تمر غدا الأحد 6 فيفري/فبراير الجاري الذكرى التاسعة لاغتيال المعارض اليساري وزعيم حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد ومؤسس الجبهة الشعبية المحامي والمناضل الحقوقي شكري بلعيد الذي اغتيل بالرصاص أمام منزله في ذات التاريخ من عام 2013.

تسع سنوات تمر غدا على اغتيال زعيم سياسي تونسي معارض بشراسة للإسلام السياسي وللعنف والتطرف أينما كان مأتاهما دون تحقيق أي تقدم حاسم في كشف الحقيقة كاملة حول الأطراف التي حرضت ودبرت وخططت ومولت ونفذت جريمة اغتيال بلعيد أمام منزله وهو يستعد للذهاب إلى عمله ذات صباح شتوي بارد بمنطقة المنزه السادس الراقية.

الذكرى التاسعة لاغتيال بلعيد لا تختلف كثيرا عن سابقاتها، حيث دعت الأحزاب اليسارية والتقدمية، كدأبها طيلة السنوات الماضية، إلى الاحتجاج غدا الأحد بمكان الاغتيال بالمنزه السادس لتجديد المطالبة بمحاسبة القتلة وكل الأطراف المتورطة في هذه الجريمة التي هزت تونس في 2013 كأول حادثة اغتيال سياسي في تاريخها الحديث.

وينظم حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد (الوطد) منذ يوم 2 فبراير الجاري وحتى التاسع من الشهر ذاته فعاليات "أسبوع الاغتيال"، كما نظم تزامنا مع ذلك الوقفة الدورية الأسبوعية بتاريخ الأربعاء الماضي للمطالبة بكشف الحقيقة كاملة.

ودعا الوطد المواطنين وكل القوى السياسية والمدنية الوطنية والتقدمية للمشاركة في الوقفة السنوية بالمنزه السادس وفاء لبلعيد وتنديدا بجريمة الاغتيال.

إصرار على كشف الحقيقة كاملة

وأكد زياد الأخضر الأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد ورفيق شكري بلعيد أنهم متشبثون بكشف كل الحقيقة حول ملابسات الاغتيال، مضيفا أن هذه الحقيقة تأخرت بالنظر إلى تواطئ عديد الجهات وعلى رأسها جزء من المنظومة القضائية وجزء من وزارة الداخلية.

وأبرز الأخضر أن الأطراف المذكورة عتمت على عديد الحقائق ولم ترد أن تلحقها بملف الاغتيال إلا بعد جهود مضنية من هيئة الدفاع.

ووجه زياد الأخضر، في كلمة أدلى بها خلال الوقفة الاحتجاجية الأسبوعية "شكون قتل بلعيد..شكون قتل البراهمي" أمام وزارة الداخلية بتاريخ الأربعاء الماضي، الاتهام لوزير الداخلية في عهد الترويكا علي العريض، موضحا أن هذا الأخير صرح وقتئذ أن من نفذوا جريمة الاغتيال هربوا إلى الحدود الجزائرية في حين كشفت المعطيات لاحقا أنهم فروا نحو ليبيا.

كما قال الأخضر: "نحن منذ البداية لم نكن ننتظر كشف الحقيقة في ظرف وجيز لأننا واجهنا العراقيل"، مثمنا في الأثناء ما توصلت إليه هيئة الدفاع في جرائم الاغتيالات السياسية من معطيات وحقائق، وفي مقدمتها ملف "الجهاز السري" لحركة النهضة، والأشخاص الذين يقفون وراءه.

من جانبه، أكد حزب التيار الشعبي، في بيان أصدره الجمعة، أن كشف الحقيقة في ملف اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي من أولوية أولوياته "رغم كل المحاولات لطمس الحقيقة نتيجة تواطؤ الكثيرين في الجهاز القضائي مع حركة النهضة الإخوانية وجهازها الخاص الذي اخترق مؤسسات الدولة الإدارية والقضائية والأمنية"، وفق نص البيان.

وأشار الحزب إلى أن القضاء "خذل الشعب التونسي في مرحلة حاسمة من تاريخه وهو مطالب اليوم بتدارك الأمر وتطهير نفسه من العناصر الفاسدة التي اخترقت ساحته والانخراط في معركة الشعب من أجل محاسبة المجرمين وإرساء دولة الحق والعدل وإنهاء سياسة الإفلات من العقاب".

وفي هذا الصدد، قال الأمين العام لحزب التيار الشعبي زهير حمدي، في تصريح ل "بوابة إفريقيا الإخبارية" اليوم السبت، إنه تبين أن التغيير في موازين القوى السياسية الذي علقوا عليه آمالهم عقب إعلان الإجراءات الاستثنائية في 25 جويلية/يوليو 2021 غير كاف.

وأوضح حمدي أنهم انتظروا أن يحرر مسار 25 يوليو القضاء ويطلق يده لتفعيل المحاسبة، إلا أن القضاء لم يتحرر من سيطرة حركة النهضة.

وشدد حمدي على أن القضاء التونسي لم يتحرر بعد من سطوة حركة النهضة، مبينا أن المأزق الحقيقي في مسار كشف حقيقة الاغتيالات السياسية وشبكات التسفير والإرهاب والفساد هو عدم استقلالية القضاء، وأنه لهذا السبب لم يحدث أي تقدم في مسار كشف الحقيقة في مسار الملفات الحارقة انفة الذكر.

اتهامات للنهضة وللقضاء

أما عبد المجيد بلعيد، فأكد أن القيادي في حركة النهضة ووزير العدل في حكومة الترويكا نور الدين البحيري ما زال يسيطر على القضاء حتى وهو قيد الإقامة الجبرية حاليا.

وأشار شقيق شكري بلعيد، في تصريح ل "بوابة افريقيا الإخبارية"، إلى أن "القضاء في تونس يقبع تحت سيطرة حركة النهضة"، معتبرا أن "تغلغل البحيري في الأجهزة القضائية يتمظهر في الخصومة الحاصلة بين القضاء والدولة مؤخرا".

واستدرك بأن إصرار رئيس الجمهورية قيس سعيد على أن يصبح القضاء مستقلا وعادلا مؤشر إيجابي في مسار نفض الغبار عن الحقيقة كاملة في ملف اغتيال شكري بلعيد وكذلك الشأن بالنسبة لملفات الإرهاب والتسفير.

وأصدرت تنسيقية المجتمع المدني بتونس، المتكونة من الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، والنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وجمعية النساء التونسيات للبحث حول التنمية، بيانا مشتركا الجمعة، حثت فيه "كل المواطنات والمواطنين الأحرار للالتحاق بالمسيرة الوطنية المطالبة بكشف الحقيقة ومحاسبة كل المتورطين في ملف اغتيال شكري بلعيد".

ونددت التنسيقة بما أسمته "محاولات التشويش على هذا الحدث بتنظيم تحركات أخرى في نفس اليوم الذي رسم في أذهان التونسيات والتونسيين وقواه الحية كيوم وطني للاحتفاء بالشهيد والمطالبة بمحاسبة قتلته".

وعبرت تنسيقية المجتمع المدني بتونس عن "وفائها لذكرى الشهيد شكري بلعيد وذكرى كل شهداء الوطن ضحايا الاستبداد والإرهاب"، مؤكدة أن "إنجاح المسار الديمقراطي لن يكتمل إلا إذا تم كشف كل الحقيقة في ملفات الاغتيالات السياسية والإرهاب والتسفير".

كما أكدت مطالبتها المستمرة بضرورة كشف حقيقة الاغتيالات السياسية كاملة ومحاسبة كل المتورطين في التحريض والتخطيط والتنفيذ، معربة في هذا الصدد عن أسفها ل "تعثر المسار القضائي في كشف حقيقة هذه الجرائم ومحاسبة كل المتورطين فيها دون استثناء في تعاط تشوبه شبهات الصمت والتواطؤ، شاجبة ما شهدته هذه القضايا من تدخلات لعدة أطراف سياسية عملت على تحريف المسار حماية للجناة على مدى هذه السنوات مسخرة بذلك كل مفاصل الدولة، وخالقة عديد الأجهزة الموازية التي عمقت العمل على طمس الحقيقة".

وبمناسبة الذكرى التاسعة لاغتيال شكري بلعيد، اقترح حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي، بعث "هيئة عليا للدفاع عن أخلاقيات مهنة القضاء تتركب من قضاة مشهود لهم بالنزاهة ومن ممثلي المهن المعنية بالمرفق القضائي، ومن ممثلين لمنظمات المجتمع المدني ذات الاهتمام بالشأن القضائي، في إطار رؤية تشاركية".

وأوضح الحزب، في بيان أصدره السبت، أن هذه الهيئة "تعهد لها مهمة الحرص على استقلالية القضاء والقضاة، مع وضع آليات ناجعة للمراقبة والمساءلة تساعد على استئصال بؤر الفساد داخل المنظومة القضائية والأمنية بما يضمن المحاكمة العادلة والحد من التجاوزات في حق المتقاضين، في كنف المسؤولية والشفافية".

واعتبر حزب المسار الديمقراطي أن "إصلاح المنظومة القضائية مدخل ضروري لكشف الحقيقة كاملة حول الاغتيالات السياسية، والقضاء على الإرهاب ومقاومة الفساد، مطالبا بالتسريع بكشف الحقيقة كاملة حول اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي ومحاسبة من خطط ومن مول ومن نفذ ومن وفر الغطاء السياسي والقضائي لهذه الجرائم، كما طالب كذلك بفتح "ملفات الإرهاب في تونس وفي مقدمتها ملف الجهاز السري لحركة النهضة وملف تجنيد وتسفير الشباب التونسي لبؤر الإرهاب وكذلك ملف الجمعيات المشبوهة المنتصبة في تونس الحاضنة والممولة للتطرف".

في المقابل، لن تتمكن بسمة الخلفاوي أرملة شكري بلعيد ولا بنتيه، من التواجد غدا الأحد بتونس للمشاركة في إحياء الذكرى التاسعة لجريمة الاغتيال بسبب إصابتهن بفيروس كورونا، علما وأن الخلفاوي وبنتيها انتقلن للعيش في العاصمة الفرنسية باريس.

في الأثناء، دعت وزارة الداخلية التونسية، في بيان أصدرته السبت، كافة المواطنين إلى "ضرورة الالتزام بالقرارات المنبثقة عن الاجتماع الوزاري المنعقد بتاريخ 11 جانفي/يناير 2022 المتعلقة بالتوقي من انتشار فيروس كورونا المستجد والتي تم التمديد فيها لمدة أسبوعين حفاظا على سلامة كافة المواطنين خاصة منع التظاهرات للعموم بالفضاءات المفتوحة والمغلقة".

وكانت الدائرة المختصة بالنظر في الجرائم الإرهابية بالمحكمة الابتدائية بالعاصمة قررت تأجيل النظر في قضية اغتيال شكري بلعيد إلى يوم 29 مارس 2022 لإتمام الأبحاث وتنفيذ الأحكام التحضيرية.

كما قررت الدائرة الإفراج مؤقتا عن متهمين اثنين من جملة 15 متهما مشمولين بالمحاكمة.

وتتهم هيئة الدفاع عن بلعيد والبراهمي (اغتيل في 25 جويلية/يوليو 2013) الجهاز السري لحركة النهضة بالضلوع في جريمتي الاغتيال.

وبالرغم من مرور تسع سنوات على اغتيال شكري بلعيد، وبالرغم من كل ما كشفته هيئة الدفاع من معطيات وحقائق مسنودة في أغلبها بأدلة، وبالرغم من كل ما توصلت إليه الأبحاث القضائية طيلة هذه الأعوام، فإن "قاتل" أو "قتلة" الزعيم اليساري التونسي المعارض ظلوا في حكم "المجهول"، حيث ما زالت الحناجر في تونس تهتف بلا أدنى كلل كل يوم أربعاء من كل أسبوع وكل يوم 6 فبراير من كل عام "شكون (من) قتل شكري بلعيد"؟.

ومنذ لحظة الاغتيال يتكرر السؤال الحارق في تونس الذي ظل طيلة تسع سنوات بأكملها بلا إجابة، "من قتل شكري بلعيد" و "لماذا"؟ ومن "خطط ودبر ومول ونفذ جريمة الاغتيال"؟ و"لماذا لم يتم كشف الحقيقة إلى حد الان"؟.


سنلاحقهم ونحاكمهم ونحاسبهم

"سنلاحقهم، ونحاكمهم، ونحاسبهم" مقولة شهيرة لشكري بلعيد، أو بالأحرى هو تعهد أطلقه في أواخر عام 2012 في خطاب شهير له بمدينة سليانة، شمال غرب البلاد، إثر أحداث "الرش" التي تم فيها قمع محتجين من أبناء المدينة تظاهروا ضد التهميش والفقر والبطالة باستخدام القوة الأمنية في عهد وزير الداخلية آنذاك علي العريض والتسبب لهم في أضرار بدنية بليغة، من ذلك فقدان البصر.

هذه الجملة أصبحت شعارا نضاليا رمزيا لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد و"البلعيديين" واليساريين ككل من كل الفئات وفي كل مناطق البلاد للمطالبة بالمحاسبة في ملفات الاغتيال السياسي، بل أكثر من ذلك أصبحت شعارا يرفع وأهزوجة تغنى لدى طيف واسع من السياسيين والناشطين في المجتمع المدني وحتى المواطنين في التظاهرات والمسيرات والاحتجاجات كلما تعلق الأمر بالمطالبة بالمحاسبة وعدم الإفلات من العقاب.


مدينة جندوبة تحتفي بشهيدها

وولد السياسي والمحامي والحقوقي التونسي شكري بلعيد في 26 نوفمبر 1964 بجهة جبل الجلود من الضاحية الجنوبية للعاصمة، وهو أصيل محافظة جندوبة، شمال غرب البلاد.

واستعدادا لإحياء ذكرى 6 فيفري/فبراير، قامت مصالح بلدية جندوبة المدينة بتهيئة وصيانة ساحة شكري بلعيد الواقعة بقلب المدينة، كما سيتحول غدا الأحد وفد من المنظمات المدنية ومختلف مكونات الطيف السياسي بالمدينة إلى العاصمة للمشاركة في إحياء الذكرى التاسعة لجريمة الاغتيال.

وأفاد المستشار البلدي بجندوبة المدينة رمزي الورغي، في تصريح ل "بوابة افريقيا الإخبارية"، بأنه سيتم أيضا إشعال الشموع بساحة الشهيد شكري بلعيد في جندوبة تكريما ووفاء له ولنضالاته في سبيل تكريس قيم الحقوق والحريات والمواطنة ونصرة المظلومين والمضطهدين.