تتجدد محاولات التوصل الى اتفاق لوقف اطلاق نار دائم في ليبيا يسمح يكون مقدمة للعودة الى طاولة الحوار بين الأطراف المتصارعة في البلاد.لكن يبدو أن هذا الأمر مازال صعبا في ظل تواصل التصعيد واستمرار تركيا في تدخلاتها السافرة في الصراع عبر مزيد ارسال المرتزقة وشحنات السلاح ما يهدد بتقويض أي محاولة للوصول الى اتفاق.
 إلى ذلك،استقبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وكبار المسؤولين الفرنسيين، الاثنين، قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر، في العاصمة باريس.وقال مكتب الإعلام التابع للقيادة العامة للجيش الليبي، إن حفتر وصل قصر الإليزيه بدعوة رسمية من ماكرون، للتباحث في آخر مستجدات مكافحة الإرهاب وملف الهجرة غير الشرعية.
وأضاف مكتب الإعلام: "نظمت الرئاسة الفرنسية استقبالا رسميا بحضور الرئيس الفرنسي ورئيس أركان الجيش الفرنسي ووزيري الدفاع والداخلية بالحكومة الفرنسية، وعدد من القيادات العسكرية بالجيش الفرنسي".ووفقا للمكتب، أشاد الرئيس الفرنسي بالدور المحوري الذي يلعبه الجيش الليبي في دعم عمليات مكافحة الإرهاب، مؤكدا "دعمه التام" لتلك الجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار في كامل المنطقة.

ونقلت وكالة "رويترز" عن مسؤول بالرئاسة الفرنسية ،أن المشير حفتر أبلغ الرئيس ماكرون بأنه سيوقّع على اتفاق لوقف النار، وسيلتزم به إذا احترمته الجماعات المسلحة التي تدعمها حكومة الوفاق.وأضاف المسؤول، بعد أن اجتمع حفتر مع ماكرون في باريس:"أكد لنا القائد العسكري حفتر بأنه ملتزم بتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار، لكنه سيتخلى عن هذا الالتزام إذا لم تحترمه الميليشيات".
وقال المسؤول في الرئاسة الفرنسية:"حفتر أحد اللاعبين الرئيسيين بالمشهد السياسي الليبي، ويجب أن يؤخذ في الحسبان". وأضاف، أنه لا توجد خطط للقاء ماكرون برئيس حكومة طرابلس فائز السراج أو التحدث معه.وهو ما اعتبره كثيرون خطوة تعكس استياءا فرنسيا من حكومة السراج جراء تواصل التدخل التركي في ليبيا وخرقها للتعهدات السابقة وتهديداتها الأخيرة لأوروبا بملف اللاجئين.
وكان مؤتمر برلين بشأن ليبيا قد أصدر في اختتام أعماله في التاسع عشر من يناير إعلانا أعرب فيه المشاركون عن التزامهم بقرار الأمم المتحدة الخاص بحظر تصدير السلاح إلى ليبيا ووقف تقديم الدعم العسكري لأطراف الصراع وبذل جهود دولية لتعزيز مراقبة حظر تصدير السلاح، وبنزع سلاح الميليشيات وفرض عقوبات على الجهة التي تخرق الهدنة.
لكن تركيا نقضت تعهداتها في برلين وواصلت عمليات نقل المرتزقة وشحنات السلاح الى ليبيا،وكانت فرنسا من أولى الدول التي نددت بالمخطط التركي في ليبيا حيث اتهم الرئيس الفرنسي نظيره التركي رجب طيب أردوغان "بعدم الالتزام بكلمته" من خلال قيامه بإرسال سفن تركية تحمل مرتزقة سوريين إلى ليبيا.وقال ماكرون "لقد رأينا في الأيام الأخيرة سفنا تركية تقل مرتزقة سوريين تصل إلى الأراضي الليبية" وهذا انتهاك صريح لما وعد به الرئيس أردوغان في مؤتمر برلين.

ونشرت وكالة الصحافة الفرنسية في يناير أنباء مفادها أن حاملة الطائرات الفرنسية شارل ديغول رصدت قبالة السواحل الليبية فرقاطة تركية تواكب سفينة تقل آليات نقل مدرعة في اتجاه طرابلس.ونقلت حينها عن مصدر لم تذكره، أن سفينة الشحن بانا التي ترفع العلم اللبناني رست في ميناء طرابلس، فيما أفاد موقع "مارين ترافيك" بأن السفينة كانت تبحر بعد ظهر الخميس قبالة صقلية.
وهذه ليست المرة الأولى التي يُدعى فيها حفتر إلى باريس ويزورها. فقد جاءها في مايو (أيار) من العام الماضي بعد أيام قليلة من زيارة مماثلة للسراج، واجتمع خلالها بالرئيس إيمانويل ماكرون والوزير جان إيف لودريان.وتسعى فرنسا للانخراط مجددا في الشأن الليبي كوسيط لحل الأزمة التي تضرب البلاد من 2011، وتصاعدت حدتها مؤخرا مع تدفق المرتزقة الموالين لتركيا لدعم قوات حكومة الوفاق.
وسبق أن نظمت فرنسا مؤتمرين: الأول في يوليو (تموز) عام 2017، والآخر في مايو من عام 2018، إلا أن الجهود الفرنسية لم تفض إلى نتيجة.ومنذ مؤتمر برلين الذي دعت إليه الأمم المتحدة وألمانيا لتوفير مظلة للحل السياسي للمعضلة الليبية ومساعدة مبعوث أمين عام الأمم المتحدة غسان سلامة الذي استقال مؤخراً،كثفت فرنسا من تحركاتها داعية الى ضرورة وقف اطلاق النار في ليبيا.
ودعا جان إيف لودريان وزير الخارجية الفرنسي،الأسبوع الماضي،الى احترام مقررات قمة برلين عبر فرض وقف دائم لإطلاق النار وما يسمح باطلاق حوار سياسي شامل والتمكن من إدارة أفضل للموارد الليبية، إضافة إلى وقف إيصال السلاح إلى الأطراف الليبية.ودعا لودريان الى أن يتم سريعاً تعيين بديل عن سلامة "من أجل استمرار الدينامية التي أطلقها لوقف إطلاق النار والحوار الليبي - الليبي".
ومن فرنسا انتقل القائد العام للجيش الليبي إلى العاصمة الألمانية برلين بدعوة رسمية من المستشارة الألمانية أنجيل ميركل،حيث ناقشا آخر المستجدات على الساحة الليبية، وعملية وقف إطلاق النار. وقال المتحدث بإسم الحكومة الالمانية في بيان نقلته "رويترز": "أكدت المستشارة أنه ما من حل عسكري لهذا الصراع وأن وقف إطلاق النار وإحراز تقدم في العملية السياسية ضروريان لهذا السبب".

وتصطدم محاولات التوصل الى وقف دائم لاطلاق النار في ليبيا بواقع التصعيد الذي تشهه محاور القتال،حيث كشف الضابط بالجيش الليبي المقدم مهندس جبريل الشيخى، في تصريح لـ"بوابة إفريقيا الإخبارية"، أن قوات الجيش الليبي تمكنت من إفشال وإحباط عملية تقدم حاولت الجماعات الإرهابية والمرتزقة السوريين والأتراك القيام بها اتجاة تمركزات القوات المسلحة والتي لا يبعدها عن قلب ومركز العاصمة الا 7 كيلومتر فقط.
 وتصاعد الحديث عن عمليات تحشيد للقوات الموالية لحكومة الوفاق مع المرتزقة الموالين لأنقرة لشن هجمات جديدة.وكان الناطق الرسمي باسم القيادة العامة، اللواء أحمد المسماري،أكد الخميس الماضي إن "الساعات القادمة ستكون ساخنة جدًا في جميع قطاعات العمليات في المنطقة العسكرية الغربية"، لافتًا إلى أن تلك المنطقة تشهد "تحشيدًا" من قبل القوات التابعة لحكومة الوفاق لـ"القيام بعمل كبير" ضد قوات القيادة العامة.
ولفت المسماري خلال مؤتمر صحفي،الى أن قوات القيادة العامة "نفذت عدة عمليات عسكرية استباقية" بمناطق جنوب شرق غريان والهيرة والعزيزية خلال الفترة الماضية لـ"منع القوات التابعة لحكومة الوفاق من استغلال حالة الهدنة".وأشار الناطق العسكري إلى أن قوات القيادة العامة تمكنت خلال الفترة الماضية من "إسقاط 6 طائرات مسيرة في يوم واحد"، كما "قتلت 35 إرهابيًا أجنبيًا بمنطقة صلاح الدين بضربة واحدة"، لافتًا إلى أن منطقة العمليات الوسطى يسودها الهدوء باستثناء بعض "الخروقات من الطرف الآخر" التي يتم الرد عليها.
وفي ظل هذه التطورات الميدانية وتواصل خرق الهدنة الهشة وتواصل التدخلات التركية يبدو التوصل الى وقف دائم لاطلاق النار صعبا.وفي هذا السياق،قال طلال الميهوب رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي في البرلمان الليبي، إن زيارة المشير خليفة حفتر إلى فرنسا وبرلين تتعلق بمسارات الحل المطروحة مشيرا الى أن المجتمع الدولي على إطلاع بعمليات نقل الإرهابيين إلى ليبيا، وأن الزيارة تناولت كافة التفاصيل الحاصلة في المشهد الليبي حتى الأن.

وبشأن إمكانية توقيع المشير خليفة حفتر على وثيقة وقف إطلاق النار،أكد الميهوب لوكالة "سبوتنيك" الروسية،أن الشروط التي طرحتها القوات المسلحة الليبية في وقت سابق لم تتغير، وأنه حال توافر الشروط المعلنة مسبقا يمكن اتخاذ خطوة مغايرة للموقف الحالي، والتوقيع على وقف إطلاق النار.وتابع الميهوب أن الهدنة تم خرقها من جانب المليشيات، فيما يرد الجيش على الخروقات طوال الفترة التي أعقبت بدء الهدنة.
ويشترط الجيش الوطني الليبي انهاء المليشيات المسلحة واخراج المرتزقة والارهابيين الموالين لتركيا من الأراضي الليبية.وقال قائد الجيش الوطني الليبي في تصريحات أواخر فبراير الماضي إن "مفاوضات جنيف لن تفضي إلى نتيجة إلا إذا انسحب المرتزقة الأتراك والسوريون وتوقفت تركيا عن تسليم أسلحة لطرابلس وتمت تصفية الجماعات الإرهابية".وأكد حفتر أنه "في حال لم تتوصل مفاوضات جنيف إلى إرساء السلام والأمن في البلاد ولم يعد المرتزقة من حيث أتوا عندها ستقوم القوات المسلحة بواجبها الدستوري للدفاع عن البلاد من الغزاة الأتراك – العثمانيين".
ويشير مسؤولون ليبيون الى أن المليشيات المسلحة تمثل التحدي الأبرز أمام أي محاولات لحل الأزة الليبية.وهو ما أكده وزير الخارجية والتعاون الدولي بالحكومة الليبية عبدالهادي الحويج،الأحد،في ندوة بالجزائر العاصمة أمام جمع من السياسيين والكتاب والصحفيين والمهتمين بالشأن العربي والمغاربي،حيث اعتبر "ان أي حل في ليبيا لابد ان يقوم على اجتثاث الإرهاب ونزع سلاح المليشيات تمهيداً للذهاب للمصالحة الوطنية الشاملة والتي لا تقوم على المغالبة ولا الاقصاء ولا التهميش".