يواجه الرئيس القادم مهمات صعبة وتحديات ضخمة‏,‏ تحتاج إلي حكمة وحنكة ورؤية شاملة للأوضاع في مصر‏;‏ خاصة في هذا التوقيت‏;‏ أي بعد موجتين ثوريتين‏,‏ وإسقاط نظامين في غضون ثلاثة أعوام‏

وبالتأكيد فإن هذه المهمات التي تنتظر الرئيس المقبل لن تحل بين عشية وضحاها; لأنها نتاج تراكم طويل من الإهمال والإرجاء والفساد والانحياز للقادرين والأغنياء, وإنما يحتاج الأمر إلي الصدق في المواجهة أكثر من أي شئ آخر, كما يحتاج إلي المصارحة والمكاشفة والشفافية حول حقيقة هذه الأوضاع, وكيفية معالجتها وفق برنامج ورؤية, يلمس فيها المواطنون الصدق والموضوعية, ويتأكدون من حسن النوايا وطيب الدوافع.

في مقدمة هذه المهام التي تنتظر الرئيس القادم تجئ مهمة الوصل والتواصل بين ثورة25 يناير عام2011 وثورة30 يونيو عام2013, واعتبار الثانية امتدادا وتصحيحا للأولي, وتزكية واستعادة لأهدافها الحقيقية في الدولة المدنية الديمقراطية والعيش والحرية, وذلك كبديل لحملات ومحاولات الفصل بين مساري هاتين الموجتين الثوريتين, والمفاضلة بينهما, تلك المفاضلة التي تنتهي إلي تشويه الموجه الثورية الأولي في25 يناير عام2011, وتزكية الموجه الثورية الثانية في30 يونيو عام2013, ومحاولة تصوير بعض شباب الموجة الأولي للثورة بأنهم عملاء ومتآمرون, دون أدلة دامغة ووقائع مادية ملموسة, واستباق نتائج أي تحقيق بهذا الشأن, علي الرئيس القادم أن يؤكد أن محاولة الفصل بين مساري هاتين الموجتين الثوريتين ليست سوي تزكية لتركيبة المصالح الاقتصادية والاجتماعية التي قام عليها نظام مبارك الأسبق, ومثلت قاعدته الاجتماعية والاقتصادية والتي أفضي تمسكه بها. إلي انهيار نظامه وانكشافه السريع أمام جموع المصريين.
أما ثانية هذه المهمات التي تنتظر الرئيس القادم فهي تحقيق أهداف الثورة التي تمثلت في الكلمات الثلاث عيش ـ حرية ـ عدالة اجتماعية, فبعد هذه السنوات الثلاث لا تزال هذه الأهداف عالقة في أدراج البيروقراطية المصرية, وما تحقق منها لا يري بالعين المجردة, والتحالف القائم بين رجال الأعمال والبيروقراطية والرأسمالية الطفيلية لا يزال متمسكا بامتيازاته التي تمتع بها طوال هذه العقود ويرفض الإصلاح الحقيقي والضروري للتقدم إلي الأمام.
أما ثالثة هذه المهمات علي عاتق الرئيس القادم فهي مهمة نوعية لأنها تتعلق بالمضمون والمحتوي الديمقراطي للثورة المصرية بموجتيها, ألا وهي تحقيق التوازن بين مقتضيات تحقيق الأمن في ظل الإرهاب, وبين احترام الحقوق والحريات العامة للمواطنين في التعبير السلمي بكل الوسائل المعروفة, ذلك أن الدولة القوية ليست هي الدولة التي تخرق القوانين وتنتهك الحريات, بل هي الدولة التي تقيم الأمن وتحقق الوظيفة الحمائية للمواطنين, دون التغول علي حرياتهم وحقوقهم, وتحرص علي تطبيق مقتضي القانون وروح النصوص الدستورية في جميع اللحظات, بل وتلجأ لتعويض من أضرت به إجراءات مكافحة الإرهاب والعنف وجبر الضرر الذي يقع عليه.
ذلك التوازن بين مقتضيات تحقيق الأمن واحترام الحقوق والحريات وتجنب العقاب الجماعي, لن يتحقق دون وضع حد للتجاوزات الأمنية, وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية بما يتوافق مع تحقيق هذا التوازن الدقيق.
علي الرئيس المقبل الالتزام بنص وروح الدستور المعدل الذي صوت عليه المصريون بنعم بنسبة عالية, وأن يتحري الدقة في التشريعات التي يصدرها في غياب البرلمان; بحيث تتواءم وتتوافق مع روح وجوهر المواد الدستورية وأن يلتزم بصلاحياته التي قررها الدستور, وأهمية ذلك أن الرئيس سيكون بمثابة القدوة لأجهزة وسلطات الدولة المختلفة في الالتزام بنصوص وروح الدستور, وإذا ما تجاوز الرئيس نصوص الدستور فسوف يكون ذلك بمثابة ترخيص لسلطات الدولة بممارسة هذا التجاوز.
في إطار الظروف الراهنة فإن الرئيس المقبل عليه أن يظهر كل الحقائق في تلك الجرائم المتعلقة بقتل الثوار والمتظاهرين في25 يناير, وما بعدها من أحداث, وأن يأمر بإجراء تحقيقات مستقلة ونزيهة حول هذه الجرائم, تفضي إلي تقديم مرتكبيها إلي العدالة, وتتمثل أهمية هذا الأمر في أن المصريين في مجملهم لن يهدأ لهم بال, طالما لم يعرفوا هوية من قتل أبناءهم من المتظاهرين, وأن تجري لمن ارتكب هذا الجرم المحاكمة اللازمة والعادلة.
علي الرئيس المقبل أن يقترح إصدار التشريعات اللازمة لتحقيق مطالب العدالة الانتقالية في جميع الجرائم التي ارتكبت في عهد نظامي مبارك ومرسي وما بعد مرسي, إن هذه العدالة الانتقالية تكفل الاستقرار والاطمئنان لذوي الضحايا وللمواطنين كافة وأن تتأسس هذه العدالة علي المصارحة والمكاشفة والدلائل والوقائع الضرورية لإصدار أحكام الإدانة أو البراءة.
وأخيرا وليس آخرا فإن الرئيس المقبل مطالب بالانحياز لفقراء هذا الوطن وكادحيه, أولئك الذين عانوا من انحياز من سبقوه إلي الأغنياء وذوي النفوذ والجاه, ولاقي الفقراء وفي عهودهم تهميشا متزايدا; ولن يتأتي ذلك إلا عبر إقامة تحالف واسع برعاية الرئيس من الطبقات والفئات الشعبية والطبقة الوسطي, وتلك الفئات الأخري التي كانت مفجرة للثورات وموجاتها المتعاقبة.
هذه بعض البنود التي أراها ضرورية في برنامج الرئيس المقبل والتي لابد من أن تكون مضمنة صراحة في هذا البرنامج, والتي تحظي بالتراضي العام, ومن البديهي أن الرئيس المقبل سوف يستعين بكفاءات متخصصة لوضع وصياغة برنامجه وما قلناه ليس سوي اجتهاد لا يرقي لمستوي الجهد الجماعي الذي سيتكفل بإخراج البرنامج الرئاسي.

 

صحيفة الاهرام المصرية