حميد زناز

منذ انطلاق ثورة الابتسامة وما تبقى من مناضلي جبهة الانقاذ الاسلامية يحومون حولها لاختراقها واستثمار عنفوانها مغتنمين ارتباك النظام. و لكن ليس حبا في الديمقراطية و نشدان التغيير كما يريد هؤلاء المندسون وسط الحراك أن يوهموا الجيل الجديد الذي لا يعرف تاريخهم الدموي في الجزائر وإنما يهدفون الى الثأر من الجيش الجزائري الذي حرمهم من الصعود الى الحكم سنة 1992 حينما ألغى الدور الثاني من الانتخابات التشريعية و العملية الانتخابية برمتها ومنعهم من اقامة دولتهم الدينية القروسطية.

 بعد استيقاظ بعض العلمانيين و انتباههم للغزو الاسلاموي للحراك رفعوا شعار القطيعة المزدوجة ، مع النظام المتعنت و مع الاسلام السياسي المؤدي حتما  إلى الحرب الاهلية. و أمام هذه الصحوة المفاجئة للعلمانيين ، بدأت بقايا جبهة الانقاذ الاسلامية تحت مسميات كثيرة – من أجل خلط الاوراق -  تنادي بترك الايديولوجيات جانبا الى ما بعد سقوط النظام 

ولكن هي حيلة انطلت على بعض السذج من اليساريين و على الذين يجهلون اهداف الاصوليين او الانتهازيين الذين لا يريدون مواجهة الواقع. يتبجح الاسلاميون تكتيكيا بالرغبة في اقامة دولة القانون و حقوق الانسان و العدالة، فيكاد من ينصت الى خطاباتهم أن يحسبهم ديمقراطيين  متطرفين. و الحقيقة هي عكس ذلك تماما و هو السبب الذي يجعلهم لا يحبذون الخوض في نقاشات جدية من الآن خشية ان ينكشف امرهم فيرون من الاحسن تأجيل النقاش الجوهري و تجنب الاسئلة الحارقة : ما هو موقفهم من المساواة بين الجنسين ؟ من تعدد الزوجات ؟ من حرية العقيدة ؟ من اللغة الامازيغية ؟ من الردة ؟ من عقوبة الاعدام ؟ من تطبيق الحدود ؟ من الجهاد؟  الخ

يقدم الاسلاميون انفسهم كضحايا كيلا يتم  تذكيرهم بتاريخهم و مسؤوليتهم في قتل آلاف الجزائريين: مثقفين ، نساء و رجال، صحفيين، موظفين ، جنود، رجال شرطة ودرك ومواطنين عاديين.. تلك مسائل لا يريد الاسلاميون في الجزائر أن يُسألوا عنها لان إجاباتهم ستفضح افعالهم و مشروعهم الثيوقراطي و يظهرون بعيدين عن الدولة الديمقراطية بعد السماء عن الأرض. هم منقسمون حول تلك المسائل انقساما كبيرا و لذلك هم يريدون الوصول الى الحكم قبل أن يتشتتوا و ربما يقتتلوا و كذلك فعلوا قبل توقيف المسار الانتخابي سنة 1992 إذ كادت الجبهة الاسلامية للإنقاذ ان تصل الى حكم الجزائر دون ان تعقد مؤتمرا واحدا. هم يريدون الوصول  الى الحكم اولا ثم يفرضون على الجزائريين فهمهم للدين و الدولة و الحياة.  راهن الاسلاميون على انتشار ذلك التديّن الفلكلوري بين الجزائريين في السنوات الاخيرة  لذلك هم متلهفون إلى اجراء انتخابات قبل كل شيء بعد سقوط النظام او هكذا كانوا يحلمون . و يقدمون الانتخابات على  انها هي الديمقراطية و من تحصل على الاغلبية فله الحق في فعل ما يريد باسم الشعب في حين أن الديمقراطية هي وسيلة من وسائل الديمقراطية فقط. هم يريدون بناء الدولة الخرافية التي في مخيلتهم عن طريق الانتخابات بينما لا معنى لانتخابات قبل وجود دولة مؤسسات عصرية.  

وفي حالة اجراء انتخابات دون ضوابط كما وقع في 1990 و 1991 و عدم وجود مؤسسات قوية و قانون انتخابي ديمقراطي صارم، سيستعملون المساجد لترهيب الناس و تقديم منافسيهم كأعداء للإسلام و يكفرون كل من لا يعطيهم صوته. استراتيجيتهم هو تحويل الاغلبية الدينية الى أغلبية حزبية مرة أخرى كما فعلوا في بداية التسعينيات بتواطؤ النظام غير المباشر لجرهم الى العنف ثم محاربتهم و اقصائهم.  

تسللت حركة رشاد الإخوانية المنضوية تحت لواء مؤتمر الامة بقيادة الارهابي حاكم المطيري الى صفوف ثورة الابتسامة السلمية في الجزائر.  و كان ذلك بمثابة الهدية الثمينة التي لم يكن يحلم بها نظام الحكم في الجزائر إذ كان في البداية مرتبكا في مواجهة ملايين الجزائريين و الجزائريات المطالبين بدولة الحرية و القانون. و جاء الاسلاميون ليقدمون له المبرر الذي يقضي به على الحراك فسارع الى "أسلمة" الحراك ووصمه بالإرهاب

حاولت جماعة رشاد بنت الجبهة الاسلامية للإنقاذ الارهابية  ليل نهار عبر مواقع التواصل الاجتماعي و عن طريق قناة أوراس المغاربية سابقا ، الممولة من طرف قطر، تبرئة الارهابيين الذين دمروا البلد و العمل على الاستحواذ شيئا فشيئا على الحراك و توجيهه وجهة اسلاموية و لم يظهروا وجههم الحقيقي بين جموع الحراكيين لما كانوا لا يشكلون الاغلبية و هو ما حصل في أشهر الحراك الأخيرة  إذ بدأ ينقص عدد الديمقراطيين و خاصة الديمقراطيات في المظاهرات. أما ما تبقى من الديمقراطيين الذين بقوا يشاركون في المظاهرات فلا يرددون هتافات الاسلاميين بل يهتفون بجزائر حرة ديمقراطية ، شعار الحداثيين التقليدي المناهض للإسلام السياسي منذ التسعينات.                                  

سقطت ثورة الابتسامة بين فكي كماشة لم تستطع الخروج منها  سالمة: فمن جهة يشيطنها النظام و من جهة أخرى يحاول الاسلاميون الاستيلاء عليها كلية.  و هذا التمزق الذي عاشته ليس هدية نزلت من السماء على النظام الحاكم بل هي هدية من الاسلام السياسي و إن ساهم  النظام ايضا في تحضيرها لتفجير الثورة من الداخل.

و كالعادة ووفاء لوظيفته التاريخية قد يكون الاسلام السياسي السبب الرئيسي في فشل ثورة الابتسامة التام كما كان دائما معطلا لكل انفتاح ديمقراطي حقيقي و على الاخص مساهمته الكبرى في تخريب طموحات انتفاضة 1988. و سيبقى الحراك يراوح مكانه الى ان يلفظ أنفاسه الاخيرة  اذا لم يتجاوز المعادلة الجهنمية  التي   فرضها النظام و الاسلاميين معا و التي تقول :  لا يمكن فعل أي شيء مع الاسلاميين كما لا يمكن فعل أي شيء بدون الاسلاميين أيضا.