يمكن القول أن خطاب رئيس الحكومة التونسي مهدي جمعة ظهر اليوم ،الذي قدم فيه أولويات برنامج حكومته لأعضاء المجلس الوطني التأسيسي قبل منحه الثقة، بعث برسائل طمأنة الى كل الأطراف باحثا عن ترضية للجميع وليكون رجلا جامعا، وهو ما يمكن أن يبعد عن طريقه كل المطبات الممكنة .
جمعة بدا من خلال خطابه عارفا بكل مطالب وانتظارات مختلف الأطراف الوطنية ، وهو ما جعله يعد كل مجموعة بالعمل من أجل إيجاد حلول ، رغم انه  لن يكون " سوبرمان " أو صاحب معجزات لمعالجة تركة الحكومات المتعاقبة .
و المتمعن في مفاتيح الخطاب يدرك أن جمعة أراد أن يضمن انطلاقة طيبة وأن يكسب رضا الكل ويكون رجل توافق من خلال إعلان التزامه ببنود خارطة الطريق  ،التي تجمع كل الفرقاء في تونس ، والتي ارتكز عليها في ضبط أولويات
حكومته بالانطلاق بالتصدي للخطر الإرهابي والعنف والتهريب وحماية الحريات و التعهد بتقديم الجناة في قضايا الاغتيالات السياسية الى القضاء .
هذه الأولوية تضمن له الاستقرار و الطمأنينة اللذين يمثلان شرطين ضروريين لاسترجاع ثقة المستثمرين والمحليين وعودة نسق التنمية مع ما يعنيه ذلك من معالجة المؤشرات الاقتصادية السيئة والالتفات الى قضايا التشغيل ، في وقت ازدادت فيه نسب البطالة ، وخاصة في صفوف أصحاب الشهادات الجامعية ، وتعددت فيه أساليب الاحتجاج من التظاهر في الشوارع ومحاولة اقتحام مؤسسات الدولة الى بيع شهاداتهم في الأسواق ، كحركة رمزية تعرّي الوضع الصعب الذي يعيشون فيه .
رسائل الطمأنة تتجه أيضا الى الجهات المانحة التي أوقفت حنفيات الدعم والاقتراض والى أصحاب كبريات وكالات الأسفار العالمية التي قلصت من برمجة الوجهة التونسية على رحلاتها نتيجة تردي الوضع الأمني وضبابية الرؤيا السياسية .
وقد تكون أبلغ رسالة سياسية وجهها جمعة الى من رفضه ،بسبب تمسكه بوزير الداخلية لطفي بن جدو، وعده بتقديم الجناة الى المحاكمة مستندا الى تعافي المنظومة الأمنية والى النجاحات التي حققتها في مكافحة الإرهاب وتعقب الإرهابيين وإفشال مخططاتهم الإرهابية والى المساندة التي يلقاها الوزير من النقابات الأمنية .
كسب الشارع السياسي ،وأساسا الأطراف المعارضة الترويكا الحاكمة ، يتأتى من تعهده بمراجعة التعيينات التي قامت بها الحكومتان المستقيلتان في المؤسسات ذات العلاقات بالانتخابات تجذيرا لحيادها وتوفيرا لبيئة انتخابية تضمن انتخابات شفافة ونزيهة .
رسالة التطمنة الموجهة الى عموم الشعب التونسي ، إضافة الى إقرار الأمن ، تهم تحسين المقدرة الشرائية وتوجيه الدعم الى مستحقيه ، بما يمكن من الحد من  نسق ارتفاع الأسعار والتضخم .
وفي المقابل ركز رئيس الحكومة الجديد على ثقافة العمل وعلى أهمية الإنتاج في خلق الثورة وعلى إيجاد موارد مالية جديدة .
وإذا جاء جمعة مثل " بابا نوال " ليقدم لكل طرف هدية أووعدا فانه كان في المقابل صارما مع الأطراف المحبة للفوضى ولتجاوز القانون والتحريض على العنف من خلاله استعماله لعبارات مشفرة عند قوله " للثورة دولة تحميها " وهو كلام موجه للميليشيات العنيفة التي تطلق على نفسها " روابط حماية الثورة" والتي اختصت في مساندة حزبي النهضة والمؤتمر وفي إفساد أنشطة المعارضة وتهديد قادتها، والتي نصت خارطة الطريق على حلها .
فهل يكون جمعة قادرا على تنفيذ تعهداته ؟، وهل يواصل أغلب الطيف السياسي والاجتماعي دعمه ومساندته؟ وكيف ستكون ردة فعل المجتمع الدولي والمانحين لمرافقة وإسناد التجربة التونسية ليكون استثناء في دول الربيع العربي .