حميد زناز

"القومية العربية المتطرفة و الاسلام السياسي : منتجا الحداثة المتناقضان" . في الحقيقة هو كتاب صادر بالانجليزية ، عن مطبوعات جامعة جورج تاون الامريكية  و باللغة الفرنسية في الجزائر عن دار البرزخ في نهاية 2017. وهو ملخص مكثف للدروس التي ألقاها البروفيسور الجزائري الهواري عدي بقسم العلوم السياسة بجامعة ليون الفرنسية حول "الانظمة السياسة في العالم العربي".

في 286 صفحة يحاول الكاتب أن يقدم للقارئ إضاءة عن الديناميكيات السوسو- إيديولوجية المتناقضة التي تعتمل في قلب المجتمعات العربية التي تعيش تحديثا مرغوبا فيه و مرفوضا في آن معا. فمنذ منتصف القرن العشرين، يكتب عالم الاجتماع، والبلدان العربية تنتظر التغيير الذي يأتي بالتقدم والأمن. وعد القوميون بتحقيق ذلك الحلم، واليوم ينبري الاسلاميون لتحقيقه بعدما فشل الاولون. ويرجع فشل المد القومي في الوطن العربي حسبه إلى 3 عوامل: منهج اقتصادي فاشل، عدم استقلالية القضاء والنقابات، تخلف ثقافي وعلمي.

ويشرّح الفشل الذي عرفته تجربة جمال عبد الناصر وهواري بومدين وحافظ الاسد وغيرها من الانظمة القومية، فيرى انها حاربت التحديات السياسية والجغرافية والعالمية بسلاح الخطاب الشعبوي والريعي وليس بالاستناد إلى منطق نظام الاسعار الدولي الذي كانت تجهله. وحالت كاريزما الزعيم دون تشكّل مجتمع مدني قادر على تطوير المجتمع المتخلف. كانوا يمنون الشعوب العربية باللحاق بالغرب دون أن يقدروا المسافة التي تفصل العرب والشمال إفريقيين بالغرب ودون أن يدركوا أن تأخر بلداننا ليس تكنولوجيا وعسكريا فقط بل هو تأخر فكري فلسفي في المقام الاول. عدم إعطاء أهمية للإصلاح الديني والفلسفة والمجتمع المدني هو الذي أدي الى فشل القوميين الذريع.

"لقد انتهجت النخبة العسكرية مسعى اقتصادويا دون أخذ بعين الاعتبار تخلفنا الثقافي والحضاري، يكتب الهواري عدي، فنحن ننتمي إلى ثقافة وحضارة في أفول وانحدار منذ القرن الثاني عشر ولا زال اللاهوت الاسلامي لاهوت الاشعري وأبي حامد الغزالي. وتلك الكوابح الايديولوجية لا يمكن لا لبومدين ولا لعبد الناصر رؤيتها وهضمها."

 وانطلاقا من هذا، يشدد صاحب الكتاب على ضرورة الاصلاح الديني واللاهوتي ويدعو إلى إعادة قراءة معاصرة للنص الديني الاسلامي تكون متوافقة مع العصر. وذلك لقطع الطريق أمام الاسلام السياسي والذي هو تعبير عن فقر فكري منحدر من لاهوت القرون الوسطى والرافع لمطالب عصرية. 

لو تمكنا من تجاوز تلك العوائق الايديولوجية، يضيف الباحث الجزائري، وطورنا لاهوتا حديثا يقبل بحرية الضمير لكان هذا التحديث قد اوتي ثماره. ويبقى عالم الاجتماع متفائلا إذ يعتقد أن اللاهوت أو الفقه الاسلامي سيعرف انفتاحا كبيرا في السنوات القادمة مع ظهور نخبة جديدة من علماء الازهر المثقفين الذين سيعوضون جهلة الأزهر الحاليين الذين لا يفقهون شيئا في علم التاريخ والاقتصاد وعلم الاجتماع وغيرها من العلوم الاساسية في فهم الدين.ولن يكون الفقهاء الجدد ضحايا الاقصاء أو التصفية الجسدية كأسلافهم مثل الجزائري محمد أركون الذي عاش منفيا بفرنسا والسوداني محمد محمود طه المقتول والسوري محمد شحرور الذي تشفى البعض برحيله أخيرا.

 في الكتاب تحليل تاريخي وسوسيولوجي وانتروبولوجي عميق للأنظمة القومية العربية والجماعات الاسلامية إلا أن الفكرة التي تثير الكثير من التساؤلات هي فكرة " التراجع المثمر" التي ينهي بها كتابه والتي مفادها أن وصول الاسلاميين إلى الحكم ضروري لتبيين ضعفهم ومثاليتهم. فهو يري أن الجيش الجزائري حينما منع جبهة الانقاذ الاسلامية من الوصول الى الحكم سنة 1992 والجيش المصري بقيادة عبد الفتاح السيسي الذي انقلب على حكم الاخوان ومحمد مرسي قد حرما المصريين والجزائريين من نعمة "التقهقر المثمر" إذ كانت فرصة متاحة لهما لتجريب حكم الاسلاميين والوقوف على فشلهم ومن ثمة فضحهم وطردهم نهائيا من المشهد السياسي بدل من تركهم والعسكر يقتسمون الساحة: الدولة والثروات للعسكر والمجتمع والآمال الطوباوية للإسلاميين. 

 ولكن ما يغيب عن فطنة الدكتور الهواري عدي هو ذلك الدمار الفكري الإجرامي الذي ارتكبه الأصوليون وعلى رأسهم الاخوان في المجتمعات ذات الأغلبية الإسلامية إذ لم تصبح أفكارهم هي الغالبة سياسيا فحسب بل غدت ثقافة عامة إلى درجة قد تتقبل فيها الجموع المخدرة دينيا فشل الإسلاميين على رأس الدولة و ترفض نجاح العلمانيين.