في خارطة الأيام الأممية، لا يحظى شهر يناير/كانون الثاني بنفس المكانة التي يحظى بها في سلم ترتيب الشهور. وإن كان أول شهر في التقويم الشمسي الغريغوري المعتمد عالميا، فهو في ذيل الترتيب من حيث عدد الأيام الأممية (ثلاثة أيام أممية فقط: اليوم العالمي للغة برايل،اليوم العالمي للتعليمواليوم العالمي لإحياء ذكرى ضحايا الهولوكوست).

مع أن فاتح يناير هو أول يوم في السنة لكنه لا يصنف كيوم عالمي/أممي، وأول يوم أممي تحتفل به البشرية هو يوم لغة برايل؛ اليوم (الثلاثاء 4 يناير) سنحتفل باليوم العالمي للغة برايل (Braille). ولغة بريل هي أبجدية تتشكل من ست نقاط يتحسسها باللمس المعاقون بصريا بعد أن يتعلموا معانيها، بما في ذلك رموز الموسيقى والرياضيات والعلوم. ويستخدم المكفوفون وضعاف البصر لغة برايل، التي سُمّيت بهذا الاسم تيمنا باسم مخترعها في القرن الـ19 الفرنسي لويس برايل، بهدف قراءة نفس الكتب والنشرات الدورية المطبوعة بالخط المرئي، بما يكفل لهم الحصول على المعلومات المهمة، وهو ما يُعد مؤشرا على الكفاءة والاستقلال والمساواة.

ولشهر يناير قصة كما هو حال كل الشهور في ثقافة الأمم والجماعات، وتعود تسمية شهر يناير(january)إلى جانوس"Janus"إله "الأبواب والعبور" أو إله "التقاطعات"، وهو الإله الذي يحرس أبواب السماء أو "إله البدايات والنهايات"، وله وجهان أحدهما ينظر إلى الماضي والآخر إلى المستقبل، واحد مفتوح على زمن الحرب والثاني منغلق على زمن السلم وفقاً للميثولوجيا الرومانيّة. والكلمة من أصل لاتيني مشتقة من(ianua)التي تعني (الباب)، من هنا يمثل يناير باب الدخول إلى السنة (أو كما نسميه راس العام).

 ويعود منشأ أسماء الشهور الميلادية إلى إمبراطوريّة روما القديمة، حيث تمَّ تسمية بعضها كنوع من التمجيد للآلهة الرومانيّة وفقاً للأساطير الخاصة بهم، كما تمَّ تسمية شهرين على إسم قائدين عظيمين من قادة الرومان تمجيداً لهما وهما يوليوس قيصر وأغسطس.

في البدايات كان التقويم الروماني يتألَّف من 10 أشهر فقط في السنة، حيث اعتمد الرومان في ذلك على التقويم اليوناني القديم، لكنَّهم فيما بعد، تأثروا بالحضارة القبطية، وقاموا بإضافة شهرين آخرين وهما يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط). وتمثِّل السنة الميلاديّة دورة كاملة للشمس لذلك فهي سنة شمسيّة، ومدَّة هذه الدورة اثني عشر شهراً.

وشهر يناير من الشهرين اللّذين قام الرومان بإضافتهما إلى تقويمهم، ثمَّ فيما بعد بدأ الاعتقاد لديهم أنَّ هذا الشهر هو أوَّل شهور العام فاعتمدوه كأوَّل شهر في السنة.

وهناك من يخلط بين التقويم والتأريخ، وإذا كان التأريخ هو تدوين الأحداث وتسجيلها وفق معالم تاريخية ذات صلة بثقافة معينة، كما هو حال التأريخ الإسلامي المرتبط بالهجرة النبوية، والتأريخ المسيحي المرتبط بميلاد المسيح، والتأريخ العبري والصيني والهندوسي.... فإن التقويم له صلة بالفلك والطبيعة، وبتجربة الإنسان في علاقته بالأرض والشمس والقمر والنجوم، حيث انتهت التجربة البشرية إلى ضبط  الزمن وتنظيمه وفق حركة القمر أو وفق حركة الشمس.

 وللتقويم الشمسي في صيغته الغربية، كما أسلفنا، جذور قديمة متعددة الحضارات، تعود إلى الإغريق وبلاد القبط وقد تمتد إلى حضارات بلاد الرافدين. وتعود إلى التقويم الروماني أو اليولياني والذي قام يوليوس قيصر بإدخاله في عام 46 قبل الميلاد، حيث تأثر هذا التقويم ببلاد القبط التي كانت تعتمد تقويما شمسيا يقسم السنة إلى 12 شهراً مع أيام كبيسة. ويُعرف التقويم الميلادي أيضاً بإسم التقويم الغريغوري أو المسيحي وهو التقويم المُعتَمَد من قِبَل كل بلدان العالم.

منذ أعوام قرأت عدة دراسات حول التقويم القمري وتفاجأت حين وجدت أن عددا من الأمم تعتمد التقويم القمري جنبا إلى جنب مع التقويم الشمسي في الصين وإسرائيل والهند، وزادت مفاجأتي حين وجدت أن اعتماد المسلمين للتقويم القمري يختلف عن باقي الأمم، وما أثار دهشتي أيضا هو وجود تقويم مركّب يسمى (التقويم الهجري الشمسي) تعتمده المملكة السعودية وإيران. وهذا التقويم لا يختلف كثيرا عن التقويم الغريغوري، وتقول بعض الدراسات أن نسبة الخطأ فيه قليلة مقارنة بالتقويم الغريغوري. وقد وضع هذا التقويم العالم صاحب الرباعيات الشهيرة عمر الخيام بمعاونة سبعة من علماء الفلك.