ناهيك عن آلاف المرتزقة الموالين لتركيا الذين قامت الأخيرة بنقلهم الى الأراضي الليبية بتواطئ من حكومة الوفاق التي تسيطر عليها جماعة "الاخوان" الذراع الابرز والأهم لنظام أردوغان في ليبيا والمنطقة.

تحالف روجت له حكومة السراج على أنه قوة نظامية تحت امرتها،لكن انسحاب الجيش الوطني الليبي من محاور طرابلس كشف حقيقة هذا الخليط من المقاتلين الذي تحالف فقط لمنع دخول الجيش الليبي الى طرابلس وانهاء فوضى السلاح فيها.ففي تطور جديد،أعلنت عدة شخصيات قيادية في مليشيات طرابلس وبعض العناصر المتشددة عن تشكيل كيان جديد يضم قادة المليشيات وبعض الشخصيات الداعمة لمواجهة مليشيات أخرى خارج طرابلس أبرزها مليشيات مصراتة.

ووفق بيان تناولته صفحات وحسابات موالية لهذه المليشيات على مواقع التواصل فإن هذا الكيان أطلق عليه اسم "مجلس اتحاد طرابلس الكبرى".وبحسب بيان تشكيل الكيان الجديد فإن مهمة "وكيل مجلس اتحاد طرابلس الكبرى" كلف بها القيادي المليشياوي "الصيد قدور" وهو مسؤول بشركة الاستثمارات الخارجية و شقيق آمر مليشيا "كتيبة النواصي" مصطفى قدور.

وحضر اجتماع تشكيل الكيان الجديد قيادات مليشياوية أبرزها "لطفي الحراري" مندوب عن مليشيا "مكتب أبوسليم مليشيات غنيوة" و"ايوب بوراس" آمر مليشيا كتيبة ثوار طرابلس و"عادل دريد" آمر مليشيا كتيبة الضمان ، و"عبد الباسط مروان" آمر مليشيا "المنطقة العسكرية طرابلس" وكذلك القيادي  "محمد الباروني" و معاونه "محمود أبو جعفر" آمر مليشيا فرسان جنزور.

ووفق مراقبين للوضع في العاصمة الليبية فإن هذا الكيان يسعى لمحاولة توحيد صفوف التنظيمات المسلحة للتصدى لتوغل مليشيات مصراتة والزاوية والزنتان في العاصمة الليبية طرابلس، بعد أن طفت إلى السطح بوادر خلافات كبيرة وصلت للمواجهات المسلحة بعد انسحاب الجيش الليبي من طرابلس، ما ينبئ بتصاعد التناحر بين مليشيات الوفاق.

فخلال اليومين الماضيين أقدم عدد من المسلحين تابعين لإحدى مليشيات مدينة مصراتة على قتل عنصرين وإصابة ثالث تابعين لمليشيا "السرية السادسة مكتب أبوسليم".وقامت مليشيات مصراتة بفتح النار على عناصر المليشيا مساء الخميس الماضي أثناء تواجدهم في منطقة الكشوني في باب بن غشير وهم سراج محمد قريرة و سليم الشريف "المشوكة" وإصابة علي سالم الغرياني.وفق ما أوردت تقارير اعلامية.

https://www.facebook.com/newsafrigate/videos/679737165907054/

من جهة أخرى،تتصاعد حدة الاحتقان بين المليشيات والمرتزقة الموالين لتركيا،وخاصة في ظل الانتهاكات التي يمارسها مرتزقة أردوغان في طرابلس.وانتشرت صور ومقاطع فيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي للمرتزقة السوريين الذين يحتلون بيوت أهالي طرابلس ويرفضون الخروج منها، وآخره فيديو متداول لشخص يفتش بيته بوجود المرتزقة فيه ويستأذن منهم الدخول لغرف بيته ويوصيهم على أغراضه وحاجياته.

وبحسب متابعين للشان الليبي فان هذه الصور والفيديوهات تثبت أن الوضع في طرابلس مع المرتزقة السوريين أصبح مأساويًا وأنهم صاروا مليشيا أخرى إلى جانب المليشيات التي تعج بها طرابلس ولا قدرة على حكومة الوفاق في السيطرة عليهم أو كبحهم.ويشير هؤلاء الى أن خطر المرتزقة الأتراك يتجاوز حدود ليبيا ليهدد دول الجوار والدول الأوروبية خاصة في ظل الحديث عن عمليات هجرة للعديد من المرتزقة والارهابيين بعد أن خلفت أنقرة بوعودها.

ويشعر المقاتلون السوريون بخيبة أمل كبيرة على خلفية عدم التزام النظام التركي بتعهداته المالية لقاء دعمهم لميليشيات طرابلس في مواجهة الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر.وتكبّد المرتزقة السوريون في الفترة الأخيرة خسائر كبيرة في الأرواح خلال العمليات العسكرية في العاصمة طرابلس، مما عمّق من مشاعر الإحباط والخوف لديهم،وفق تقارير اعلامية.

واعترفت حكومة الوفاق فى عدة مناسبات بسيطرة ميليشيات مسلحة إجرامية على مفاصل العاصمة طرابلس وعدم قدرتها على مجابهتها، إلا أن تحرك الجيش الليبى إلى طرابلس دفع رئيس المجلس الرئاسى فائز السراج إلى التحالف مع تلك التشكيلات لصد هجوم القوات المسلحة الليبية التى تسعى لتحرير العاصمة وحل الميليشيات ونزع أسلحتها.

ويشير مراقبون الى أن انهاء سطوة المليشيات بات ضروريا قبل الحديث عن أي حلول سياسية في البلاد.ويؤكد هؤلاء أن بعثة الأمم المتحدة تتحمل أسباب استمرار وجود الميليشيات المسلحة وتمركزها فى طرابلس بسبب تغاضيها عن تفعيل ملحق الترتيبات الأمنية الوارد فى اتفاق الصخيرات الذى وضع آلية واضحة للتخلص من الميليشيات، بالإضافة إلى الرؤية التى وضعها العسكريين الليبيين خلال اجتماعاتهم الست فى القاهرة للتعامل مع مشكلة الميليشيات وكيفية حلها ونزع أسلحتها.