يعتبر الإجرام المنظم أو ما يطلق عليه اصطلاحا "الجريمة المنظمة العابرة للحدود"، من أهم التحديات التي تواجه الدول كافة، كونها تشكل أخطر أنماط الجرائم في العصر الحديث، حيث تصنف على أنها فئة من التجمعات والتنظيمات المحلية والدولية عالية المركزية والتي تدار عن طريق الجماعات الإجرامية المدربة لتنفيذ أنشطة غير قانونية ضد الدول والمجتمعات المستهدفة وقد وصف قانون مكافحة الجريمة المنظمة في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1970 تلك الجرائم المنظمة بأنها الأنشطة غير المشروعة التي تقوم بها منظمات عالية التنظيم.

وبات الإجماع الدولي على تعريف الجريمة المنظمة مهما منذ السبعينيات بسبب زيادة انتشاره وتأثيره، على سبيل المثال، تعريف الأمم المتحدة في عام 1976 والاتحاد الأوروبي 1998 " الجريمة المنظمة هي نشاط إجرامي واسع النطاق ومعقد تقوم به مجموعات من الأشخاص، سواء كان تنظيما فضفاضا أو محكما لصالح بعض المجرمين على حساب مجتمعاتهم.

وبالرغم من استخدام تلك المنظمات الإجرامية العابرة للحدود لكافة وسائل التكنولوجيا الحديثة في عملياتها وضمان سرية أنشطتها واستقطاب أعضائها، والأمثلة على ذلك كثيرة، إلا أن المجتمع الدولي أصبح أمام تحديات جديدة في مواجهة تطور واستحداث وسائل جديدة للجريمة المنظمة، بيد أن العالم بات رهينا لكوارث التنامي المتصاعد للإجرام المنظم، ما يفرض تحديات جديدة على الساحة العالمية والدولية من أجل محاربة هذه التنظيمات العابرة للحدود، فلم يعد يكفي العكوف على وضع القوانين وتوقيع الاتفاقات لمواجهة ما يلوح في الأفق من عمليات التوظيف السياسي للجرائم المنظمة بدافع الابتزاز والانتهازية.

ووفقا للأبحاث والدراسات الحديثة حول الجريمة المنظمة العابرة للحدود، فإن الابتزاز بكافة صوره وأشكاله، يعد عاملا رئيسيا في عمليات تنفيذ وتوظيف الجريمة المنظمة، حيث إنه مع بزوغ عصر التكنولوجيا، أصبح السلوك الإجرامي المنظم يزاحم السلوك الإجرامي الفردي ويتفوق عليه في العديد من المجالات والميادين، فإذا كانت الجريمة المنظمة العابرة للحدود قد بأت في عالم المال والاقتصاد والابتزاز، فإن اليوم يشهد على تطور الوسائل المستخدمة في تنفيذ هذه النوعية من الجرائم وما يلحق بها من تداعيات كارثية للمجتمعات المستهدفة، إذ إن جماعات الجرائم المنظمة لن تتوانى في أية أنشطة لها، طالما أنها تصب في الغاية التي أنشئت وتأسست من أجلها والمتمثلة في جلب المنافع المالية، بغض النظر عن مكان ارتكاب الجرائم.

ومن هنا تظهر أهمیة دراسة الجریمة المنظمة العابرة للحدود، باعتبارها من المواضیع المتجددة التي لن تنتهي بالبحث والدراسة، خاصة مع تنامي وتزاید الوعي والإدراك الدولي بخطورة هذه الجریمة التي أضحت تشكل صعوبة بالغة لأجهزة إنفاذ القانون، وخاصة أنظمة العدالة الجزائیة، في مجال المكافحة المقررة لها، حيث ترجع صعوبة الوصول إلى تكوين رؤية متكاملة حول تعريف هذه النوعية من الجرائم إلى تعدد الأشكال التي تتخذها هذه الظاهرة وتنوع أنشطتها المرتكبة في سياقها، فضلا عن الجدل القائم حول مفهومها، إذ يعتقد البعض أنها ظاهرة غامضة، ومع ذلك نجدها محل اهتمام بالغ من قبل الباحثين في القوانين الدولية والوطنية. 

وبحسب الأبحاث والدراسات التي تطرقت لهذا الموضوع، فإن الجريمة المنظمة تشمل العديد من الأشكال والصور، منها، العمليات الإرهابية، الابتزاز، القرصنة، الاغتيال، منح القروض بأموال عالية جدا، الاغتيال، التفجيرات، وضع المراهنات، القمار، حيل الثقة، انتهاك حقوق الملكية، تزوير الملكية الفكرية، المتاجرة بالسلع المسروقة، الاختطاف، البغاء، التهريب، الاتجار بالمخدرات، الاتجار بالأسلحة وتهريبها، تهريب الآثار، الاتجار بالأعضاء، القتل المأجور، تزوير وثائق الهوية، غسيل الأموال، الاحتيال على التأمين، تحديد الأسعار، التخلص غير المشروع من النفايات السامة، التداول غير المشروع للمواد النووية، تهريب المعدات العسكرية، تهريب الأسلحة النووية، توفير الهجرة غير القانونية والعمالة الرخيصة، تهريب الأشخاص، الاتجار بالأنواع المهددة بالانقراض، إقامة احتكارات في صناعات متنوعة، الفساد السياسي والبلطجة.

وينطلق منفذو الجرائم المنظمة في تنفيذ العمليات الإجرامية، كما يرى الباحثون، من منطلق نظرية "التعلم الاجتماعي" أي من خلال التواصل الدؤوب مع بعضهم البعض، ولذلك فإن نجاح مجموعات الجريمة المنظمة يتوقف على قوة اتصالها عن طريق عمليات التوظيف والتدريب المستخدمة لاستدامة أو بناء أو سد الثغرات في العمليات الإجرامية، وقد تطورت هذه النظرية أيضا لتشمل نقاط القوة والضعف للبيئة المستهدفة والتي يمكن استخدامها في سياق المشاريع الإجرامية المستمرة للمساعدة في فهم الملامح بالنسبة لبعض الجرائم أو الضحايا، ومستوى الاندماج في الثقافة السائدة.

وفي السياق ذاته، تم التوقيع مؤخرا على بنود الاتفاقية العربية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية، التزاما من الدول العربية بالمبادئ الأخلاقية والدينية السامية، ولا سيما أحكام الشريعة الإسلامية السمحة، وبأهداف ومبادئ ميثاق جامعة الدول العربية وميثاق الأمم المتحدة والاتفاقيات والمعاهدات العربية والدولية في مجال التعاون القضائي والأمني لمنع ومكافحة الجريمة والتي تكون الدول المتعاقدة طرفا فيها، ولا سيما منها اتفاقية الرياض للتعاون القضائي، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة.

وقد جاء التوقيع على هذه الاتفاقية، إدراكا من الدول العربية لأهمية التصدي للجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية، لما تمثله هذه الجريمة من تهديد لأمن الأمة العربية واستقرارها وعرقلة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلدان العربية، وحرصا منها على تعزيز التعاون العربي في مجال منع ومكافحة الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية في المجالين القضائي والأمني وتجريم الأفعال المكونة لهذه الجريمة، واتخاذ تدابير وإجراءات منعها ومكافحتها وملاحقة ومعاقبة مرتكبيها وشركائهم وفق أحكام الشريعة الإسلامية السمحة أو القوانين الوطنية مع مراعاة النظام العام لكل دولة، وأخذا في الاعتبار عدم تعارض أحكام الاتفاقية مع دساتير الدول أطراف هذه الاتفاقية وأنظمتها الأساسية.

وتعد مؤتمرات الأمم المتحدة لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين (التي تعقد كل خمس سنوات)، من أهم المؤشرات على الاهتمام الذي توليه الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة، ومن أبرز هذه المؤتمرات نذكر: مؤتمر الأمم المتحدة الخاص بمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المنعقد بجنيف سنة 1975م، وهو أول مؤتمرٍ يطرح موضوع الجريمة المنظمة للدراسة والنقاش بوصفها ظاهرة قائمة.. مؤتمر الأمم المتحدة السادس لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين في كاراكاس عام 1980م..

ومن بين هذه المؤتمرات: مؤتمر الأمم المتحدة السابع لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين في ميلانو عام 1985م: الذي أوصى بضرورة بذل الجهود لمكافحة ظاهرة الاتجار غير المشروع بالعقاقير المخدرة وإساءة استعماله.. ومؤتمر الأمم المتحدة الثامن لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين بهافانا عام 1990م.. ومؤتمر الأمم المتحدة التاسع لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين في القاهرة عام 1995م.. مؤتمر الأمم المتحدة العاشر لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين في فيينا عام 2000م.. مؤتمر الأمم المتحدة الحادي عشر لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين في بانكوك عام 2005م.. مؤتمر الأمم المتحدة الثاني عشر لمنع الجريمة المنظمة ومعاملة المجرمين في السلفادور عام 2010.