في الوقت الذي كثفت فيه قوات الجيش الليبي من هجماتها على الميليشيات المسلحة، في إشارة قوية إلى دخول معركة تحرير طرابلس إلى مرحلة الحسم وتخليص العاصمة الليبية من هذه المجموعات الخارجة عن القانون،تزداد الصورة وضوحا حول مدى ارتهان حكومة الوفاق للأجندات التركية التي تقودها أطماع أردوغان في السيطرة على ليبيا ونهب ثرواتها.
وتحولت حكومة الوفاق الى بوابة للمخططات التركية الساعية الى مد النفوذ في البلاد وتحقيق أحلام أردوغان التي لم يتوانى في كشفها صراحة في أكتوبر الماضي حين زعم أن بأن "الأتراك يتواجدون فى ليبيا وسوريا، من أجل حقهم، وحق إخوانهم فى المستقبل"،وأضاف "تركيا وريث الإمبراطورية العثمانية" مشيرا إلى سعيه لإحياء ما وصفه بالمجد القديم للأتراك.

وبعد شحنات السلاح والطائرات المسيرة التي ساهمت في اراقة دماء الليبيين بدون رحمة،فتحت حكومة الوفاق الباب أمام التدخل التركي المباشر مع اعلان البرلمان التركي،الخميس،موافقته على مشروع قانون يسمح بنشر قوات في ليبيا،على الرغم من انتقادات نواب المعارضة، الذين رفضوا التصويت جميعا.
وجاءت موافقة البرلمان التركي بعد طلب رسمي من حكومة الوفاق للتدخل العسكري التركي في ليبيا وذلك استنادا لاتفاقين منفصلين الشهر الماضي بين السراج وأردوغان، أحدهما بشأن التعاون الأمني والعسكري والآخر يتعلق بالحدود البحرية شرق البحر المتوسط،واللتين قوبلتا برفض محلي ودولي واسع واعتبرا تكريسا لأطماع أروغان التوسعية في المنطقة.
واستبق أردوغان موافقة البرلمان التركي على ارسال قوات تركية الى ليبيا عبر ارسال بمئات من المرتزقة والارهابيين الموالين لأنقرة في سوريا نحو ليبيا،وتحدث المرصد السوري لحقوق الإنسان،عن وصول 300 مقاتل الى طرابلس، في حين أن هناك 1000 مقاتل وصل للمعسكرات التركية لتلقي التدريب قبل الانتقال إلى ليبيا.فيما تداول ناشطون مقاطع مصورة لمسلحين أتراك يقاتلون الجيش الليبي جنوب العاصمة طرابلس.
وبالرغم من التنديد المتواصل محليا ودوليا بالتهديدات التركية وعدوانها السافر على ليبيا،سارعت حكومة الوفاق عبر مجلس الدولة التابع لها الى الترحيب بموافقة البرلمان التركي مذكرة تفويض تسمح للرئاسة التركية بإرسال قوات عسكرية لليبيا.وقال المجلس في بيان له إنه "يتأسف .. لما أوصلنا إليه .. حفتر والدول الداعمة له" من قتل ودمار ومعاناة، مما اضطرنا إلى الاستعانة بشكل شرعي بالأصدقاء الأتراك للدفاع عن شعبنا وحماية المدنيين".على حد تعبيره.

 أما وزير الخارجية بحكومة السراج محمد الطاهر سيالة،فقد سارع بشكر نظيره التركي تشاووش أوغلو، وفقا لما أوردته وكالة "الأناضول" التركية.وقالت الوكالة إن سيالة شكر نظيره التركي على مصادقة البرلمان في أنقرة على مذكرة إرسال قوات عسكرية إلى ليبيا.فيما قالت وزارة الخارجية في حكوة الوفاق، في إيجاز صحفي، إن وزير الخارجية محمد الطاهر سيالة أجرى اتصالًا هاتفيًا بكل من وزير الخارجية التركي داوود أوغلو ومستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
ويبدو واضحا ارتهان حكومة الوفاق الى الأجندات التركية لدرجة الأصرار على تسليم ليبيا الى الأتراك في محاولة للحفاظ على السلطة وهو ما اعتبره النائب الثاني لرئيس مجلس النواب أحميد حومة،في تصريح نقلته وكالة الأنباء الليبية التابعة للحكومة المؤقتة،"خيانة عظمى" من حكومة الوفاق التي لم تتوانى في استدعاء "الغزو التركي" للبلاد خدمة لأطماع أردوغان.
ودعا حومة "كل الشرفاء في كافة ربوع البلاد للالتفاف الفوري حول الجيش الليبي لصد محاولات الغزو التركي لليبيا"، مشيرا إلى أن "الرد سيكون قاسيا وفي الميدان، وعلى أردوغان والأتراك قراءة تاريخ الجهاد الليبي جيدا".ولفت إلى أن "خطوة أردوغان الرعناء وجر برلمان بلاده لتأييدها ستكون لها تداعياتها الخطيرة في المنطقة"، داعيا المجتمع الدولي إلى "تحمل مسؤولياتهم تجاه هذا العبث".
من جانبه أكد المستشار الاعلامي لرئاسة مجلس النواب فتحي عبدالكريم المريمي،أن رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج باع ليبيا لتركيا مقابل بقائه في المجلس الرئاسي ليحمي التشكيلات المسلحة في العاصمة طرابلس والمصالح التركية في البلاد.وبين المريمي في تصريح لبوابة إفريقيا الإخبارية أن الجيش جاهز لمواجهة تركيا وسوف يتصدى لها مدعوما من الشعب الليبي كما أن دول الجوار ودول البحر الأبيض المتوسط ترفض هذا التدخل الذي يهدد أمنها القومي وبالتأكيد ستساند ليبيا في مواجهته.

وتسارعت ردود الفعل المحلية الرافضة للتدخل التركي في ليبيا،حيث حذر أعضاء مجلس النواب الليبي،في بيان لهم مساء الخميس،  الشعب التركي، مما وصفوها بـ "المغامرات غير المحسوبة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان" ، مطالبين إياهم بعدم إرسال أبنائهم من العسكريين للانضمام إلى تيار الإخوان في ليبيا.ورحّب المجلس بخطوات أحزاب المعارضة التركية التي اصطفت إلى جانب شعبها ضد مغامرات أردوغان والاستهانة بدماء أبنائهم".
ووصف رئيس المجلس الاجتماعي الأعلى لقبائل ومدن وقرى فزان، علي مصباح أبوسبيحة، تصريحات الرئيس التركي رجب أردوغان وتصويت البرلمان التركي على إرسال قوات إلى ليبيا بأنه "استفزازية ومهينة للشعب الليبي".وناشد أبوسبيحة،في تصريح لـ "بوابة إفريقيا الإخبارية"،  الشعب الليبي بأن يترك الخلافات السياسية جانبا، قائلا "الوطن في خطر ومن يتصارعون على السلطة سيصحون ويجدون أنفسهم بلا وطن".
من جانبه اعرب رئيس المجلس الاعلى لقبائل زوية الشيخ السنوسي الحليق في اتصال خاص ببوابة افريقيا الاخبارية  عن رفض ابناء القبيلة للدور التركي في دعم المليشيات الارهابية في العاصمة طرابلس.ودعا الحليق الاتحاد الاوروبي والجامعة العربية والاتحاد الافريقي ، الى اتخاذ مواقف عملية والتحرك لاجبار تركيا على التوقف عن دعمها للمليشيات الارهابية في العاصمة.

وحذر الحليق بان قبيلة زوية اذا لم تجد اي تحرك عملي حقيقي في اتجاه وقف الاعتداء والاطماع التركية السافرة ، سوف تقوم القبيلة باقاف الحقول النفطية التى تقع في مناطقها. وقال الحليق ان النفط يذهب لصالح المليشيات الارهابية وتستفيد منه الحكومة التركية الغاشمة المعتدية ، منوها الى ان اهم الحقول النفطية تقع في مناطق القبيلة وان فرصة وحيدة ونهائية امام المجتمع الدولي للضغط على الحكومة التركية ،  وانه اذا لم تجد القبيلة استجابة سريعة ،  فانه  لا تراجع عن قرار ايقاف النفط وهو انذار نهائي وهو قرار شعبي  لابناء القبيلة التى قدمت ابنائها في الدفاع عن الوطن.
وفي ذات السياق أكد محيي الدين الكافالي أحد أعيان ووجهاء الزنتان،في تصريح لـ "بوابة إفريقيا الإخبارية"،أن "سيكون للشعب الليبي ردا قاسيا على حكومة أردوغان الإخوانية، ولم ولن يسمح للجيش العثمانلى بأن تطئي أقدامه أى شبر من الأراضي الليبية أو العربية مرة أخرى"، بحسب تعبيره.
وعلى الصعيدالشعبي،أعلنت مجموعات من منظمات المجتمع المدني والهيئات والمؤسسات الخدمية من مختلف المناطق الليبية، الخروج عصر الجمعة، في مظاهرات رافضة للتدخل التركي وداعمة للجيش الليبي.وأوضحت الجهات المنظمة، في بيانات منفصلة أصدرتها،الخميس، أن الخطوة تأتي على خلفية تصويت البرلمان التركي بالموافقة على إرسال قوات إلى ليبيا، وما اثاره من غضب للشارع الليبي.
ردود الفعل المحلية الرافضة ترافقت مع رفض عربي ودولي للتهديدات التركية وتدخلها السافر في ليبيا،حيث أعرب البرلمان العربي عن رفضه التام لقرار البرلمان التركي غزو ليبيا، مشددا على أن ذلك يعد انتهاكا صارخا لقرارات مجلس الأمن الدولي التي نصت على حظر توريد السلاح إلى ليبيا.وأدان رئيس البرلمان العربي مشعل السلمي، في بيان له بأشد العبارات الغزو العسكري التركي لليبيا، معتبرا أن ذلك يعد تهديدا مباشرا للأمن القومي العربي، ويعرض أمن واستقرار المنطقة والأمن والسلم الدوليين للمخاطر.

وبدورها أعربت الأمانة العامة للهيئة المغاربية للسلم والأمن بدول المغرب العربي، عن استنكارها الشديد لما وصفته بـ "العدوان التركي، والتدخل السافر" في الشؤون الداخلية للدولة الليبية.وطالبت الهيئة، في بيان أصدرته اليوم الجمعة، جامعة الدول العربية والاتحاد الافريقي ومجلس الأمن والسلم بالاتحاد الإفريقي بعقد جلسة طارئة، وتفعيل اتفاقيات التعاون العربي لمواجهة الاحتلال، مهيبة بكافة القبائل الليبية بالتلاحم وتوحيد الصف والوقوف إلى جانب الشرعية ومساندة الجيش الليبي للقضاء على المجرمين والعابثين بسلامة وسيادة الأمة الليبية.
كما أعرب الاتحاد الأوروبي، الجمعة، عن "قلقه" بشأن تصديق البرلمان التركي على مذكرة رئاسية تفوض الحكومة بإرسال قوات عسكرية إلى ليبيا.وأوضح المتحدث باسم المفوضية الأوروبية بيتر ستانو، في بيان، أن "الحل لن يكون عسكريا، وأن دعم الأطراف المتقاتلة سيزيد زعزعة استقرار ليبيا والمنطقة".وقال ستانو إن موافقة البرلمان التركي على إرسال قوات عسكرية إلى ليبيا "أمر مثير للقلق".
وبالرغم من كل هذا الرفض لم تتوانى حكومة الوفاق في مواصلة تعنتها وارتهانها للمشروع الأردوغاني،حيث هاجمت حكومة السراج،الثلاثاء، جامعة الدول العربية، و ذلك ردا على دعوتها إثر اجتماع طارئ على مستوى السفراء إلى منع التدخلات الخارجية في ليبيا، و ذلك في إشارة إلى اعتزام تركيا إرسال قوات إلى هذا البلد الممزق بالصراعات والانقسامات.
و زعم مندوب الوفاق في الجامعة العربية، صالح الشماخي، في تصريحات نقلتها وسائل إعلام محلية، أن حكومة الوفاق تتعرض إلى ما قال إنها "حملة تشويه متعمدة وصلت حدّ محاولات النيل من شرعيتها"، وفق تعبيره.وتابع:"نفكر بجدية في جدوى استمرار البقاء في جامعة الدول العربية وهل هي بالفعل لازالت البيت العربي الكبير".معتبرا أن مذكرة التفاهم بين حكومة الوفاق وتركيا حول المناطق البحرية تمت وفقا للمبادئ العامة للقانون الدولي وبشكل لا يمس بحقوق أية دولة أخرى ولا بسيادتها وفق قوله.
مزاعم فندتها جامعة الدول العربية،التي أعربت عن استيائها، وأسفها تجاه البيان الصادر عن وزارة خارجية حكومة الوفاق.وجاء في بيان صادر مساء الخميس عن الأمانة العامة لجامعة الدول أنها تتابع بكل أمانة وحيادية ملف الأزمة في ليبيا أسوة بكل ملفات الأزمات السياسية الأخرى المطروحة على جدول أعمال مجلس الجامعة، معربة عن أسفها لأن تضطر إلى اللجوء إلى التوضيح الإعلامي بشأن تلك التصريحات ومواقف الأمين العام إجمالا تجاه الأزمة في ليبيا في مواجهة حالة من الإصرار على تحميل الأمانة العامة والأمين العام مسؤولية وقائع وأحداث يعلم الجميع أنها تجافي الحقيقة.

عدوانية حكومة الوفاق وتنصلها من محيطها العربي ارضاءا لتركيا ليس بجديد،وتكشف ذلك بوضوح حين رفضت حكومة السراج خفض التمثيل الدبلوماسي ووقف التعاون مع تركيا في أعقاب إصدار الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية العرب بيانًا طالب الدول العربية بعدم التعاون مع الحكومة التركية وخفض التمثيل الدبلوماسي لديها بعد عدوانها على الأراضي السورية. واعتبر مراقبون تصرف حكومة الوفاق مخالفة للإجماع العربي، ودليلا على مدى ارتباط هذه الحكومة التي يسيطر عليها تنظيم "الاخوان" بالأجندات التركية الساعية لنشر الفوضى في المنطقة.
ومنذ اندلاع المعارك في العاصمة الليبية طرابلس مطلع أبريل/نيسان الماضي،أعلنت تركيا دعمها للمليشيات المسلحة وأرسلت عدداً كبيراً من شحنات الأسلحة والطائرات المسيّرة لمساعدتها في مواجهة قوات الجيش الليبي،وذلك رغم القرار الدولي بحظر السلاح عن ليبيا.وأكدت هذه التحركات سياسة أردوغان الساعي لعدم خسارة الساحة الليبية بأي ثمن خاصة بعد انهيار أحلامه في مصر بعد سقوط الاخوان،ونهاية معاقل التنظيمات الارهابية الموالية له في سوريا.

ويجمع المراقبون،على إن حكومة الوفاق التي تعتبر رهينة للميليشيات والتنظيمات الارهابية المرتبطة بجماعة "الاخوان"،باتت البوابة التي يسعى أردوغان لاستغلالها خدمة لأطماعه الاستعمارية وأحلامه في استعادة ما اسماه "ارث أجداده" على حساب مصلحة الشعب الليبي.ويشير هؤلاء الى أن شوكة أردوغان وحلفائه ستنكسر أمام صمود الشعب الليبي واصراره على استقلالية بلاده وسيادته على أرضه مشيرين الى تاريخ الليبيين المشرف في مقاومة الاحتلال عبر الزمن.