عندما يدور الحديث عن الرفقة والوفاء لها، لابد أن يذكر ابوبكر يونس جابر، الذي جسد المعنى، عندما استبدل كل الخيارات المتاحة إلى خيار واحد، كان يعي جيدا أنه يعني الموت، لا لشيء إلا للالتحاق برفيقه، الذي اختار هو الآخر النهاية كما أراد.

ارتبط جابر منذ فترة الشباب برفيقه، معمر القذافي، الذي ضمه منذ البداية ضمن الخلايا الأولى لتنظيم الضباط الوحدويين الأحرار قبل حتى أن يتخذ له هذا الاسم، وبدأ معه في الترتيب لثورة الفاتح، باختيار وتجنيد الرفاق، حتى توج عملهم في الفاتح من شهر سبتمبر من عام 1969 بالثورة على النظام الملكي في ليبيا، وبقي ضمن مجلس قيادة الثورة الذي تقلص من أثني عشرة ضابط إلى أربعة في آخر المطاف لأسباب عدة، ليس المجال لذكرها في هذا السياق.

لم يكن جابر، الوحيد الذي بقي على عهده مع رفيقه وقائده إلى آخر لحظة من حياته، ولكنه الوحيد الذي اختار الطريقة التي يموت بها "شهيدا" كما كتب في وصيته، ضاربا بذلك مثالا سيبقى خالدا في تاريخ الرفقة، والمعارك الحربية على حد سواء، فهو "وزير" الدفاع الذي أستشهد على أرض المعركة، والذي جاء للموت مع رفيقه طوعا واختيارا.

ولد ابوبكر يونس جابر، الذي يعود إلى قبيلة المجابرة، عام 1940 بواحة جالو، وتلقى تعليمه الابتدائي فيها، وأكمل تعليمه في الأبيار ودرنة بشرقي ليبيا، وقبل أن يكمل مرحلة التعليم الثانوي ألتحق بالكلية الحربية، حيث تعرف على رفيقه القذافي، وبدأ معه بناء تنظيم الضباط الأحرار.

وعرف جابر منذ تخرجه بالجدية والالتزام، واهتم منذ البداية بالتسليح وتطوير الأسلحة، حيث عين في قسم الصيانة في معسكر الهضبة الخضراء بمدينة طرابلس.

كان لأبوبكر يونس دور بارز ليلة الفاتح من سبتمبر، وتولى منذ عام 1970 مهمة رئيس الأركان، وفي عام 1976 أسندت إليه القيادة العامة للقوات المسلحة العربية الليبية، وعرف باهتمامه الكبير بتنمية القدرات القتالية للقوات المسلحة، من حيث التدريب والتطوير والتجهيز، وتوريد وتطوير الأسلحة، وأشرف على اتفاقيات ثنائية، مع العديد من البلدان المصنعة للأسلحة لاسيما "الاتحاد السوفييتي" سابقا.

واقترن اسم جابر باللجنة المؤقتة للدفاع (وزارة الدفاع)، منذ اعتمادها في التسعينيات، حتى يوم استشهاده، في آخر معارك سرت يوم 20 أكتوبر 2011، حيث قتل تحت قنابل حلف الناتو الذي استهدف موكب الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، إثناء خروجه من مدينة سرت صوب وادي جارف ليسجل اسمه ضمن أبطال ملحمة نادرة، أستشهد فيها القائد الأعلى (معمر القذافي)، والقائد العام (أبوبكر يونس جابر)، ورئيس مجلس الأمن الوطني (المعتصم بالله القذافي)، وآمر سرية الحراسة الخاصة (عزالدين الهنشيري)، ومعظم المرافقين والذين كانوا يمثلون كل شرائح الشعب الليبي.

وأوردت مصادر ما أكدت أنها وصية جابر، والتي كتبها قبل استشهاده بخمسة أيام، عندما كانوا محاصرين في الحي الثاني بمدينة سرت، والتي توقع  فيها وفقا لكتاب "اليوم الأخير" لمؤلفه محمد سعيد القشاط، أن يموت شهيدا، فأوصى بأن يدفن بجوار رفيقه معمر القذافي، بثيابه التي يموت فيها، مؤكدا على مواصلة "الجهاد" ضد من وصفهم بالخونة والعملاء، مطالبا بتقوى الله في الأطفال والنساء من أهله.

ووجه رسالة لرفاقه من الضباط الأحرار الذين تراجعوا، قائلا: "أبعث برسالة إلى رفاقي الضباط الأحرار الذين خانوا العهد والميثاق، أنكم لم تخونوا معمر القذافي، بل خنتم الأرض والعرض، ولن يغفر لكم الشعب الليبي الحر خيانتكم له.. نحن قمنا بالثورة ضد الاستعمار، وانتم وقفتم مع الخونة لجلبه" مضيفا أنه "عاهد نفسه  ألا يغادر ساحات الجهاد، إلا شهيدا مع رفيق دربه وأخواته، من المجاهدين الذين سلموا أرواحهم فداء لاسترجاع كرامة الوطن والحفاظ عليه طاهرا عزيزا كريما"... السبت 2011/10/15 التمور.. الساعة 5.22 السكنية الثانية – سرت.