حميد زناز 

للدفاع عن نفسها والتظاهر شكليا بعدم تضامنها مع الجهاديين، اتهمت جماعة الاخوان المسلمين في كثير من المرات الولايات المتحدة الامريكية بأنها هي التي صنعت الحركات الجهادية العنيفة في العالم العربي-الإسلامي. وبعد تجاهل طويل، جاء رد أمريكا مدويا في تقرير موثق حول أخطار الجماعة وطبيعتها العنيفة بل الإرهابية: "La menace Mondiale des frères musulmans, le Rapport du congrès américain. Ed. Global watch Analyse, Paris 2022".

لقد آن الآوان لطرح الأسئلة الحاسمة والإجابة عنها: هل يشكّل الاخوان تهديدا عالميا؟  ما مدى نجاحهم؟ ما الذي يمكن فعله للحد من هذا التهديد؟ 

لقد تمكن الإخوان المسلمون من خداع العديد من المراقبين الغربيين لأنهم يقدمون أنفسهم كناس عصريين في حين أن خطابهم مزدوج. انهم يمارسون خطابا مزدوجا، يكون مسالما عندما يوجه للسلطات والرأي العام، راديكالي عندما يتوجهون إلى أتباعهم في الدوائر المغلقة

لم يعد الإخوان المسلمون بحاجة إلى تصدير الجهاديين إلى الغرب من الدول الإسلامية اليوم، فهناك الجهاديون المحليون في أوروبا وأمريكا وجميع أنحاء العالم تقريبًا. ولدوا وترعرعوا في وتطرفوا في عين المكان. تقدر أجهزة المخابرات على سبيل المثال أكثر من 8000 شخص متطرف في فرنسا، وألف في النمسا، غالبيتهم من صنع محلي. تعصبوا بشكل مباشر أو غير مباشر من قبل جماعة الإخوان المسلمين.

دأبت جماعة الإخوان على تدريب جيل جديد من النشطاء المناهضين للعلمانية والذين يقومون بالدعوة في الغرب منذ ما لا يقل عن عقدين. في عام 2002، نظمت جماعة الإخوان المسلمين عبر "المركز الثقافي الإسلامي في إيرلندا" و "جمعية علماء الاجتماع المسلمين" في المملكة المتحدة وألمانيا مؤتمراً في بون حول موضوع "تعليم المسلمين في أوروبا". كان من بين الحضور. طارق رمضان ومحمد كرموز وأحمد جاب الله وإبراهيم الزيات بهدف "تعليم الأجيال القادمة التعبير عن رسالة وروح الإسلام في البيئة التي يعيشون فيها ... والتصدي للمناهج المدرسية العلمانية وغيرها من المناهج التي لا تتوافق مع التراث الإسلامي".

على مرأى ومسمع من الجميع، نجحت جماعة الإخوان في حقن سمها في الوعي العربي الإسلامي المعاصر، وعلى الخصوص ترسيخها لفكرتها المقدسة المتمثلة في تأسيس الدولة الإسلامية العالمية أو الخلافة. يبلغ عدد ضحايا هذا الخطاب اليوم الملايين في جميع أنحاء العالم. تدين شمولي أصبح مرضًا عقليًا مرئيًا

لقد عمل أحفاد حسن البنا والسيد قطب في السر والعلانية كل ما في وسعهم من أجل إرباك المسلم وتعقيده بترسيخ في ذهنه أنه هو سبب فشل إعادة إقامة الخلافة الإسلامية وتطبيق الشريعة وحكم الله. لقد غرسوا كرة الآخر في وعيه ولا وعيه. هذا الآخر الذي يتآمر مع حكام البلدان العربية الإسلامية ضد الإسلام والمسلمين من أجل منع الإسلام من قيادة العالم في زعمهم.   دون أن يشعر، يجد المسلم الذي مسه الخطاب الاخواني من بعيد أو من قريب مقتنعا بالأفكار الانتحارية لحسن البنا وسيد قطب وغيرهما.  تلك الأفكار التي أصبحت شبه ثقافة عامة من شدة تكرارها في كل مكان وبشكل أخطر في المدارس والجامعات ووسائل الاعلام المرئية والمكتوبة. كل مسلم تمّ تعبئته بأوهام جماعة الاخوان سيشعر بأنه مذنب كأنه هو المسؤول عن تخلف الأمة الإسلامية وضياع الخلافة

لقد أثمر عمل الإخوان الدعائي تحت غطاء العودة الى الأصول والدين الصحيح كل الحركات الجهادية الواحدة تلو الأخرى منذ حوالي نصف قرن. في كل مرحلة تفرّخ جماعة عنف تعطي لنفسها حق تحقيق مبادئ الاخوان الأساسية عن طريق الاستفزاز والتخويف والعنف وعلى سبيل المثال آخر فراخها الفظيعة: داعش.

ماذا نستطيع ان نفعل الآن؟ هل يكفي منع نشاط هذه الجماعة واعتبارها رسميا في عداد الحركات الارهابية؟

لئن كان المنع ضرورة أخلاقية وسياسية واستراتيجية، فإن العمل الميداني يجب أن ينصّب على ما خلّفته يد الجماعة من أضرار إذا أردنا حقيقة تنظيف المحيط الثقافي والحياتي عموما. ولا يكون ذلك سوى عن طريق إعادة تكوين العقول ودحض أوهام الجماعة المترسخة في كثير من الأذهان وتجنيب الأجيال القادمة شر السقوط من جديد في فخ الاخوان.  ينبغي البدء قبل كل شيء بإصلاح برامج التعليم وتكوين المعلمين في كل الاطوار تكوينا بيداغوجيا حداثيا وتنظيف الخطاب الإعلامي من قاموس الإخوان المفخّخ.