يواجه قطاع الاعلام في ليبيا منذ اندلاع الأزمة التي عصفت بالبلاد، أشكالاً من المعوقات التي كرستها الفوضى الأمنية والصراعات وغياب سلطة موحدة تسير مؤسسات الدولة.ولذلك، أصبح الصحافيون في ليبيا بين خطر الوقوع تحت طائلة القمع وتكميم الأفواه بشتى الطرق،أو تبنى إيديولوجيا معينة والعمل تحت مظلتها ما يضر بالمهنية والمصداقية المطلوبة في قطاع يعتبر أكثر من حساس.

ولاتزال حٌرية الإعلام والتعبير تعاني من واقع مرير في ظل تزايد القيود المفروضة،مع التشظي السياسي والإنقسام المٌجتمعي والفوضى وغياب الأمن،ويتعرض الإعلاميون في ليبيا الى إنتهاكات جسيمة جعلت ليبيا في تراجع مطرد في حرية الإعلام والتعبير.وظهر هذا جليا في ترتيب دول المغرب العربي في التصنيف العالمي لحرية الصحافة،الذي أصدرته "منظمة مراسلون بلا حدود" في   العام 2020

وجاءت ليبيا خلال هذه السنة في المرتبة مائة واثنتين وستين عالميا في مجال حرية الصحافة،وقالت "منظمة مراسلون بلا حدود"، أن تراجع ترتيب ليبيا في المؤشر العالمي لحرية الصحافة، سببه حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني الذي تعيشه البلاد منذ سنوات، وما صاحبه من نزاعات مسلحة وحروب انعكست سلبا على حياة الصحفيين، وأدت إلى مقتل عدد منهم، إضافة إلى اعتقالهم بشكل تعسفي.

وحلت ليبيا في العام 2019 على المؤشر نفسه بالمرتبة الـ164، ونالت العام 2018 المركز 162 لأسباب أيضا تتعلق بالحالة الأمنية.وتنشر المنظمة التصنيف العالمي لحرية الصحافة سنويًا منذ عام 2002، ويعمل المؤشر على قياس حالة حرية الصحافة في 180 بلدًا، انطلاقًا من منهجية تُقيِّم مدى تعددية وسائل الإعلام واستقلاليتها وبيئة عمل الصحفيين ومستويات الرقابة الذاتية، فضلًا عما يحيط بعملية إنتاج الأخبار من آليات داعمة مثل الإطار القانوني ومستوى الشفافية وجودة البنية التحتية.

وتتنازع سلطتان الحكم في ليبيا، إحداهما في الشرق والأخرى في الغرب، وسط انقسامات لكل مؤسسات الدولة. فيما تنتشر العديد من المليشيات المسلحة ذات الولاءات المختلفة وخاصة غرب البلاد، حيث تفرض قواعدها ورؤاها بقوة السلاح، وبات الصحفيون يئنون تحت تهديد حراب البنادق، التي تسكت الأصوات الباحثة عن رصد الواقع بحرية ومهنية.

وبحسب منظمات حقوقية وإعلامية محلية ودولية فإن عامي 2013 و2014 كانت الأسوأ في تاريخ ليبيا على العاملين في مجال الإعلام بعد ترك وظائفهم جراء الاعتداءات والتهديدات التي طالتهم في كل المدن لا سيما مدينتي طرابلس وبنغازي ودرنة.وشهدت بنغازي عام 2014  أكبر الانتهاكات بحق العاملين بمجال الإعلام من قتل وخطف ما جعلها أخطر المدن في العالم علي مزاولي مهنة الصحافة.

وفي العام الماضي،أثارت واقعة خطف المسؤول الرسمي لإعلام حكومة الوفاق محمد عمر بعيو، من منزله بالعاصمة طرابلس على يد مجموعة ميليشياوية جدلا كبيرا في الاوساط الليبية والقت الضوء على استمرار المخاطر التي يعانيها قطاع الاعلام والعاملين فيه في ليبيا في ظل استمرار انتشار الجماعات المسلحة وغياب سلطة القانون.

وأطلق سراح بعيو بعد اختطافه من قبل مجموعة مسلحة تابعة لكتيبة ثوار طرابلس بقيادة أيوب أبوراس، كانت قد اقتحمت منزله واقتادته منه بعد تطويق مقر عمله، فيما ربط بعيو ما حدث بقضية اختلاس سليمان دوغة مدير قناة ليبيا الأحرار الذي يرتبط بصلة قرابة مع أبوراس لمبلغ 35 مليون دينار من حكومة زيدان سنة 2013 لتأسيس قناة.

وتتكرر عمليات استهداف اخرى للعاملين في قطاع الاعلام،وفي مايو 2020،قالت المبعوثة الأممية بالإنابة في ليبيا ستيفاني ويليامز، إنها وثقت ما لا يقل عن تسع حالات في ليبيا تعرض فيها صحفيون ومدونون للاختطاف والاختفاء القسري والاحتجاز التعسفي وفي كثير من الأحيان إلى التعذيب،مؤكدة أن الإعلام المستقل الذي يُمارس بمنأى عن الترهيب والتهديد يعد أمراً بالغ الأهمية في إرساء أسس الديمقراطية.

وأضافت ويليامز في المقابل أن على الصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام، التمسكَ بالمبادئ المهنية والأخلاقية، بما فيها مبادئُ الشفافية والنزاهة، داعية إياهم إلى توحيد قواهم في محاربة التضليل في المعلومة وخطاب الكراهية والتحريض.ودعت المبعوث الأممي إلى ليبيا السلطات الليبية وجميع أطراف النزاع إلى حماية الصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام، وضمان حقهم في حرية الرأي والتعبير، باعتبارهم صوتَ من لا صوت لهم ولا ينبغي إسكاتهم بحسب تعبيرها.

ويُعد ملفُ حرية الصحافة والإعلام وضمان وتعزيز حرية التعبير والعمل الصحفى ودفاع عنها من أبرز الملفات و القضايا الرئيسية التى تعمل عليها اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا،من خلال رصد وتوثيق الجرائم والانتهاكات التى ترتكب بحق الصحفيين والإعلاميين والمؤسسات الإعلامية والعمل على الحد منها ووقفها من خلال الدعوة لمحاسبة مرتكبيها وإنهاء حالة الإفلات من العقاب التى باتت متفشية فى ليبيا، نتيجة غياب العدالة والملاحقة القضائية وسط توسع دائرة العُنف والانتهاكات الجسيمة الموجه ضدَّ الصحفيين وغيابٍ للحُريات الإعلامية المنشودة فى ليبيا.

على صعيد آخر،إختارت عدة منابر إعلامية،برزت في الساحة الليبية في ظل الأزمة،التموقع تحت مظلة الميليشيات وتبنت الدفاع عن أفكارها المتطرفة.والكثير من هذه المنابر الاعلامية يعمل من خارج ليبيا وخاصة في تركيا التي تعتبر المعرقل الرئيسي للسلام في ليبيا حيث تعمل منذ سنوات على نشر الفوضى خدمة لاجنداتها وأطماعها.

وتعتبر "قناة التناصح"،على رأس قائمة المنابر التي تعمل على التحريض وبث الفوضى وهي تبث من تركيا ويديرها سهيل الغرياني ابن مفتي ليبيا المعزول الصادق الغرياني المعروف بفتاواه المتطرفة.وتوصف القناة في ليبيا بأنها أحد أهم أبواق الجماعات الإرهابية والميليشيات المسلّحة، حيث اعتمدت منذ انطلاق بثّها خطابا تحريضيا خاصة ضد قوات الجيش الليبي.

وسبق أن أدرجت الدول العربية الأربعة، مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين،العديد من المنابر الاعلامية في القوائم التي ضمت كيانات وشخصيات إرهابية،وذلك في إطار الحرب على التنظيمات الإرهابية،ومن باب التأكيد على خطورة "الآلة الاعلامية" في نشر التطرف والفتن ودورها في تهديد الاستقرار الاقليمي والدولي.

وتظل ممارسة العمل الصحفي في ليبيا هاجسًا يتسم بالحذر والخوف، كون البيئة الإعلامية لا يتوفر فيها الحد الأدنى من السلامة والحماية، خاصة مع استمرار مسلسل الفوضى المتصاعدة، وحالة الاستقطاب السياسي بين الأطراف كافة.وفي غياب السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية،تبقى السلطة الرابعة المتمثلة في الإعلام رهينة خروج البلاد من الأزمة التي ألقت بها في دوامة من الفوضى والصراع وسط غياب تام لمعالم الدولة القادرة على بسط نفوذها وتحقيق الأمن والاستقرار.