في يوم الخميس 23 أغسطس 2013، قامت مجموعة إسلامية مسلحة بهدم وتفجير ضريح ومسجد الشيخ عبد السلام الأسمر، وزاويته، وحرق آلاف الكتب التاريخية في مكتبته، مستخدمين القنابل والجرافات، على اعتبار أن عناصرها تعتبرها "مزارات وثنية" بحسب وصف السلفية.

تعدّ زاوية الشيخ عبد السلام الأسمر من أهم وأكبر مراكز تحفيظ القرآن الكريم في ليبيا، وتوجد حالياً بجوار زاوية الأسمر الجامعة الإسلامية الليبية التي سميّت بالجامعة الأسمرية للعلوم الإسلامية في محاولة لمواصلة مسيرة الشيخ عبد السلام. 

يقع المقر الرئيسي للجامعة في مدينة زليتن، وقد تم إقرارها رسميا سنة 1993 وفتحت أبوابها للتعليم النظامي الحديث سنة 1994 تتبع اللجنة الشعبية العامة للتعليم العالي، يلتحق بالدراسة في الجامعة لتحضير درجة الشهادة الجامعية الليسانس في مجال تخصص الطلبة من حملة الثانوية الشرعية ( علوم اجتماعية شعبة الشريعة )، ومدة الدراسة بها أربع سنوات .

كما يلتحق بالدراسة في الجامعة لتحضير درجة الإجازة العليا الماجستير في مجال التخصص الطلبة من حملة الشهادة الجامعية الليسانس (شريعة – قانون – لغة عربية ) كما تمنح الجامعة درجة الإجازة الدقيقة (الدكتوراه(.

يبلغ عدد كليات الجامعة أربع كليات وهي :(كلية أصول الدين، كلية الشريعة والقانون، كلية الدعوة والإمامة والخطابة، كلية اللغة العربية) كما يوجد فروع للكليات في مدن أخرى من ليبيا وهي : (كلية العلوم الشرعية سبها، كلية العلوم الشرعية مسلاتة، كلية الدراسات الإسلامية البيضاء). 

بلد المليون حافظ للقرآن الكريم:

قليلون هم من يعرفون عن ليبيا أنها بلد المليون حافظ للقرآن الكريم، وأن الحفظة فيها لا يقلون عن خمس السكان، ويصل احترام حافظ كتاب الله فيها لدرجة أنه يوضع معنويا وماديا في مقام خريج الجامعة في السلك الوظيفي.

وكل هذا بفضل الزوايا والخلاوي والكتاتيب التي يربعددها على 5 آلاف تنشر تحفيظ القرآن الكريم في ربوع الجماهيرية سواء في المدن أالقرى، بحسب ما ذكره الدكتور محمد أحمد الشريف، أمين عام جمعية الدعوة الإسلامية العالمية، لـ"إسلام أون لاين.نت". وأضاف أن هذه الزوايا والخلاوي والكتاتيب خرَّجت أكثر من مليون حافظ للقرآن، بخلاف هؤلاء الذين يحفظون ما بين ثلاثة أرباعه أنصفه أربعه؛ ما يعني أن غالبية الشعب الليبي (يبلغ عدد سكان ليبيا 5 ملايين نسمة) تضم في صدورها قسطا وفيرا من الكتاب الكريم.
 
ومن المميزات التي ينفرد بها حافظ كتاب الله في ليبيا، فضلا عن التكريم والاحترام من المحيطين حوله، أنه يتساوى وظيفيا بخريج الجامعة حتى وإن لم يكن عمره قد تجاوز الـ16 عاما.

وتعد المنارات والكتاتيب والزاويا هي المركز الأول لتحفيظ وتعليم القرآن الكريم في الجماهيرية الليبية في الوقت الحالي، وهي المنوط بها بشكل أساسي توصيل علوم القرآن الكريم إلى المتعلمين وغير المتعلمين على حد سواء، أما على المستوي الرسمي فيوجد تعليم ديني في مدارس التعليم الأساسي والثانوي.

وفي مرحلة التعليم الجامعي لا يوجد في ليبيا جامعة متخصصة في التعليم الديني سوى جامعة الأسمرية للعلوم الإسلامية التي فتحت أبوابها عام 1994، وهي تنسب في اسمها إلى عبد السلام الأسمري مؤسس أهم المراكز الإسلامية في ليبيا.
 
 
وحلت هذه الجامعة محل جامعة محمد بن علي السنوسي التي كانت أول جامعة إسلامية في ليبيا وأنشأت عام 1960، وعرفت جامعة السنوسي فيما بعد ثورة الفاتح 1969 باسم جامعة عمر المختار، إلا أنه تم تحويل هذه الجامعة من جامعة تقدم العلوم الدينية إلى جامعة متخصصة في العلوم الزراعية بعد الثورة تخوفا من أن تكون امتدادا لفكر الحركة السنوسية المحظورة في ليبيا.
 
 
وبالإضافة إلى جامعة الأسمرية التي تضم عدة كليات متخصصة في الفقه والشريعة واللغة وأصول الدين وغيرها وأنشئت بشكل أساسي للطلاب الليبيين توجد كلية الدعوة الإسلامية التابعة للجمعية العالمية للدعوة الإسلامية التي أنشئت بشكل أساسي للطلاب المسلمين الوافدين من دول إسلامية ليس بها تعليم ديني.

وتستقبل هذه الكلية التي أنشئت عام 1974 طلابا من 63 دولة عربية وأجنبية؛ ما أعطاها طابعا عالميا، وهي تقوم على إعداد الدعاة علميا وتربويا، وتقدم لهم علوم الفقه والشريعة وأصول الدين واللغة العربية، وهدفها تخريج كوادر قادرة على نشر الصورة الصحيحة للإسلام في ربوع العالم.

في تاريخ الجامعة الأسمرية:

لم يكن ميلاد الجامعة الأسمرية الإسلامية في رحاب زاوية الشيخ عبد السلام الأسمر بزليتن، اعتباطيا أو وليد الصدفة، وإنما تقديرا للدور الحضاري والعلمي الذي قامت به هذه الزاوية في المجتمع الليبي، فمنذ ما يزيد عن خمسة قرون، وتحديداً في العقد الثاني من القرن العاشر الهجري (912 هـ ـ 1506 م)، وضع الشيخ عبد السلام الأسمر لبناته الأولى في صرح زاويته.

ففي أوائل هذا القرن الذي شهد ميلاد هذه الزاوية، وقبله بسنوات عدة، شهدت طرابلس الغرب أحداثاً جساماً، كان لها بالغ الأثر في شتى مناحي الحياة، من هذه الأحداث انفصالها عن دولة بني حفص بتونس، وتشكيلها حكماً ذاتياً خاصاً بها على رأسه شيخٌ من شيوخها. غير أنه لم يمض على هذا الوضع سوى عقد واحد من الزمن، حتى أخذت بعض القوى المحلية، ممن كان بيدهم عصب الحياة الاقتصادية بالمدينة في التآمر على حياة هذا الشيخ، وقد استطاعت بالفعل أن تجعل لها حداً، وأن تأتي بشيخ آخر تبعه آخر وآخر، وهكذا اضطربت الأمور.

وفي خضم هذه الأحداث تعالت صيحات بعض قوى الغرب المتعصبة للمسيحية تنادي بضرورة احتلال طرابلس وغيرها من مدن الشمال الإفريقي، واتخاذ هذه المدن قواعد لمواجهة التوسع الإسلامي، الذي تولى الأتراك العثمانيون قيادته وتوجيهه، الأمر الذي أوجب على ذوي البصر أن يقوموا بدورهم كاملاً حيال مجتمعهم وما يدبر له.

وكان من ذوي البصر هؤلاء، الشيخ عبد السلام الأسمر الذي رأى أن وسيلته في ذلك هي الاتصال المباشر بأفراد المجتمع، فالاتصال المباشر وحده هالذي يعين على إشعال الجذوة الروحية بينهم،ثم تبصيرهم بما يدور حولهم، ويستهدفهم في عقيدتهم ولغتهم ووطنهم، وحتى يتسنى له ذلك، وبصورة أكثر جدوى وفاعلية، رأى لزاماً عليه أن يقوم بابتناء زاوية، تجمع بين العلم والتصوف، وتقدم كل الخدمات الاجتماعية التي يحتاجها المجتمع.

وقد وقع اختياره على مدينة زليتن؛ لتكون مهداً لهذه الزاوية، نظراً لما تتمتع به من احترام في قلوب كثير من الليبيين، هذا الاحترام مبعثه ما وصفت به من أنها مأوى الصالحين وروضة العابدين، وما ضمته جنباتها من عشرات القباب، والأضرحة التي ابتنيت على قبور المرابطين في سبيل الدفاع عن الإسلام والمسلمين.

وهكذا أصبحت زاوية الأسمر حقيقة واقعة، كما أرادها وتصورها مؤسسها جامعة علمية ـ إن جاز هذا التعبير ـ تكمل ذلك الفراغ الملموس في سلسلة الجامعات الإسلامية المنتشرة، على طول الشمال الإفريقي، بدءاً بجامع القرويين بفاس، ومروراً بجامع الزيتونة، بتونس وانتهاء بالجامع الأزهر بمصر، وروضة من رياض الذكر، وموقعاً من مواقع الجهاد، يستنهض الهمم، وينبه إلى مكامن الخطر.

زليتن حاضنة الأسمرية:

من هنا كانت الجامعة الأسمرية الإسلامية امتداداً علمياً وحضارياً لدور زاوية الشيخ عبد السلام الأسمر الفيتوري التي أسهمت خلال خمسة قرون من الزمن، في بناء صرح العلم والمعرفة، وتبديد ظلام الجهل والتخلف في ربوع ليبيا، وفي أرجاء متعددة من العالم الإسلامي، ونتيجة لحركة النموالتطور التي تشهدها ليبيا، تطورت هذه الزاوية إلى جامعة إسلامية لها شخصيتها الاعتبارية في المجتمع الإسلامي. 

وتقع الجامعة الأسمرية في مدينة زليتن، إحدى المدن الساحلية المهمة في ليبيا، تربض المدينة على الشاطئ الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط، يطالعها البحر الأبيض المتوسط من الشمال بساحل يُقدّر بأكثر من (50) كم، وتجاورها من الشرق مدينة مصراتة، وتمتدّ جنوباً بعمق (60) كم إلى منطقة بني وليد، وتبعد عن مدينة طرابلس غرباَ بـ (158) كم، وتبلغ مساحتها حوالي (2470) كم‌2.

 ويتميز موقع زليتن جغرافياً بأهمية اقتصادية كبيرة، إذ تقع على الطريق الساحلي، طريق القوافل الرئيس الذي يربط مدينة الإسكندرية بمدن المغرب العربي، وهطريق الحج القديم، أرّخ لها من العرب الرحّالة الحسن بن محمد الوزان المعروف بليون الأفريقي (ت بعد 957 هـ) وقال: إنها تشتهر بزراعة النخيل، وإن أهلها أصحاب تجارة مع المصريين والصقليين. وقد ازدادت أهميتها حديثاَ، من خلال شبكة الطرق التي تربطها بالريف ومختلف المناطق المجاورة، فضلاَ عن كونها تحتوي ميناءَ بحرياَ يستقبل البضائع التجارية والزراعية. 

وكان للعامل الديني أثرٌ بارز في تطور واقع المدينة ومخططاتها، فكثرة الزوايا التي يقصدها طلاب العلم، وتعدد الأضرحة التي يأتيها الناس من جميع أنحاء البلاد وخارجها، ومن أشهرها مقام الشيخ عبد السلام الأسمر الفيتوري، شجّع على الاستقرار، والعمل في التجارة والزراعة، وأسهم في نمالمدينة وتوسعها حيث شُيّدت المساجد والفنادق، وأقيمت الأسواق خدمة للزوار والمسافرين. 

وقد تطورت المدينة كذلك، بفعل النمالطبيعي لعدد سكانها، ورافق ذلك توسّع الأعمال التجارية فيها، وامتداد العمران إلى أطرافها، فغدت مدينة حديثة، تشتمل على الخدمات اللائقة بإرثها الحضاري العريق.

وليّ الشعب:

اهتم عدد من الباحثين والمختصين بالبحث حول شخصية الأسمر ودوره التعليمي والتربوي والاجتماعي، ويعد من أكثر الدراسات وضوحًا وإيجازًا، كتاب "عبد السلام الأسمر. آراؤه وأفكاره في ميزان الشريعة الإسلامية" للدكتور محمد محمد عزالدين الغرياني الأستاذ بكلية الدعوة الإسلامية، كما تناولت هذا الأمر عدة رسائل علمية، منها رسالة دكتوراة قدمت في سبعينيات القرن الماضي بكلية أصول الدين في جامعة الأزهر، ورسالة دكتوراة في تسعينيات القرن الماضي أعدها في المغرب الدكتور الليبي مصطفى رابعة.

يعد عبد السلام الأسمر بن سليم الفيتوري الإدريسي الحسني، من أهم علماء ودعاة الإسلام في القرن العاشر الهجري، فهمن فقهاء المالكية وعالم في عقيدة أهل السنة الجماعة، ومن أبرز مشائخ التربية والسلوك على منهج أئمة التصوفوأحد أهم ركائز الحركة العلمية والدعوية في المغرب الإسلامي.

وهو من أشهر أولياء القطر الليبي قاطبة. فهو أكثر الشخصيات الإسلامية شعبيةً في ليبيا ولهذا لقّبه البعض ب(وليّ الشعب). كان غزير التأليف إلا أن أكثر مؤلفاته انتهت إلى الضياع حينما نهبت زاويته في فتنة مقتل ابنه عمران سنة 995 هجريا. وعندما يقال (سيدي عبد السلام) بدون زيادة تعريف فالمقصود هنا هو الشيخ عبد السلام الأسمر، ولفظ (سيدي) يطلق في بعض مناطق غرب ليبيا على الأب وفي شرق ليبيا على العم، وقد جرت عادة أهل بلاد المغرب الإسلامي على إطلاق لفظ (سيدي) على العلماء والصالحين خاصةً إذا كانوا ينتسبون إلى آل البيت، احتراماً وتقديراً ومودةً لهؤلاء العلماء والصالحين، وتعبيراً عن روح الأبوّة تجاههم، تطبيقاً لتعاليم الإسلام بتوقير العلماء والصالحين وإظهار المودة لآل البيت النبوي.

وقد تضمّن منهجه الدعوي والإصلاحي الاهتمام بمختلف طبقات المجتمع ولم ينحصر في الطبقة المتعلمة، الأمر الذي جعله قائداً روحياً وبمثابة حجر زاوية لرسوخ الإسلام في المغرب الإسلامي، ورغم مضي خمسة قرون على وفاته فإن أثره لا يزال واضحاً ومؤثراً على الصعيدين العلمي والاجتماعي .