مصطفى حفيظ

بات العالم اليوم مجموعة تكتلات وأقطاب، فهناك مجموعة الثمانية، ومجموعة العشرين، وما إلى ذلك من العصب التي لها معنى واحد وهو الاتحاد من أجل مواجهة القطب الآخر المنافس أو حتى "العدو" إن كان يعني مثلا الغرب في مواجهة روسيا والصين، إذن، وفي خضم الصراع الذي يشهده العالم منذ إعلان روسيا الحرب على أوكرانيا، ووقوف الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة ضدها وضدّ كل من يتحالف معها، صار واضحا أن الأمور تسير نحو تعميق الهوة بين الشرق والغرب، تماما مثلما كان الأمر أيام الحرب الباردة والثنائية القطبية، وسط كل هذا كانت الجزائر قد أعلنت استعدادها للانضمام إلى التكتل الاقتصادي المسمى "بريكس"، بقيادة روسيا والصين، أبرز المنافسين للولايات المتحدة، فهل ستتمكن الجزائر من التكتل الاقتصادي مع جناح تنظر إليه واشنطن بعين الريبة؟

بغضّ النظر عن مدى جاهزية الاقتصاد الجزائري لمواكبة مستوى اقتصاد بلدان مجموعة "بريكس" التي تضم خمسة دول هي: الصين، روسيا، البرازيل، جنوب أفريقيا والهند، هل اقتربت الجزائر فعلا للانضمام إلى هذا التكتل الذي أصبح اليوم يشكّل تحديا حقيقيا للغرب؟ فأن تنضم إلى مجموعة فيها روسيا والصين، في هذا الظرف بالذات، هو في ذاته تحدّ لعالم تكاد تسيطر عليه الثنائية القطبية، تماما مثلما كان أيام الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي (روسيا الاتحادية حاليا) والولايات المتحدة، وليس هذا فقط، بل إن رغبة السلطة الحالية في الجزائر لدخول مجموعة اقتصادية قوية مثل "البريكس" تمليه شروط المرحلة التي تعيشها الجزائر والمنطقة المغاربية والعربية، ثم إنّ الظروف العالمية اليوم تؤكد مدى جدّية البحث عن بدائل اقتصادية غير تقليدية، إذا ما اعتبرنا الشراكة الجزائرية مع الاتحاد الأوروبي نوعا من هذه الشراكة التقليدية، أي أن الحقيقة وراء نية الجزائر دخول البريكس، هو البحث عن شراكة لا خاسر فيها، وهي "فرصة تاريخية لا ينبغي تفويتها، لتكون جزءًا من البلدان المستمعة والمزدهرة، الملتزمة بطريق السلام والتنمية" على حدّ قول الرئيس تبون، ويبدو واضحا منذ السنوات الأخيرة، كيف أن الجزائر نوّعت من شراكتها في مجالات اقتصادية عديدة أهمها الطاقة، الصناعة، التجارة وغيرها، ورأينا كيف تقلصت الاستثمارات الفرنسية على وجه الخصوص، بينما ازدادت حجم الاستثمارات الصينية، التركية والروسية في مجالات عدّة، فهل يعني ذلك أنها مهّدت الطريق فعلا لتغيير وجهة علاقاتها الاقتصادية الخارجية.

لم تعلن الجزائر عن أي تفاصيل بخصوص مفاوضات تجريها مع المجموعة، لكن المعطيات المتوفرة تؤكد بأن هناك ثلاث بلدان تستعد لدخول هذا التكتل الاقتصادي وهي إيران، الأرجنتين، والجزائر، حيث أبدت كل هذه الدول اهتماما بالتجربة الناجحة لهذا التكتل، حتى أن الرئيس الجزائري شارك عبر الفيديو في أشغال قمّة المجموعة التي انعقدت نهاية يونيو الماضي، وهناك كان دعا إلى ضرورة نحو "إقامة نظام اقتصادي جديد يضمن التكافؤ والمساواة بين مختلف الدول"، وفي لقاء دوري بالصحافة الوطنية، أعلن تبون شهر أوت عن استعداد الجزائر لدخول هذه المنظمة، على اعتبار أنها قوة اقتصادية وسياسية، وفي نظر تبون، الانضمام لهكذا تكتل من شأنه ابعاد البلاد عن تجاذبات الثنائية القطبية، ويبدو أن السلطة الجزائرية تنظر للأمر بشكل جدّي، لأن الرئيس جدد اهتمام الجزائر بالانضمام لهذه المجموعة وأمر الحكومة والولاة والمسؤولين للعمل على تحسين الاقتصاد الجزائري خارج المحروقات لرفع الإيرادات إلى 7 مليارات دولار، أي رفع حجم الصادرات لتحسين الناتج المحلي الإجمالي، وفي كل الأحوال، قد لا تتأخر الجزائر عن إعلان انضمامها للمجموعة، بحكم علاقاتها بالدول المشكلة لها، خاصة روسيا والصين، بالنظر لحجم الاستثمارات الصينية أو الروسية في الجزائر، ناهيك عن المواقف السياسية والعلاقات التاريخية التي تجعل الجزائر بلدا مرحب به بالرغم من عدم مواكب اقتصاده للمعايير العالمية.

في حال انضمامها فعلا لهذه المنظمة، ستستفيد الجزائر دون شكّ من الخبرة التي تتمتع بها هذه البلدان، مع انضمام دول أخرى، فضلا عن كون الجزائر شريك لا يستهان به من حيث توفره على إمكانيات طاقوية ومعدنية هائلة، وبدأ ينفتح على "عالم الشرق" بعدما قضى عقودا من الارتباط بالشراكة مع أوروبا، ولا داع للقول إنّ هذه الشراكة جعلت الجزائر سوقا للبضائع الفرنسية والأوروبية، ولم تكن يوما نقل الخبرة والتكنولوجيا إلى البلاد، ربما كان فساد النظام والمسؤولين السبب في تعطل دخول الجزائر لمثل هذه التكتلات الاقتصادية التي لا تقوم على الاملاءات الخارجية، وربما ستفيد الجزائر المجموعة بالمواد الأولية والطاقة في المقام الأول، ثم إن البريكس تسعى إلى التعامل بالعملات الوطنية بدل الدولار، تماما مثلما فعل بوتين مع أوروبا عندما فرض عليها التعامل بالروبل بدلا من الدولار.

منذ أيام، رأينا كيف نالت الجزائر ثناء من روسيا وأمريكا نتيجة سياستها الخارجية المبنية على الحياد وصناعة السلام، واليوم، ربما بانضمامها إلى بريكس، تريد أن تسمع صوتها أكثر وتأخذ مكانها في الخريطة السياسية والاقتصادية العالمية، كقوة إقليمية، سياسية، واقتصادية، ولعل احتلالها للمراتب الأولى في خانة الدول المنتجة والمصدرة للغاز والنفط، يتيح لها مكانة أكبر وسط عالم كثرت فيه التكتلات، ويتجه شيئا فشيئا لمزيد من القطبية، لعل الصراع الروسي مع الغرب الذي يدعم أوكرانيا هو إحدى أوجه هذه القطبية، ولأن بريكس تضم روسيا والصين، فستكون عين الغرب على الدول التي ستنضم إلى هذه المجموعة، خاصة إيران والجزائر، هل سترى الولايات المتحدة الجزائر كما ترى ايران؟ ثم، ألا يعني انضمام الجزائر إلى تكتل فيه روسيا اعلان عداوة بشكل ما؟ وهل ستنال الجزائر مزيدا من القوة والسمعة والتأثير بدخولها هذه المجموعة؟