مثّلت المبادرة المصرية الجديدة لوقف إطلاق النار في ليبيا بين قوات الجيش الليبي والقوات الموالية لحكومة الوفاق مبعث أمل حول إمكانية الذهاب نحو الحل السلمي والوصول الى تسوية سياسية في البلاد.لكن استمرار التدخلات التركية التي تقودها أطماع أردوغان مازالت تلقي بظلال من الشك حول تسوية قريبة للأزمة الليبية.

الى ذلك،حذرت جامعة الدول العربية، الثلاثاء، من استمرار القوى الخارجية في تزكية وإثارة حدة الخلاف والأزمة في ليبيا، مشيرة إلى أن التدخل التركي في ليبيا وسوريا والعراق أصبح مزعجا.وقال الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية السفير حسام زكي، في تصريح صحفي، إن اتفاقات مسار برلين اصطدمت بغياب الإرادة الليبية لحل الأزمة والعودة للمسار السياسي.

ولفت إلى أن سيناريو الأحداث في سوريا يخيم على الواقع الليبي وهناك قوى خارجية تنشط على الأرض ميدانيا.وقال السفير زكي إن التدخل التركي في شؤون بعض الدول العربية كسوريا وليبيا والعراق أصبح مقلقا ومزعجا.وطالب الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، كلا من تركيا وإيران الالتزام بمبادئ حسن الجوار.

وكان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أعلن خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح والمشير خليفة حفتر القائد العام للجيش الليبي بالقاهرة عن التوصل لمبادرة شاملة ومشتركة لإنهاء الصراع في ليبيا.وتدعو المبادرة لاحترام كافة الجهود الدولية وإعلان وقف إطلاق النار في ليبيا، حيث كان مزمعا وقف إطلاق النار بدءًا من السادسة صباح أمس الإثنين.

وتهدف مبدارة القاهرة الى استكمال أعمال مسار اللجنة العسكرية (5+5) بجنيف برعاية الأمم المتحدة، وقيام الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بإلزام كل الجهات الأجنبية بإخراج المرتزقة الأجانب من كافة الأراضي الليبية وتفكيك الميليشيات.وشملت المبادرة، إعادة سيطرة الدولة على كافة المؤسسات الأمنية، ودعم المؤسسة العسكرية ، وانخراط جميع الأطراف في جهود تشكيل مجلس رئاسي جديد يمثل الأقاليم الليبية الثلاثة وبشروط يتفق عليها الجميع.

ولاقت المبادرة المصرية ترحيبا دوليا وعربيا واسعا، خاصة أنها أكدت على وحدة وسلامة الأراضي الليبية واستقلالها واحترام كافة الجهود والمبادرات الدولية وقرارات مجلس الأمن،وارتكزت المبادرة على مخرجات مؤتمر برلين والتي نتج عنها حلا سياسيا شاملا يتضمن خطوات تنفيذية واضحة (المسارات السياسية والأمنية والاقتصادية) واحترام حقوق الإنسان واستثمار ما انبثق عن المؤتمر من توافقات بين زعماء الدول المعنية بالأزمة الليبية.

https://twitter.com/afrigatenewsly/status/1270390640996765696

وأعربت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في اتصال هاتفي بالرئيس المصري عن دعمها لجهود وقف إطلاق النار.وقالت الحكومة الألمانية في بيان لها، إن المفاوضات التي تدعمها الأمم المتحدة يجب أن تظل الهدف الرئيسي لعملية السلام في ليبيا.وكان أعرب كذلك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن دعم روسيا مبادرة القاهرة لحل الأزمة الليبية، وأشاد بالدور المصري الاستراتيجي والمحوري في ملف الأزمة.

وأكد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في اتصال هاتفي مع نظيره المصري عبدالفتاح السيسي، الاثنين، على تصميمها إطلاق مفاوضات ليبية بأسرع وقت.ووصفت الخارجية الروسية، المقترحات التي طرحتها القاهرة بأنها شاملة، مؤكدة أنها يمكن أن تكون بمثابة أساس لمفاوضات طال انتظارها بين الأطراف الليبية.كما كشفت الوزارة أن موسكو تعول على استجابة السلطات في طرابلس بسرعة لمبادرة السلام.

ورغم الإجماع الدولي على أهمية المبادرة المصرية في وضع نهاية للأزمة الليبية،فقد سارعت حكومة الوفاق الى رفض وقف اطلاق النار،وأعلن رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج،الاستمرار في العمليات العسكرية،خلال اتصال هاتفي برئيس غرفة عمليات "سرت الجفرة" التابعة للرئاسي  إبراهيم بيت المال الأحد،بحسب المكتب الإعلامي لما يسمى عملية "بركان الغضب".

وبدا واضحا أن هذا ارفض يأتي بأوامر من تركيا خاصة وأن السراج كان في زيارة لأنقرة حيث تلقى التعليمات من الرئيس التركي الذي زاد في تأكيد الأمر حين صرح بأن  مساعي حكومة الوفاق للسيطرة على سرت مستمرة، مضيفا أن مدينة سرت ومحيطها مهمة لوجود آبار النفط،"وبعد ذلك ستكون العمليات أكثر سهولة، لكن وجود آبار النفط والغاز يجعل العمليات حساسة"، مشيرا إلى أن عمليات السيطرة على قاعدة الجفرة مستمرة أيضا.

وتكشف هذه التصريحات أطماع أردوغان في السيطرة على الحقول النفطية في ليبيا بما يسهل عمليات نهب ثروات البلاد.وفي محاولة للتشويش على مبادرة القاهرة، قال الرئيس التركي إنه بحث الصراع في ليبيا مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال مكالمة هاتفية وإنهما اتفقا على "بعض القضايا" المتعلقة بالتطورات هناك.

https://www.facebook.com/newsafrigate/videos/2019043874907098/

ودفع رفض حكومة الوفاق لوقف اطلاق النار واستمرار  هجمات مليشياتها ومرتزقة تركيا، الجيش الوطني الليبي إلى تعزيز قواته المتمركزة في محاور القتال بسرت وضواحيها بعناصر إضافية، حيث أعلن الإعلام الحربي التابع للجيش أمس وصول تعزيزات عسكرية إضافية إلى محاور القتال.وقال اللواء أحمد المسماري،المتحدث باسم القيادة العامة،أن العمليات العسكرية وخصوصا الجوية لن تتوقف إلا بعد قبول الطرف الآخر للمبادرة وغير ذلك لن يكون مجديا.

وقال المسماري، في مؤتمر صحفي من بنغازي، أمس الاثنين، إن "الميليشيات المدعومة من تركيا ارتكبت جرائم حرب بحق المدنيين في ترهونة التي هرب منها أكثر من 20 ألف مدنيًا جراء الجرائم التي ارتكبتها وتم توثيقها"، منوهاً إلى أن تلك "المليشيات الإرهابية ارتكبت جريمة أخرى اليوم باستهدافها مناطق آمنة غرب مدينة سرت، مؤكداً أن الجيش كان لها بالمرصاد، ودمّر رتلا تابعا لها".

ويصر أردوغان على احتلال مدينة سرت الليبية التي تسيل لعابه بشكل كبير جعله يقر صاغرا بأطماعه حين قال:" سندخل سرت لوجود آبار النفط".ويشير هذا التصريح بشكل واضح عن نوايا أردوغان الدنيئة تجاه الثروات النفطية في ليبيا،حيث يحاول السلطان العثماني المزعزم بحسب خبراء يإحتلال سرت الليبية طمعا في النفط والغاز ، وذلك لأنها ستحقق له أهدافا عسكرية وسياسية واقتصادية.

وتعتبر سرت ذات أهمية كبرى بسبب موقع المدينة الاستراتيجي،حيث تقع بين طبرق شرقا وطرابلس غربا، وتعتبر مفتاح السيطرة على ليبيا بكاملها، لكونها نقطة التقاء كافة ربوع المناطق اللبيبة شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، وقربها من موانئ وآبار النفط الرئيسية الثلاثة البريقة ورأس لانوف والسدرة، فضلا عن أنها تقع في إحدى المناطق الغنية بالنفط بين حقول سرت ومرادة وزلة.

وتعرضت، الثلاثاء، منطقة السد، جنوب غربي مدينة سرت الليبية (وسط)، لقصف عشوائي من قبل مليشيات الوفاق والمرتزقة الأتراك الموالين لها.ووفق مصادر محلية فإنه وقع جرحى من المدنيين جراء القصف الذي لم تحدد إن كان مدفعيا أم بالطيران التركي المسير.والإثنين، قالت شعبة الإعلام الحربي،التابعة للجيش الليبي إن منصات الدفاع الجوي بالقوات المُسلحة أسقطت طائرة تُركية مُسيّرة بنفس المنطقة الواقعة على الطريق الواصل بين مدينتي سرت ومصراتة.

https://twitter.com/afrigatenewsly/status/1270080942288314373

وتنضاف جرائم المليشيات والمرتزقة الأتراك في سرت الى جرائم وانتهاكات ارتكبها هذا الخليط الخطير من المقاتلين في مدن الغرب الليبي بعد احتلالها.ومارست المليشيات ومرتزقة أردوغان جرائم كبيرة،وخاصة في ترهونة والأصابعة حيث انتشرت مقاطع فيديو على الإنترنت تظهر ما تبدو أنها أعمال نهب للمحال، وإضرام نار في منازل عائلات على صلة بقوات الجيش الوطني وداعميها المحليين.قالت الأمم المتحدة، الأحد، إنها "تنظر في تقارير عن نهب وتدمير ممتلكات في بلدتين خارج العاصمة الليبية طرابلس"، سيطرت عليها ميليشيات موالية لحكومة الوفاق خلال الأيام الماضية".

وطالب الاتحاد العربي لحقوق الإنسان، في بيان له الثلاثاء، مكتب المفوضة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشيله باتخاذ الإجراءات العاجلة لحماية المدنيين بمختلف المناطق والمدن الواقعة بليبيا وتحديدا محيط طرابلس.وحث الاتحاد المجتمع الدولي ومجلس حقوق الإنسان، على تحمل مسؤولياتهم المعنية بحماية حقوق الانسان وتفعيل آلياته الخاصة بالمساءلة والمحاسبة عن جميع الانتهاكات والجرائم والتجاوزات للقانون الدولي، التي ارتكبتها حكومة الوفاق وفصائلها المسلحة.

وطالب رئيس الاتحاد بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا برئاسة ستيفاني ويليامز بتحمل مسئولياتهم الدولية في حماية المدنيين وحمايتهم مما يتعرضون له على أيدي المليشيات التابعة لحكومة الوفاق بالعديد من المناطق ، لاسيما مدن "ترهونة والاصابعة وعين زارة وصلاح الدين وقصر بن غشير والعربان".ولفت إلى أن المدنيين يتعرضون في تلك المناطق إلى عمليات انتقام ممنهجة تتمثل في الأعدامات الفردية والجماعية، بالإضافة إلى تعرضهم لعمليات التصفية الجسدية والتعذيب والمعاملة المهينة وغير الإنسانية من قبل مليشيات الوفاق.

https://twitter.com/afrigatenewsly/status/1270076508636405760

وتنذر مساعي أردوغان لتحقيق أطماعه بتصعيد النزاع في ليبيا،مع تواصل التحذيرات الدولية من تحول البلاد إلى بؤرة للمجموعات المتطرفة التي تقوم تركيا منذ أشهر بارسالها من سوريا الى ليبيا لنشر المزيد من الفوضى في البلاد ومنع تحقيق الاستقرار فيها خدمة لمخططات أردوغان وجماعة "الاخوان" الساعية للسيطرة على السلطة في ليبيا وتحويلها لقاعدة لنشر أجنداتها في المنطقة واستهداف الدول العربية وفي مقدمتها مصر.

ويوما بعد يوم يتكشف الدور التركي المشبوه في ليبيا،من خلال لعب أنقرة لدور مزعزع للاستقرار في الشرق الأوسط وإفريقيا، مستغلة ليبيا، كبوابة لها، تتمكن خلالها من النفاذ إلى دول الجوار، بعدما أمدت الجماعات المتطرفة داخلها بالسلاح والمال.يمثل هذا العبث التركي خطرا كبيرا يتهدد ليبيا والمنطقة ككل،حيث سيسهم الغزو التركي في ليبيا في اثارة التوترات الاقليمية وإطالة امد الحرب في وقت تتواصل فيه الجهود الدولية لحلحلة الأزمة الليبية.