في الوقت الذي تستعد فيه ألمانيا لتنظيم مؤتمر برلين بشأن ليبيا،دخلت روسيا على خط المشاورات الساعية الى تقريب وجهات النظر المتباينة بين أطراف الصراع الليبي في محاولة للوصول الى تسوية سياسية شاملة في البلاد تنهي سنوات من الفوضى والحروب المتواصلة التي تسبب فيها التدخل الغربي في ليبيا في العام 2011.
وانطلقت اليوم الاثنين في موسكو محادثات روسية تركية حول ليبيا، وفق ما أعلنت الخارجية الروسية،وكتبت ماريا زاخاروفا، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، في تدوينة عبر حسابها على موقع فيسبوك "وفقا للاتفاقيات التي تم التوصل إليها في اسطنبول بين الرئيسين الروسي والتركي، فقد انطلق اجتماع روسي تركي.. بشأن التسوية الليبية، في مقر وزارة الخارجية.


وبدأت المشاورات باجتماع لوزراء الخارجية والدفاع الروسي والتركي في شكل "2 + 2". وفي وقت لاحق، استمرت المحادثات في اجتماعات منفصلة للوفود مع بعضها بعضا.وقال المستشار الإعلامي لرئيس البرلمان الليبي حميد الصافي ،أن المفاوضات في الخارجية الروسية بين فريقي المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي من جهة، وحكومة الوفاق برئاسة فايز السراج من جهة أخرى ،تتم كل على حدى ولم يتم أي لقاء مباشر بينهما.ونقلت وكالة سبوتنيك الروسية عن الصافي قوله إن الاجتماع هو مع كل طرف على حدى، أي أن الأطراف الليبية غير موجودة مع بعضها... المستشار والمشير مجتمعين مع الروس فقط، الأتراك والروس مع مشري والسراج.


ولم تسفر نتائج المشاورات في اليوم الأول عن الوصول الى اتفاق،حيث أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عدم التوصل لاتفاق بين قائد الجيش خليفة حفتر ورئيس المجلس الرئاسي فائز السراج.وأعلن لافروف خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره التركي مولود شاويش أوغلو من موسكو إحراز تقدم جيد في المحادثات دون التوصل لاتفاق بعد مؤكدا أن بعض الأطراف في محادثات ليبيا وقعت على الاتفاق لكن حفتر طلب بعض الوقت.
وأضاف لافروف: "ينظر قائد الجيش الوطني الليبي المشير حفتر، ورئيس مجلس النواب في طبرق، عقيلة صالح، إلى هذه الوثيقة بإيجابية، ولكنهم طلبوا القليل من الوقت الإضافي حتى صباح اليوم التالي لاتخاذ قرار بشأن توقيعها. آمل أن يكون هذا القرار إيجابيا".فيما قال شاويش أوغلو إن حفتر طلب الإمهال حتى صباح الثلاثاء لاتخاذ قرار بشأن وقف إطلاق النار مضيفا: أعددنا نص مسودة تتضمن كيفية وقف إطلاق نار محتمل في ليبيا.
المحادثات تأتي بعد أن أدى وقف لإطلاق النار في ليبيا دعت إليه روسيا وتركيا إلى تهدئة القتال العنيف والضربات الجوية منذ الأحد، لكن الطرفين تبادلا الاتهامات بانتهاك الهدنة مع استمرار المناوشات حول العاصمة طرابلس.ودخل وقف لإطلاق النار في ليبيا حيز التنفيذ الأحد بعد أشهر من المعارك عند أبواب طرابلس، وإثر مبادرة من أنقرة وموسكو ومباحثات دبلوماسية مكثفة.


وأعلنت سفارات كل من الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا وبعثة الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا ترحيبها بموافقة أطراف القتال على وقف إطلاق النار.وحثت البعثات الدبلوماسية في بيان مشترك جميع الأطراف على اغتنام الفرصة التي وصفتها بالهشة، لمعالجة القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية الرئيسية التي تكمن وراء الصراع.
وأوضحت البعثات في البيان أنه انطلاقا من روح مؤتمر برلين ما زالت ملتزمة بسيادة ليبيا وسلامة أراضيها، لتبقى حرة من التدخلات الخارجية غير المبررة.وذكر البيان أن هذه الدول مستعدة لدعم الأطراف الليبية في تحقيق وقف طويل الأمد للأعمال العدائية، وتسوية سياسية تمكن الليبيين من التمتع بمستقبل أكثر سلاما وازدهارا.
وتمثل المشاورات الجارية في موسكو بحسب البعض مؤشرا ايجابيا قد يخدم مؤتمر برلين القادم حول الأزمة الليبية.ورحبت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل،خلال لقائها في موسكو أول أمس السبت الرئيس الروسي،بالجهود الروسية التركية، آملة أن توجه قريبا "الدعوات إلى مؤتمر في برلين ترعاه الأمم المتحدة".
وقالت ميركل خلال مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس الروسي،إن برلين "لا تنوي التدخل في ليبيا، ولكن لا بد من حل الأزمة".وأوضحت المستشارة الألمانية أن برلين ستستضيف قمة للسلام في ليبيا، معربة عن أملها بنجاح الجهود التركية - الروسية للسلام في ليبيا. وقالت بهذا الخصوص:"سنرسل قريبا دعوات لمؤتمر في برلين".


وبدوره قال الرئيس بوتين إن الوقت قد حان لعقد محادثات السلام بشأن ليبيا في برلين، مؤكدا أهمية وضع حد للمواجهة المسلحة في طرابلس، ووقف إطلاق النار. وشدد على أن الصراع في ليبيا "يجب أن ينتهي".وأضاف بوتين معلقا على مزاعم وجود مرتزقة روس في ليبيا:"إذا وجد روس في ليبيا فإنهم لا يمثلون الدولة الروسية".
ويتواصل التنسيق لتحديد موعد نهائي لمؤتمر برلين حول الأزمة الليبية،وأكد المتحدث باسم الحكومة الألمانية شتيفن زايبرت الاثنين أن مؤتمراً دولياً حول ليبيا يضم طرفي النزاع والدول الفاعلة فيه سيعقد في برلين في كانون الثاني/يناير، مضيفا أن المؤتمر قد يكون يوم الأحد المقبل في 19 كانون الثاني/يناير، رغم انه من المبكر تأكيد ذلك في هذه المرحلة.


وبدورهما، قال مشاركان في المفاوضات التحضيرية للمؤتمر إن ألمانيا تعتزم عقد القمة في برلين في 19 من الشهر الجاري.ويفترض أن تشارك في هذا المؤتمر عشر دول على الأقل هي الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي مع ألمانيا وتركيا وإيطاليا ومصر والإمارات.وأكدت الرئاسة المصرية أن الرئيس عبد الفتاح السيسي أجرى محادثات مع المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل.
وكانت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل قد أعلنت السبت الماضي،أن برلين ستستضيف محادثات السلام الليبية مضيفةً أن الأمم المتحدة ستقود المحادثات إذا كان الاجتماع سيعقد في برلين. وقالت إن الطرفين (حكومة الوفاق بقيادة فايز السراج والجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر) يجب أن يقوما بدور كبير إذا كان هناك استعداد لإيجاد حل.وأضافت ميركل أن الهدف من الاجتماع هو منح ليبيا الفرصة لكي تصبح بلداً يحظى بالسلام والسيادة.


ولليوم الثاني على التوالي تشهد العاصمة الليبية طرابلس هدوءا حذرا بعد  دخول وقف هش لإطلاق النار بين القوات الموالية لحكومة الوفاق وقوات الجيش الوطني الليبي حيز التنفيذ.وشهدت الساعات الماضية تبادل الاتهامات بين الطرفين بخرق الهدنة،فيما تصاعدت وتيرة التصريحات من بعض قيادات المليشيات الموالية لحكومة السراج بعدم الاستجابة لوقف اطلاق النار.
وفي الرابع من أبريل/نيسان الماضي أطلق الجيش الوطني الليبي عملية "طوفان الكرامة" العسكرية بهدف انهاء سطوة المليشيات المسلحة والقضاء على العناصر الارهابية،وسارعت حكومة الوفاق لحشد قواتها وعقد تحالفات لصد الجيش الليبي الذي نجح في السيطرة على عدة مواقع استراتيجية وتمكن مؤرا من بسط سيطرته على مدينة سرت.ومثل دخول تركيا في الصراع الليبي لدعم حكومة الوفاق خطرا كبيرا في اطالة أمد الأزمة.


ومنذ العام 2011،دخلت ليبيا في حالة من الفوضى والحروب المتواصلة،وبالرغم من الاجتماعات المتكررة والمؤتمرات المتتالية في السنوات الماضية فان الوصول الى تسوية سياسية في البلاد ظل أملا معلقا.ويرى مراقبون أن التحركات الأخيرة بين موسكو وبرلين قد تلقى نفس مصير الجهود الماضية نظرا لاختلاف وجهات النظر وصراع المصالح بين الدول،ويشير هؤلاء الى أن التسوية الحقيقية يجب أن تكون ليبية صرفة فالليبيون وحدهم أدرى ببلادهم ومصلحتها.