بعد ثماني سنوات من الحرب و الصراعات والانهيار الحاد المتواصل لأحلام الشعب الليبي اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا وحتى إنسانيا، هب شباب الغرب الليبي من جديد إلى الشارع تنديدا بما آل إليه الوضع من ترد يفتقر فيه المواطن الليبي إلى أبسط مقومات العيش الكريم مع تفشي الفساد وطغيان المليشيات وانتهاكاتها المتواصلة. وضع انفجر يوم 23 أغسطس باحتجاجات حاشدة جابت شوارع العاصمة طرابلس و مدن الغرب الليبي في صيحة واحدة "اكتفينا".

رغم شدة الحر في شهر أغسطس ، ورغم انتشار وباء كوفيد 19 الذي بات يمثل تهديدا حقيقيا لصحة المواطن الليبي في غياب بنية صحية تحتية قادرة على التصدي له حيث صنفت ليبيا في المرتبة الأخيرة عالميا حسب نسب الشفاء نظرا للضعف الشديد لعدد حالات التعافي من الفيروس،خرج مئات من الشباب اليبي الأحد 23 أغسطس 2020، إلى شوارع العاصمة الليبية طرابلس للتعبير عن غضبهم في حراك شعبي لاقى مساندة ودعما من مدن الغرب الليبي لأن المعاناة واحدة حسب ما وصفها مواطن ليبي من قلب الإحتجاجات مرددا في إحدى مقاطع الفيديو الأكثر مشاهدة "نحن نعاني داءا أخطر من الكورونا".

يقول فتحي،أحد المتظاهرين، مهندس زراعي بطرابلس في تصريح إعلامي "نريد الكهرباء والماء والمال والسيولة، نحن نحترق وننطفيء بلا كهرباء ولا ماء...نحن فقراء" مضيفا أنه بسبب الحرب والصراعات ،أحيل على البطالة جراء إغلاق شركة استيراد البذور التي يعمل فيها ويعيش هو وابنتاه على دخل زوجته طبيبة الأطفال، حسب تصريحاته. وقال مصطفى وهو أب لخمسة أطفال،فقد وظيفته أيضا "لا يمكننا تحمل الأمر بعد الآن فالوضع لا يطاق في طرابلس وفي جميع أنحاء البلاد"،وأيضا تعيش عائلته على دخل زوجته الوحيد.

معاناة مدن الغرب الليبي تحولت من مجرد افتقار للأساسيات إلى أزمة "إنسانية" حادة تتطلب حلولا عاجلة خاصة مع الإنقطاع المتواصل للكهرباء الذي يتواصل أحيانا كثيرة 20 ساعة فتغرق أحياءا كاملة بين الظلام والحر كما يتسبب هذا الإنقطاع في كوارث إنسانية تزيد صعوبة الوضع خاصة داخل المستشفيات والمرافق الحياتية.

 فمنذ اندلاع الحرب ظل الليبيون يدفعون الثمن باهضا، ومع ارتفاع حرارة الصيف بات الوضع فوق الإحتمال ما يضطرهم إلى الإعتماد أحيانا على المولدات باهظة الثمن لحالاتهم الإستعجالية وأشغالهم اليومية، فاستفحلت بذلك أزمة الكهرباء يوما بعد يوم في بلد "يغمره النفط" حسب الخبراء، فيما تقف الشركة الوطنية للكهرباء عاجزة أمام كثرة الأعطال والتخريب والسرقات.

 أزمة خانقة   تعانيها أيضا خطوط النهر الصناعي، ما يتسبب في انقطاع المياه لفترات طويلة عن كثير من المدن والمناطق على خلفية ما تتعرض له   شبكة الأنابيب هي الأخرى من تخريب وسرقة ما دفع عددا كبير من المواطنين في بلدات عدة بغرب ليبيا إلى حفر آبار للمياه بجوار منازلهم، أو بالقرب من مزارعهم لمواجهة انقطاعات الماء الممتدة لفترات طويلة "جدا".

تزداد معاناة الغرب الليبي خاصة مع نقص السيولة بل وانعدامها أحيانا ما يصعب باقي الأزمات ويثقلها فلا يستطيع الليبيون بذلك إقتناء البدائل أو توفيرها، ما يجعلهم مباشرة في مرماها ومع تأخر صرف الرواتب الذي يتكرر الشهر تلو الآخر كانت جمرات الغضب الشعبي تتأجج تحت رماد ساخن.

ومما زاد المشهد تأججا عودة الوضع الأمني إلى التوتر مع انفلات جديد"متجدد" للمليشيات والمرتزقة، فحسب مصادر إعلامية ليبية فإن المليشيات تعيث فسادا في المدن الغربية أين انتشرت الفوضى والجرائم اليومية والاختطاف مقابل الفدية والقتل والإخفاء القسري وابتزاز المواطنين واقتحام منازلهم والاستيلاء على ممتلكاتهم الخاصة.مجازر وانتهاكات يتعرض لها الليبيون يوميا تزيد من أزمتهم المعيشية و تجعلهم ضحايا حرب لم يكونوا أبدا طرفا فيها.

وقد أعربت الأمم المتحدة مرارا عن قلقها حيال انتهاكات الميليشيات الموالية لحكومة الوفاق لحقوق الإنسان وتنفيذ أعمال انتقامية بحق المدنيين غرب ليبيا، مرتزقة مختلفوا الأجناس تدجج بهم تركيا البلاد ضاربة بعرض الحائط كل القوانين الدولية التي تمنع تجنيد المرتزقة لتغرق بذلك ليبيا في ظلام انتهاكاتهم وترويعهم المتواصل للمواطنين الليبيين، حيث تتهم منظمات دولية المليشيات و المرتزقة الأتراك غربي ليبيا بارتكاب العديد من جرائم الحرب، وعلى رأسها قصف المدنيين وتهجيرهم، بالإضافة إلى تجنيد الأطفال و جرائم الاختطاف والاختفاء القسري، مع إخفاء الجثث في مقابر جماعية.

وقد شملت احتجاجات الليبيين بطرابلس والزاوية ومصراتة وغيرهم شعارات تندد بهاته الانتهاكات التي يتعرضون لها من طرف المليشيات والمرتزقة، مشيرين الى الفساد الذي ينخر حكومة الوفاق ومطالبين برحيليها، وسط تحذيرات منظمات دولية ومحلية من كارثة معيشية واقتصادية وأمنية على وشك الإنفجار بالمنطقة الغربية الليبية في حال عدم إيجاد حلول جادة وعاجلة.

إحتجاجات اندلعت منذ الأحد الفارط مرفوقة بغضب شعبي كبير امتد من العاصمة طرابلس إلى باقي مدن الغرب الليبي لينفض بذلك غبار الصمت والقمع الذي تحمله الليبيون لسنوات ويدخل المنطقة في منعرج جديد خاصة بعدما طفت الانشقاقات والخلافات داخل حكومة الوفاق مما قسمها هي وميليشياتها إلى شقين، كل يستعرض قوته ويدعي حمايته للمتظاهرين ويتبرأ من الإعتداءات التي وصلت حد إطلاق النار عليهم، لكن اللافتة الأبرز التي رفعت عاليا في المظاهرات إلى جانب اللافتات المنددة بالفساد كانت "لا يمكن بناء سفينة جديدة بخشب قديم ارحلوا...جميعا".