مصطفى حفيظ

يُرمز للغة الفرنسية في الجزائر بلغة فولتير، وتُعرف اللغة الإنجليزية بلغة شكسبير، وكلاهما لغتين أجنبيتين على الجزائريين برغم سيطرة الفرنسية لسنوات في الجزائر، في المدارس والثانويات والجامعات وفي كليات الطب والهندسة أغلب التخصصات العلمية، الإنجليزية على العكس لم يكن لها ذلك الحظّ الذي نالته لغة فولتير منذ الاستقلال عام 1962، واليوم مع قرار الرئيس الجزائري تبون ادخال الإنجليزية في مرحلة التعليم الابتدائي بدأ من الموسم الدراسي المقبل، كثر الحديث واللغط حول وجوب القضاء نهائيا على الفرنسية لارتباطها بالاستعمار والثقافة الفرنسية، لكن هل فكرنا بعقلانية قليلا ووضعنا واقعنا الثقافي واللغوي أمامنا وحاولنا تشريحها ومعرفة حقيقة اللغة التي يتكلم بها الجزائري في حياته اليومية، علما أنّ الفرنسية تُقيم في اللاوعي اللغوي اليومي للجزائري، عند الطبيب والصيدلي والميكانيكي، وفي الإدارة خصوصا، لكن أيضا عند عامة الناس، هلا فكرّنا في معقولية المشروع؟ وهل لغة شكسبير هي الحلّ لمحو الفرنسية من ثقافة الجزائريين بحكم استعمال مفرداتها وجملها يوميا ولو لا اراديا؟

إنّ الأمر أكبر من فوز لغة على لغة، أو استبدال لغة بأخرى إرضاء لسياسة ما، في النهاية، إنّ الجزائر دولة ذات سيادة وقرار رئيسها بإدخال الإنجليزية للتعليم الابتدائي قرار سيّد ورحّبت به أغلبية الشعب، مع ذلك، هناك أيضا فئات واسعة من الجزائريين من يستعملون الفرنسية سواء في مجال عملهم أو في حياتهم اليومية للتواصل بينهم، ثم إنّ الأطباء والأخصائيين والمهندسين والاداريين وهلمّ جرّا، كلهم يستعملون الفرنسية كوسيلة عمل، فهل فكّرنا في مصير هؤلاء في حال تمت إزاحة الفرنسية فجأة دون تخطيط ودراسة معقولة مبنية على أسس علمية ومنطقية؟ حتى أن بعض أساتذة اللغة الفرنسية في الطور التعليمي الأول بدأوا يقلقون فعلا على مصيرهم في حال تم ابعاد الفرنسية في هذه المرحلة التعليمية، علما أن تعليم الطفل لغتين اجنبيتين في مرحلة الابتدائي هو طريقة غير بيداغوجية تضرّ بالتحصيل العلمي للتلميذ في هذا العمر، وهذا برأي الملاحظين المختصين في القطاع. 

في الجزائر، أغلب المهللين للقرار الذي أعلن عنه الرئيس بخصوص الإنجليزية، هم من أنصار القومية العربية، وفكرة نحن عرب وأصلنا عربي، لسنا أمازيغ، وكل تلك الأيديولوجيا التي تجد مناصرين لها عند الأصوليين الاسلاموين، سواء أحزاب سياسية اخوانية، أو حتى أساتذة في قطاع التربية، من الذين يكرهون الفرنسية ليس لأنها لغة استعمار فقط، بل لأنهم يرونها لغة طبقة معينة من الجزائريين، ربما البورجوازية، التي تُتهم في غالبيتها بأنها عميلة لفرنسا وتعيش بعقلية فرنسية، أو مثقفة بثقافة فرنسية، ويظهر ذلك في نمط معيشتها اليومي، من خلال استعمال لغة فولتير كوسيلة تخاطب يومية، ويرى أنصار استبدال الإنجليزية بالفرنسية أنّ من يستعملون الفرنسية هم فقط أولئك الذي ينادون بالعلمانية في الجزائر، ويحاربون التقاليد الإسلامية والحجاب واللغة العربية، أي أن المنطلق هو خطاب كراهية وايديولوجية تغذّيها الأحزاب الاسلاموية خاصة، وما أريد قوله هنا لا علاقة له بالإنجليزية التي هي أيضا لغة أجنبية، ولغة عالمية أكيد، وهي لغة الدراسات العلمية والتكنولوجية المنشورة في أغلب المجلات العلمية المحكّمة، أمريكية وبريطانية وكندية، وأوروبية في العموم. برأيي، إنّ المشكلة في الجزائر أعمق، بحيث هناك صراع نخبوي بين المفرنسين والمعربين من جهة، وبين السياسيين أنفسهم، أي بين الأحزاب ذات التوجه الاسلاموي الاخواني والسلفي والأصولي، وبين العلمانيين الديموقراطيين التقدميين، إنها صراع شعبوي أيضا، بحيث هناك توجه عام في الجزائر يحركه الإسلاميون خصوصا، أي الانتصار للعروبة والإسلام ومحاربة الفرنسية والعلمانية وكل ما يرمز لها في الجزائر، وغالبا ما يُتهم الأمازيغ بأنهم أنصار التيار العلماني الفرنكفوني من حزب فرنسا كما يردد البعض، إذن، كما هو واضح للجميع، هناك صراع بين العرب والامازيغ من الشعب الجزائري، شاهدنا الصراع الخفي عندما ظهر على السطح أيام الحراك الشعبي (2019-2021)، ورأينا حجم الاتهامات التي وجهها أنصار التعريب في حق جزائريين أمثالهم، ذنبهم الوحيد أن أصولهم أمازيغية، ويُتهمون دوما بأنهم "زواف" وحزب فرنسا أو أبناء فرنسا، أي أن غالبية من يستعملون لغة الاستعمار هم من أتباع فرنسا، لكن هل من حق هؤلاء الرافضين للفرنسية اتهام مواطنين جزائريين في وطنيتهم؟

هناك مسألة أساسية ربما غفل عنها معظم المطالبين بتدريس اللغة الإنجليزية بدل الفرنسية، وهي أن الجزائريين في غالبيتهم يستعملون الفرنسية عن قصد أو عن غير قصد في حديثهم اليومي، في المستشفيات، في الحافلات، في المقاهي، في القطار، في أي مكان، حتى عند الميكانيكي، بل إن الميكانيكي في الجزائري ومن يتعامل معه كلهم يرددون في تعاملاتهم كلمات فرنسية متعلقة بأسماء قطع الغيار التي يستخدمها الميكانيكي في اصلاح السيارات، لعل الميكانيكي لم يكمل تعليمه ولم يصل إلى الجامعة، لكن كل قطع الغيار يعرفها وكل الأعطال في السيارة يعرفها، لكن باللغة الفرنسية، لأن الحقيقة هي أن الفرنسية دخلت في اللاوعي الشعبي للجزائري، لا يستطيع أغلب الجزائريين إن لم نقل جلّهم، أن يتخلصوا من الفرنسية في حديثهم اليومي، حتى وإن حاولوا، لا يستطيع شخص ما في الجزائر تعطلت سيارته في الطريق بسبب عطب ما إلا إن قال :" راني طحت أومبان" أي واجهت عطلا ما في المحرك أو في أي مكان آخر في السيارة، وكلمة "أومبان" هي كلمة فرنسية (En panne)، ثم يذهب عن الميكانيكي، يفحصها هذا الأخير وقد يقول: "عندك مشكل في "جوانكيلاس"، وطبعا الزبون يفهمها مباشرة ويعرف معناها دون الحاجة إلى ترجمتها، لأنها أصبحت كلمة دارجة في اللغة اليومية، لذلك صعب أن تقضي على الفرنسية في الجزائر بمجرد ادراجها في التعليم الابتدائي، لأن المشكل أعمق، فهل هناك إمكانية للتخلص من الفرنسية في لغتنا العامية الدارجة؟