عندما يذهب المتتبع المهتم  بالشأن الليبي,  في اتجاه البحث عن الداعي لانعقاد المؤتمر الجامع . الذى  سيضم شرائح ومكونات مجتمعية ليبية .  اُخْتيرت من طرف الهيئة الاممية المهتمة بمعالجة الشأن الليبي .  يصل الى ان مضمون الملتقى لا يتخطى . استنطاق الليبيين عن التأزم الذى يعصف ببلادهم , وعن الكيفية العملية لتخطيه وتجاوزه  . 

       لقد حدث هذا من قبل . من طرف هذه الهيئة  ,   في زمن سابق . عند الارهاصات المبكّرة لتخلّق الدولة والكيان . التى جاءت بالاستقلال والاعلان عن ولادة دولة ليبيا الى دنيا الواقع  . لقد تَم حينها استنطاق الليبيين ميدانيا . عبر التقاهم في المدن والقرى والارياف . ولكنّه  - في تقدرى -   كان استنطاق مبثورا  . لا عن قصور او تقصير من الهيئة الاممية وبعثتها  . بل للضرف الاستثنائي الذى جاء فيها هذا الكيان الى دنيا الواقع . فقد كانت البيئة الحاضنة لتلك الارهاصات  تعانى ندرة في الموارد الطبيعية والكفاءات البشرية . التى يحتاجها هذا الكيان الجديد . للنهوض بإدارة شأنه العام  .

        وها هى الهيئة الاممية . وبفعل انتفاضة الليبيين مع نهاية 2011م وتداعياتها  . تعاود الى جغرافية الكيان الليبيى .  بعد اكثر من ستة عقود من ولادته  .  وتتعرّف هذه الهيئة وعن قرب . من خلال تماسها وتفاعلها معه  . على الواقع الجديد . الذى صار اليه هذا الكيان . بعدما تخطى  الضرف الاستثنائي الصعب . الذى احتواه  لحظة  ظهوره وانبعاثه على الخريطة الدولية كمفردة من مفرداتها . مع بداية خمسينات القرن الماضى . 

         فقد صارت للكيان الليبيى  موارد طبيعية كافية .  تمكّنه  من تخطى مرحلة الدول النامية . الى مرحلة متقدمة . وهو يطالب  من خلال انتفاضه ويسعى نحو تأسيس ادارة راشدة . ليتمكن بها من توظيف موارده هذه . بما يعود عليه بالنمو والتطور والنهوض .  ويأمل ويرغب ان يكون هذا . على يد  كفاءاته البشرية المحلية . وقد صار يعي ويعرف ايضا . بانه يتموّضع على   جغرافية  . تحتل موقع جيد ومهم على الضفة الجنوبية للمتوسط  .  وسيسعى   الا  يجعل من هذا التموّقع  شوكة  . في  خاصرة من يحتل الضفة الشمالية  لذات الحوض . بل سيعمل على توظيفه بما يعود علية والاقليم والحوض بالخير والنماء . 

  كنت احاول ان اقول من خلال ما تقدم . بان الهيئة الاممية  قد تمكنت وبدون شك . ومن استنطاق الواقع الليبي على نحو عملى . من خلال  تنقّلاتها داخل جغرافيته . ومعايشتها لواقعه ووقائعه عبر ايام وشهور وسنين . ربما يؤكد ذلك , وعلى نحو فاقع . ما جاء على لسان مندوب هذه الهيئة . في واحدة من مطالعاته للشأن الليبيى امام مندوبي الامم المتحدة في مقره العتيد .  عندما قال  :- بان اموال الليبيين لا تسرق بل تنهب نهبا . 

  كنت احاول ان اصل بالقول , من خلال التناول السابق . بان الكيان الليبي قد تخطى الظروف القاسية . للبيئة الحاضنة التي احتوته لحظة انبعاثه  ككيان دولة على دنيا الواقع  . ومن هنا . قد يكون من الواجب ان تتعاطى معه الهيئة الاممية  على نحو مختلف . عن الذى كان مند العقود الست الماضية . وبقول اخر بان الكيان الليبي . قد تخطى ظروف نشأته الصعبة . التي - في تقديرى – فرضت على الهيئة حينها . مقاربة مطالبة الليبيين بالاستقلال في مقاربة مبثوره . بمعنى ان مقاربتها حينها ذهبت الى استنطاق الثابت السكاني (الديمغرافي) فقط . واستبعدت الثابتين الاخريين . الثابت الجغرافي والثابت الثقافي .  اللائي من مجملهم تتكون ليبيا الدولة . 

     فاستنطاق الثابت الجغرافى للدولة . لا يقل اهمية عن استنطاق الثابت الديمغرافي (السكاني) . فمن خلال استنطاق الثابت الجغرافي . تتمكن الدولة من تحسس ذاتها جغراقيا . تتعرف بهذا على الاقليم .  الذى يضمّها كمفردة من مفرداته الجغرافية  . فتذهب نحو ترسيخ وتجّدير كيانها  على نحو إيجابي وبنا بداخله . ومن خلال هذا الاستنطاق ايضا . تتعرف الدولة على واين مجالها الحيوي . الذى من خلال  التعاطي الإيجابي المميز والبنا معه . تتمكن من  اسّتدراج  الامن والاستقرار القاري والدائم  الى داخل كيانها . والى داخل فضاءها الاقليمى ايضا .  و تزيد بذلك ايضا . في رقّعة ومساحة السلّم  والاستقرار العالميين . وتبتعد  كليا عن قلاقل وهزّات . حالات الامن والاستقرار الظرفيين الانييين  . الناتج عن تجاهل النقاط الحيوية السالفة الذكر .  وما الذى نعانيه في ليبيا  في وقتنا هذا .  الا نتجه لكل  لذلك 

   وباستنطاق الثابت الثقافى بعد دمّجه بالديمغرافى والجغرافى  .  تتمكن الدولة ومن خلال قراءة هذه التوّليفة . التعرّف على الفضاء الذى تشدّها وشائجها الطبيعية اليه . فتجعل منه وتعامله بمرتبة (الجار ذو القربى) . ويتراجع الاخرين وما سواه الى مراتب الجار الجنب والصاحب بالجنب الخ .

     وتمت جانب اخر . يجب الالتفات اليه  وعدم اغفاله . فالملاحظ حرص الجميع على تنصيص ودسترة نتائج استنطاق الثابت الديمغرافى (السكانى) فقط . والتغافل عن  نتائج استنطاق الثابتين الثقافى والجغرافى . وهذا - في تقديرى - يحمل في طياته اضرار كبيرة للدولة . سيتحمل عاقبته كل مواطنيها . وسيطال ذلك الضرر وينعكس على جانب استقرار الدولة وامنها . وهما اسّ وحامل كل بناء ونهوض وتقدم . وبقول اخر . ان عدم الالتفات الى الثابتيين الثقافى والجغرافى بالقدر الذى يناله الثابت الديمغرافى  . فيه ضرب ونسف لكل ما هو مأمول في دولة مستقلة وآمنة . وهو بوجه اخر خطوة في اتجاه . اعادة لإنتاج الماضي البغيض. وإن بوجوه وسِحن وتوّليفات جديدة  . 

    ولهذا ولأهمية الثقافى والجغرافى  يجب  - في تقديرى -  ان يتعاطى الجميع مع نتائج استنطاقهما  . بقدر عالى من المسؤولية . ويجب اضفاء علي نتائج استنطاقهما صبّغة الزامية . من خلال التنّصيص عليهما ايضا دستوريا .   

  ان كل ما تناولته في هذا الطرح - في تقديرى – يخدم ويؤسس لدولة ليبية مستقلة واعدة . ويرفع من منسوب التعاون الايجابى البناء والاستقرار داخل اقليمها الجغرافى . ويزيد في رقّعة ومساحة التعاون  والسلم العالميين . ويخدم ولا يتعارض مع توجهات الهيئة الاممية في مبادئها.  وفى المقابل ايضا . ان كل توجّه  يخالف ذلك . ويتغافل عن نتائج استنطاق الثقافى والجغرافى  . ولا يذهب في اتجاه التنصيص عليه ودسّترته  . هو توجّه يعمل على توظيف المظلة الاممية .في اعادة انتاج الماضى . الذى يتعارض مع مصلحة ليبيا والليبيين . ولا يخدم الاستقرار والسلم بالإقليم وحوض المتوسط   . ولا ينسجم مع توجهات الهيئة الاممية   .

       وهذا - في تقديرى -  ليس بغائب وخافي عن الهيئة الاممية  في بعثتها بليبيا  . والمعرفة حِمل ومسؤولية . فاذا لم تستطع الهيئة الاممية على التعاطى معه على نحو يتوافق ولا يتعارض مع مبادئها . فيكون حينها . ومن الجيد للهيئة الاممية  الاعتذار عن المهمة المكلفة بها , ومغادرة ليبيا . بدل من القبول بتطوعها وترويضها في جعل مضلتها الاممية . غطاء يمرر من تحته ما قد يتعارض في مجمله مع مبادئها وتوجهاتها .  

      

الاراء المنشورة ملزمة للكاتب و لا تعبر عن سياسة البوابة