صدر حديثاً عن البنك الدولي تقرير سهولة ممارسة الاعمال أوسهولة  تيسير الاعمال للعام 2020، التقرير يقع في 140 صفحة ، وقد ضم التقرير هذه المرة 190 دولة من القارات الستة، والتي تم تصنيفها عبر أداء 12 مؤشراً منها 10 لها علاقة مباشرة بتشريعات الاعمال وهي: سهولة بدء الاعمال، سهولة الحصول على إذن الانشاء، الحصول على الكهرباء ، تسجيل العقارات، سهولة الاقراض ، حماية صغار المستثمرين ورواد الاعمال، سداد الضرائب ، التبادلات التجارية عبر الحدود والمنافذ، انفاذ وتفعيل العقود بالاضافة الى الافلاس وعدم الوفاء عن السداد )الاعسار)، وبحسب البنك الدولي فإن تقرير سهولة/ تيسير الاعمال في حد ذاته هوعبارة عن تقرير يستعرض في شكل مؤشرات (( كمية )) دور التشريعات في استئناف او استمرار الاعمال وحقوق الملكية لدول العالم وبحسب الترتيب الهجائي لاسماء الدول، وبالتالي فهو ليس دليلاً استثمارياً بقدر ماهو مقياس لمؤشرات تيسير أنشطة الأعمال، وقد خلص التقرير الى أن أربعة من أعلى 10 دول تطبيقًا للإصلاح في العالم هي دول تقع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا : السعودية والاردن والتوجو والبحرين وطاجاكستان وباكستان ووالكويت والصين والهند ونيجيريا على التوالي، كما أوضح التقرير أيضاً أن دولتين فقط من قارة أفريقيا قد جائتا ضمن أول أربعين دولة، حيث جاءت موريشيوس في الترتيب 13 عالمياً وهو مركز مرموق لهذه الدولة الصغيرة، في حين جاءت رواندا في المركز 38 عالمياً، وأنه لاتوجد أي دولة من امريكا اللاتينية ضمن الدول الرائدة في هذا التقريرأيضاً، وأن حكومات 115 دولة حول العالم من أصل 190 شملها تقرير 2020 قد طبقت 294 إصلاحًا لتسهيل ممارسة أنشطة الأعمال للقطاع الخاص المحلي، مما يمهد الطريق لمزيد من فرص العمل وتوسيع النشاط التجاري بها، مايعني زيادة الدخل للكثيرين، وعلى العكس من ذلك فقد اتخذت 26 دولة خطوات تمثل عقبات جديدة وجدية أمام مزاولة أنشطة الأعمال، وبالتالي فإن هذه العقبات ستزيد من تكلفة ممارسة أنشطة الأعمال.


وتنبع أهمية هذا النوع من التقارير العالمية في كونها تصنف الدول حسب جودة بنيتها التحتية ، وتشريعاتها، ومدى قدرتها على المنافسة الاقتصادية، ومدى مرونتها وسهولة مزاولة الاعمال فيها ، مع ضمان حقوق الملكية، وذلك من خلال قياسها بعدد من المؤشرات، بغض النظر عن الجنس أو الجنسية أو الديانة، مما يجعل بعض الدول تملك ميزة تنافسية عن غيرها من الدول، كما أن هذه التقارير مجتمعة تُعطي قراءة واضحة وجلية للدول التي تملك بيئة آمنة وجاذبة للأعمال وللاستثمار المباشر من عدمها، ومن حيث التصنيف وبحسب التقرير العالمي لمؤشر سهولة ممارسة الاعمال 2020 فقد جاءت نيوزيلندا على رأس القائمة متفوقة على جميع الدول وفي جميع المؤشرات (عدا مؤشرواحد وهو سهولة الحصول والربط بالكهرباء والذي جاءت فيه متوسطة الترتيب)، فيما جاءت سنغافورة وهونغ كونغ في المركزين الثاني والثالث بحكم مساحتهما الصغيرة وإنفتاحهما على العالم، وبالأخص في سرعة الربط الكهربائي، وسهولة الشروع في الاعمال، في حين جاءت الدانمارك رابعة وتفوقت على كثير من الدول في مؤشر سرعة إطلاق الاعمال،  تلتها كل من كوريا الجنوبية والولايات المتحدة ثم جورجيا والمملكة المتحدة والنرويج والسويد في المراكز من الخامس الى العاشر على الترتيب، أما واقع الدول العربية في التقرير فهو يتأرجح بين المتوسط والضعيف و بإستثاء دولة الامارات التي جاءت في مركز متقدم بين دول العالم، فحلت في المركز السادس عشر عالمياً من بين 190 دولة شملها التقرير، وبذلك تكون الامارات قد تفوقت على اغلب بلدان أوروبا وآسيا المتقدمة، بل أنها جاءت الاولى عالمياً في مؤشر الربط الكهربائي وسهولة الحصول على الكهرباء، فإن باقي الدول العربية تذبذبت في الترتيب، فحلت المغرب في المركز الثاني عربياً و 53 عالمياً، فيما حلت كل من السعودية وعُمان وقطر وتونس والكويت ومصر ولبنان وموريتانيا في المراكز من الثالث الى العاشر عربياً على التوالي،  وفي المراكز 62 و68 و 77و 78و و 83 و 114 و143 و 152 عالمياً وبالترتيب، في حين جاءت كل من الجزائر والسودان والعراق وسوريا في المراكز 157و 171و 172و 176 عالمياً، وجاءت كل من ليبيا واليمن وفنزويلا وأريتريا والصومال في المراكز الخمس الاخيرة عالمياً في مؤشر سهولة مزاولة الاعمال للعام 2020 وأحتلت المراكز بين 186 و 190 توالياً. 


وفي المقابل فإنه وبحسب تقريرمؤشرالتنافسية الاقتصادية للعام 2019 ، فقد جاءت سنغافورة في المركز الاول ولأول مرة، فيما حلت الولايات المتحدة ثانية بعد أن تصدرت مؤشرالتنافسية الاقتصادية العالمية لسنوات، في حين حلت هونغ كونغ ثالثة وهولندا رابعة وسويسرا خامسة واليابان سادسة والمانيا سابعة والسويد ثامنة وبريطانيا تاسعة والدانمارك عاشرة، وبحسب نفس التقرير فقد جاءت دول الخليج العربي متصدرةً للدول العربية، كما أنها احتلت مراكز جيدة عالمياً، فجاءت دولة الإمارات الأولى عربياً و الـ25 عالمياً، فيما أحتلت دولة قطر المركز الثاني عربياً والـ29 عالميًا، تلتها المملكة العربية السعودية في المركز الثالث عربيا والـ36 عالميا، وجاءت مملكة البحرين رابعة عربياً وفي المركز الـ 45 عالمياً، واحتلت دولة الكويت المركز الخامس عربياً والـ 46 عالمياً، ثم سلطنة عُمان في المركز السادس عربياً والـ 53 عالمياً، تلتها الأردن في المرتبة السابعة عربياً و70 عالميا، أما دول المغرب العربي وشمال افريقيا فقد جاءت متأخرة بعض الشئ في التقرير، ففي حين حلت المملكة المغربية في المركزالأول بينها واحتلت المركز 75 عالمياً وبالمناسبة فالمغرب هي الثالثة أفريقياً بعد جنوب افريقيا وموريشيوس، فإن تونس حلت في المرتبة الثانية مغاربياً و87 عالميًا، تلتها الجزائر في المركز الثالث مغاربياً والمرتبة 89 عالميًا، ثم مصر في المركز 93 عالمياً، فموريتانيا في المركز 134 عالمياً، ولم يشمل التصنيف دولة ليبيا، في حين إحتلت كل من الكونغو الديمقراطية واليمن وتشاد المراكز الثلاثة الاخيرة في التقرير.


أما فيما يخص ليبيا، فبعد أن حققت أعلى معدلات التنمية البشرية في القارة الافريقية في العام 2009، وحلولها في المركز 60 عالمياً ضمن مؤشر الدول الهشة في العام 2010 وهو مركز لابأس به، إلا أنها إنحدرت إلى قاع التراتيب في كل المؤشرات العالمية بفعل الصراعات التي مزقتها، فحلت في المركز150 من أصل 178 دولة تضمنها تقرير الدول الهشة الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي نهاية سبتمبر 2019، كما جاءت في المركز 186 من بين 190 دولة شملها تقرير مؤشر تشريعات سهولة مزاولة الاعمال للعام 2020 والصادر عن البنك الدولي خلال شهر اكتوبر 2019، في حين لم يتم ادراجها من الاساس ضمن تقرير التنافسية الاقتصادية العالمية للعام 2019، والصراعات في ليبيا ليست هي وحدها التي جعلت البلاد لاتحتل مركزاً جيداً ضمن المؤشرات العالمية المعروفة،  فالاقتصاد الليبي لاهوية له، وبالتالي فإنه حتى في حال وجود أو غياب خطة شاملة أو خارطة اقتصادية تبين المصادر الممكنة للدخل القومي وكيفية توزيعها على المستوى الوطني هي والعدم سواء، كما أن عديد التشريعات السارية المفعول بها قصور شديد، وأن هناك ضرورة لتحديثها، وبالأخص تشريعات تسهيل تدفق الاستثمار الاجنبي المباشر، وتشريعات ريادة الاعمال، ناهيك عن تجاهل دور القطاع الخاص الليبي في الاقتصاد،  بل والتخوف منه كوحش يريد إلتهام الاخضر واليابس، وإمكانية إجهازه على ماتبقى من مكونات القطاع العام المترهل أصلاً، وكل هذا ناتج أساساً من: عدم تحديد هوية الاقتصاد، والقصور في التشريعات التي أذكر منها على سبيل الذكر لا الحصر: القانون رقم 59 لسنة 2013 بشأن الحكم المحلى والذي خلط الاوراق، بل وعقد المشهد في بعض مواده وبالاخص فيما يتعلق بنقل الاختصاصات للبلديات، وكذلك القانون رقم 9 لسنة 2010 بشأن تشجيع الاستثمار ولائحته التنفيذية، ناهيك عن أن ليبيا لاتمتلك استراتيجية واضحة لمكافحة الفساد الاداري والمالي على الرغم من وجود أجسام أوكل لها مهمة القيام بهذا الدور، كما أن ليبيا لاتمتلك إستراتيجية ولاتشريع يعزز الامن السيبراني والتصدي للجرائم الالكترونية، والتي تعد أحد أهم ركائز الامن القومي، وهو ماسيزيد الطين بلة في حال إستقرار البلاد وشروعها في التنمية وإعادة الاعمار، فعندها فقط ستظهر مدى الحاجة الى هذا النوع من التشريعات، ومدى الحاجة إلى هذه الاستراتيجية المفقودة والهامة جداً.


من الملاحظ من خلال قراءة كلا التقريرين معاً وبكل تأني أن الدول التي شهدت إستقراراً أتبعته ببرامج تنمية بشرية حقيقية قد تصدرت كل التقارير والمؤشرات (الايجابية) عالمياً، بل وحافظت على مراكزها المتقدمة ولسنوات طويلة وهو مايمثل نوعاً من التنمية المستدامة، وبالتالي فهي إيجابيات ونقاط قوة تُحسب لهذه الدول، وبالاخص سنغافورة وهونغ كونغ والدانمارك، متبوعة بالولايات المتحدة واليابان، في حين أن بعض الدول تسعى جاهدة للحاق ((بركب الصدارة)) مثل كوريا الجنوبية ونيوزيلندا وبعض الدول الاوروبية مثل سويسرا وألمانيا وهولندا والنرويج، وبعض دول الخليج وبالاخص الامارات وقطر والسعودية.


د. عبدالله ونيس الترهوني 

أخصائي إقتصاديات النقل