منذ سنوات،عاد الملف الليبي إلى صدارة الأحداث في المغرب العربي في مرحلة باتت فيها الأزمة الليبية تبتعد عن الإطار الإقليمي، وتتخذ بعداً دولياً مقلقاً نتيجة لسعي كثير من القوى الكبرى إلى إبعاد دول الجوار عن التسويات التي يجري التحضير لها، والتي من شأنها أن تؤدي إلى تهديد الأمن القومي لدول المنطقة، لاسيما أن دول المغرب العربي إضافة إلى مصر، معنية بشكل مباشر باستقرار الأوضاع في ليبيا.

وقد عملت دول المغرب العربي طوال سنوات الصراع في ليبيا على إيجاد حل سياسي للأزمة في هذا البلد، من خلال رعاية لقاءات حوارية بين مختلف الأطراف في كل من تونس والجزائر، كما احتضنت المملكة المغربية في السياق نفسه، سلسلة من المفاوضات في مدينة الصخيرات برعاية أممية، أفضت إلى عقد اتفاق سياسي مع نهاية سنة 2015.

وقررت المغرب استضافة أطراف الصراع في الصخيرات، وتمكنت من الوصول إلى اتفاق برعاية الأمم المتحدة بتاريخ 17 ديسمبر/كانون الأول 2015.

ووقع على الاتفاق 22 برلمانيا ليبيا، وعلى صالح محمد المخزوم عن طرف المؤتمر الوطني العام الجديد وامحمد علي شعيب عن طرف مجلس النواب الليبي.

وتضمن الاتفاق تحديد صلاحيات مجلس النواب المنتخب في 2014، واعتباره أعلى جهة تشريعية في ليبيا، وتشكيل المجلس الأعلى للدولة، واعتباره سلطة استشارية تنفيذية عليا، وكذلك تشكيل حكومة الوفاق الوطني وصلاحياتها.

مع وصول الأوضاع في ليبيا إلى طريق مسدود، ودخول الأزمة الليبية إلى منعطف خطير، ظهرت مرة أخرى المغرب، وبدأت في استضافة اجتماعات أخرى في أغسطس/آب 2020.

وقال البيان الختامي لاجتماع بين الوفدين الليبيين في بوزنيقة إن "المحادثات بين الوفدين الليبيين في المغرب أسفرت عن اتفاق شامل لتولي المناصب السيادية".

وكان وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، قد أكد في بداية اللقاءات الليبية، أن الدينامية الإيجابية المسجلة مؤخراً والمتمثلة في وقف إطلاق النار وتقديم مبادرات من الفرقاء الليبيين، يمكن أن تهيئ أرضية للتقدم نحو بلورة حل للأزمة الليبية.

إلى ذلك،يرى مراقبون أن الدبلوماسية المغربية أدركت منذ لقاء الصخيرات أنه لا يمكن حل الأزمة الليبية سوى بترك الليبيين يقررون بأنفسهم شكل النظام السياسي لبلدهم، وشكل المؤسسات الدستورية التي يرتضونها دون وصاية من أي طرف خارجي. وهكذا فقد أفرز لقاء بوزنيقة خارطة طريق واضحة المعالم لبناء دولة ليبيا لكل الليبيين دون استثناء.

تعد الجزائر من أكثر الدول انخراطًا في عملية التسوية السياسية للأزمة الليبية،حيث أعلنت مؤخرا وزيرة الخارجية في حكومة الوحدة الوطنية الليبية، نجلاء المنقوش، عن إعادة تفعيل اجتماعات اللجنة العليا المشتركة بين ليبيا والجزائر قريبا، لدراسة مختلف الملفات في المجال الأمني والتجاري والصحي.

وسبق أن رحبت الجزائر بالتقدم المحرز في الحوار السياسي الليبي برعاية الأمم المتحدة وتشكيل السلطة التنفيذية المؤقتة، وأبدت استعدادها الكامل للتعاون معها بما يحقق الأمن والاستقرار وتطلعات الشعب الليبي الشقيق، معربة عن أملها في أن تسهم هذه الخطوة الإيجابية في إنهاء حالة الانقسام وتوحيد الصفوف الليبية استعداداً للاستحقاقات الانتخابية الهامة نهاية هذا العام.

في ذات الصدد،عرفت علاقة الجزائر بالأطراف المتصارعة في ليبيا تذبذباً فرضته الانقسامات التي تزداد اتساعاً، حيث أيدت المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق باسم الشرعية الأممية، الأمر الذي فتح أبواب "الصداع" مع جزء من جماعة الشرق، حيث بلغ التوتر مع قائد الجيش اللواء خليفة حفتر حد التهديد باستخدام القوة، مقابل تواصل هادئ مع رئيس برلمان طبرق صالح عقيلة وغيره من الشخصيات الليبية.

من ناحية أخرى،احتضنت العاصمة التونسية 9 نوفمبر2020، جولة مفاوضات مباشرة لحوار ليبي-ليبي بعد انطلاقها رسميًا عن بعد بتاريخ 26 أكتوبر2020، تحت رعاية البعثة الأممية للدعم في ليبيا.

وراهنت تونس خاصة بعد اختيارها لاحتضان جولة الحوار الليبي-الليبي على لعب دور في تحديد معالم حلّ الأزمة الليبية، والتي دائمًا ما يردّد المسؤولون الرسميون في تونس أن بلادهم هي الأكثر تأثرًا بتبعاتها سواء على المستوى الأمني أو الاقتصادي.

 وتنزّلت هذه الخطوة في إطار كسر حالة جمود نشاط الدبلوماسية التونسية في هذا الملف، رغم التأكيد الدائم على الحياد الإيجابي بين الفرقاء الليبيين، ولكن دون لعب أي دور حيوي، مقابل بالخصوص الدور المغربي النشيط منذ اتفاقية الصخيرات عام 2015 ومنصة بوزنيقة حاليًا، عدا عن أدوار الفاعلين الإقليميين وبالخصوص مصر وتركيا، عدا عن القوى الأوروبية والدولية وتحديدًا ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة وروسيا.

وعملت تونس لاحقًا على تأكيد التنسيق مع الجزائر حول الملف الليبي، في ظلّ لهجة دبلوماسية قوامها تطابق موقف البلدين تجاه أزمة البلد الجار، ومن ثمّ التنسيق المشترك لحلّ الأزمة. غير أن العنصر المؤكد لمضي تونس في لعب دور نشيط لحلّ الأزمة الليبية كان بمناسبة الحركة الدبلوماسية في شهر سبتمبر 2020 بتعيين سفير تونسي للمرّة الأولى منذ 6 سنوات، وهو الأسعد العجيلي، وقد كان المكلّف بوحدة الدراسات والبحوث بين تونس وليبيا صلب وزارة الخارجية.

في ذات السياق،أكد الرئيس السابق للهيئة العامة للإعلام والثقافة والمجتمع المدني بالحكومة المؤقتة خالد نجم أن دول المغرب العربي قامت بتحركات كبيرة ومهمة وفاعلة لحل المشكل الليبي خصوصا  دولتي المغرب وتونس مبينا في حوار مع بوابة إفريقيا الإخبارية أن الأوضاع في ليبيا لم تؤثر على دول المغرب العربي إلا فيما يتعلق باتخاذ احتياطات أمنية خوفا من تسلل الإرهاب.

من ذلك،يرى مراقبون أنه بالرغم من الخلافات المعقّدة داخل البيت المغاربي خاصة قضية الصحراء الغربية محل الخلاف المغربي-الجزائري إلا أن هذه الدول ساهمت بشكل محوري في التوصل للإتفاق السياسي الليبي بعد جولات ماراطونية من المحادثات و هو ما يجدّد الأمل في إحياء إتحاد المغرب العربي.