مازالت الأوضاع في ليبيا معقدة وشائكة،فالانقسامات السياسية تراوح مكانها وسط تعنت متبادل من الأطراف،أما الاوضاع الميدانية فالتوتر يبقى الغالب على المشهد في ظل الاشتباكات المتقطعة التي تهدد بانهيار الهدنة الهشة وسط اتهامات متبادلة.وبين هذا وذاك تتواصل التدخلات التركية الساعية لتأجيج الصراع في البلاد وتحويلها لملاذ للمتطرفين وهو ما يشكل خطرا يتهدد المنطقة والعالم عموما.
 وأمام هذا الوضع الصعب،تسعى البعثة الأممية الى مواصلة العمل مع الأطراف الدولية باتجاه البحث عن مخرج للأومة المتصاعدة حيث شاركت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا بالوكالة ستيفاني ويليامز، ضمن وفد المنظمة في اجتماع مجموعة الاتصال التابعة للاتحاد الأفريقي بشأن ليبيا، والذي انعقد في مدينة أويو بالكونغو يومي 11 و12 مارس الجاري.
وبحث المشاركون في القمة الأوضاع في ليبيا والتقدم المحرز في التحضيرات لمؤتمر المصالحة بين الليبين الذي يستضيفه الاتحاد الأفريقي، وأكدوا أهمية إطار الأمم المتحدة والاتحاد الافريقي للسلام والأمن، وكذلك الالتزام بالعمل المشترك من أجل تنفيذ المسارات الثلاثة في ليبيا التي تقودها الأمم المتحدة انطلاقا من عملية برلين، حسب بيان للبعثة الأممية للدعم في ليبيا.


ويعتبر هذا الاجتماع التحرك الأول للبعثة الأممية بعد استقالة المبعوث الأممي غسان سلامة المفاجئة.كان سلامة قد أعلن،في 02 مارس/آذار الجاري، أنه طلب من الأمين العام للأمم المتحدة إعفائه من مهمته لأسباب صحية.وقال سلامة، "سعيت لعامين ونيف للم شمل الليبيين وكبح تدخل الخارج وصون وحدة البلاد، وعلي اليوم، وقد عقدت قمة برلين، وصدر القرار 2510، وانطلقت المسارات الثلاثة رغم تردد البعض. أن أقر بأن صحتي لم تعد تسمح بهذه الوتيرة من الإجهاد. لذا طلبت من الأمين العام إعفائي من مهمتي آملا لليبيا السلم والاستقرار".
وأثارت استقالة سلامة المخاوف من انهيار محادثات السلام التي بدأها في جنيف،وتصاعت الأصوات من عدة أطراف دولية للمسارعة بتعيين مبعوث أممي جديد لتنطلق عقب ذلك التكهنات حول الشخصية التي يمكن أن تخلف غسان سلامة.وأوردت تقارير اعلامية العديد من الأسماء المختلفة لهذا المنصب الأممي.
 جدل لم يحسمه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش،الأربعاء،باعلانه تعيين ستيفاني توركو ويليامز ممثلة الولايات المتحدة بالنيابة ورئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا.وقالت الأمم المتحدة في بيان صحفي عبر الموقع الرسمي، إن "الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أعلن اليوم، عن تعيين ستيفاني توركو ويليامز، ممثلة الولايات المتحدة بالنيابة، ورئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا".
وأضاف البيان، أن "السيدة ويليامز ستعمل كممثلة خاصة في ليبيا حتى تعيين خليفة لبناني غسان سلامة" الذي تقدم باستقالته من منصبه الأسبوع الماضي لأسباب صحية.وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة عن "امتنانه للسيد سلامة على إنجازاته، على رأس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ، وجهوده الدؤوبة لإعادة السلام والاستقرار إلى ليبيا.
وتملك ستيفاني ويليامز خبرة لسنوات في العمل الدبلوماسي والشؤون الدولية، وهي متخصصة في شؤون الشرق الأوسط، إذ تولت سابقا منصب نائبة رئيس بعثة الولايات المتحدة في العراق، سنتي 2016 و2017، وعملت أيضا في الأردن ما بين 2013 و2015 والبحرين من 2010 إلى 2013، كما شغلت منصب كبير المستشارين لشؤون سوريا ومدير مكتب المغرب العربي، وعملت في السفارات الأميركية في عدة دول.


وفي وزارة الخارجية الأميركية، عملت ويليامز كمسؤول عن مكتب الأردن، وكنائب مدير مكتب مصر، وكمدير مكتب المغرب العربي. وكانت قد عملت سابقاً في القطاع الخاص بالبحرين.وتحمل ويليامز درجة الماجستير في الدراسات العربية من "مركز الدراسات العربية المعاصرة" في جامعة جورجتاون. وهي خريجة الكلية الحربية الوطنية. كما حصلت على درجة الماجستير في دراسات الأمن القومي عام 2008.
وفي سياق متصل، أفادت مصادر دبلوماسية وكالتي "فرانس برس" و "رويترز"،الأربعاء أن وزير الخارجية الجزائري الأسبق رمطان العمامرة مرشّح لخلافة سلامة.ورمطان لعمامرة (67 عاماً) دبلوماسي مخضرم عيّن سفيراً مرات عدّة قبل أن يتولّى منصب وزير الخارجية من 2013 ولغاية 2017.وكان لعمامرة وسيطاً في العديد من النزاعات الإفريقية، ولا سيما في ليبيريا، تحت رعاية الأمم المتحدة والاتّحاد الإفريقي.
وبالرغم من أن تعيين ستيفاني ويليامز مبعوثة أممية في ليبيا بشكل مؤقت الى حين اختيار مبعوث جديد،فان مراقبين يرون أن هذا التعيين ينتظر منه اتساع مجال التأثير الأمريكي في الملف الليبي، نظراً لاطلاع ويليامز على مختلف تفاصيله، سواء من خلال دورها كقائمة بالأعمال في البعثة الدبلوماسية لبلادها أو كنائبة لرئيس بعثة الدعم الأممية في ليبيا.
وانتقد رئيس المجلس الأعلى لقبائل فزان علي أبو سبيحة،تعيين ويليامز على رأس البعثة الأممية في ليبيا حيث رأى في تدوينة نشرها عبر حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك،أنه وبهذا تكليف ستدخل ليبيا في مرحلة جديدة من الصراع الدولي، ما سيؤدي إلى ارتفاع مؤشر الدور الامريكي ويبرز اهتمام أميركا بالمسألة الليبية بصورة اوضح.


وقال بوسبيحة، في تدوينته، "أما ساستنا فسيتنافسون على كسب رضى أمريكا ويقدمون كل التنازلات .حتي لايبقي لهم مايستر عوراتهم.. وكان الأجدر بهم تقديم التنازلات لبعضهم .ويحفظوا لانفسهم مابقي لهم من ماء وجوههم ويكفيهم اذلال ومهانة جراء سعيهم الدؤب وراء الغرب والوقوف على ابواب مسؤوليه بكل انكسار... أين النخوة والرجولة والاضاعت تحت سنابك خيل المال وحب الكراسي"، بحسب تعبيره.
وأثر التنافس بين القوى الدولية، وخاصة الصراع الإيطالي-الفرنسي، على البعثة الأممية بشكل كبير، وأكد مراقبون أن البعثة الأممية في ليبيا ضعيفة، أمام تجاذبات القوى الدولية ذات المصالح في الملف الليبي وكذلك أمام أطماع الأطراف المختلفة في الداخل. واعتبر الكثيرون أن تعيين ستيفاني ويليامز، نائبا لغسان سلامة مطلع يوليو 2018، محاولة أميركية لتخفيض حدة التنافس الفرنسي الإيطالي على ليبيا، والذي صعب مهمة البعثة الأممية لإيجاد تسوية للأزمة العاصفة بالبلاد.
ومنذ اندلاع الأزمة الليبية في العام 2011،  سارعت الأمم المتحدة للتدخل لحل النزاع الدائر في البلاد.وخلال السنوات الماضية تعاقب على ليبيا أكثر من مبعوث أممي،والذين مكثوا في مهامهم شهورا قبل أن يصلوا إلى نهاية الطريق المسدودة والفشل في الوصول إلى أي تسوية.ودأبت الأمم المتحدة،على استبدال مبعوثها إلى ليبيا كلما شعرت بوصول جهوده لحلحلة الأزمة إلى طريق مسدود، بسبب استعصاء الأزمة، أو بسبب موقف بعض أطراف الصراع من شخص المبعوث.
وأرجع الناطق باسم القيادة العامة للجيش الليبي أحمد المسماري، السبب في فشل المبعوثين الأمميين السابقين إلى عدم وضوح التكليف من الأمم المتحدة إليهم، وتكليفهم بحل الأزمة السياسية الليبية، في حين أن الأزمة أمنية بامتياز، والجيش يحارب الإرهاب والمليشيات الإجرامية.وقال المسماري، في تصريحات لـ "العين الإخبارية"، إن توصيف الحالة يفترض أن يأتي في كتاب تكليفه من الأمم المتحدة باعتبار الأزمة أمنية.

ويشن الجيش الوطني الليبي منذ الرابع من أبريل/نيسان 2019،عملية عسكرية في العاصمة الليبية طرابلس بهدف انهاء سطوة المليشيات المسلحة والقضاء على العناصر الارهابية.ودخلت تركيا على خط الصراع في العاصمة دعما لحكومة الوفاق حيث سارعت أنقرة بارسال عدد من جنودها اضافة الى آلاف من المرتزقة الموالين لها مع تواصل ارسالها لشحنات السلاح التي أغرقت بها البلاد منذ سنوات.
ورغم أن مؤتمر برلين الذي عُقد في يناير الماضي، وشاركت فيه تركيا، خلص إلى توقيع بيان يلزم الأطراف والدول المعنية بالأزمة الليبية على عدم التدخل أو تسليح الأطراف المتحاربة،فان النظام التركي نقض تعهداته وواصل مساعيه لتأجيج الصراع في البلاد وسط عجز البعثة الأممية بالرغم من تهديدات رئيسها السابق غسان سلامة بمحاسبة أردوغان بعد تعهداته في مؤتمر برلين.
وبالرغم من بدايته الناجحة،فقد وقع المبعوث الأممي في أخطاء سابقيه حيث بات في مرمى الاتهامات بالانحياز لأحد أطراف الأزمة وهوو ما عقد مهمته وتعالت الأصوات باستبعاده قبل استقالته.واعتبر مراقبون،أن تحقيق المبعوث الأممي نجاحات في الأزمة الليبية مرهون بقدرته على إحداث توازن بين جميع أطياف الصراع الليبي والوقوف بقوة أمام التدخلات الخارجية للوصول إلى حلول توافقية للأزمة المستعصية في البلاد.