مصطفى حفيظ

يبدو أنّ الغرور سيطر على خطاب "إخوان الجزائر" لدرجة أنهم باتوا يحلمون بتشكيل وقيادة الحكومة الجزائرية بعد انتخابات البرلمان التي ستجري السبت 12 يونيو/حزيران، فتصريحات الرئيس الجزائري الأخيرة بخصوص عدم انزعاج السلطة من مشاركتهم في الحكم، مستندا إلى النموذج الناجح للإسلاميين في تونس وتركيا، كانت بمثابة ضمانات قوّية منه للأحزاب ذات الخلفية الإسلامية في الجزائر كحركتيّ حمس والبناء الوطني. فهل ستتعامل معهم السلطة على أساس قوّة سياسية جديرة بالشراكة في الحكم؟ أم أن انفتاحها على "الإسلاميين" له أبعاد أخرى تتعلق بانفتاح الجزائر على محور الشرق والبحث عن شراكة جديدة مع تركيا مثلا؟

 إنّ الشيء المؤكد وإن أضمره قادة أحزاب "الإسلام السياسي" في الجزائر، هو أنّهم يحلمون بتكرار تجربة حركة النهضة في تونس وجماعة الاخوان المسلمين في مصر، أي حصد الأغلبية في البرلمان ومنه تشكيل الحكومة وقيادتها، بالرغم من عدم امتلاكهم لتلك الشعبية التي لدى أخوان مصر وتونس. ربما ما سيفسح لهم المجال للفوز هو أولا: ضعف المنافسة السياسية من الأحزاب المشاركة، خاصة حزبيّ السلطة في عهدات الرئيس الأسبق بوتفليقة، وهما حزب جبهة التحرير الوطني والتجمّع الوطني الديموقراطي، الذين يوجدان في موقف حرج لارتباطهما بالرئيس السابق (بوتفليقة)، مع ذلك لا يمكن التقليل من شأنهما بما أنّهما يملكان وعاء انتخابيا كبيرا، ثانيا: قلة خبرة مترشحي القوائم الحرّة وتفرّق أنصارهم، أي صعوبة إيجاد وعاء انتهابي منضبط عكس ما هو معروف على مناضلي الأحزاب الإسلامية (حمس بالأخص) الذين يلتزمون بالانضباط في هكذا مواعيد، لذلك إن فاز الإسلاميون في هذه الانتخابات فالسبب الأول هو انضباط أنصارهم، ثالثا: قد تساهم مقاطعة الأحزاب الديموقراطية العلمانية لهذه الانتخابات في تعزيز فرص فوز الإسلاميين، فجبهة القوى الاشتراكية مثلا، وهي أعتى حزب ديموقراطي معارض في الجزائر، ومعها التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية وحزب العمال والحركة الديموقراطية والاجتماعية، أعلنت المقاطعة ولها أنصار ومناضلين في منطقة القبائل بالأخص والعاصمة، وغياب كل هذه التشكيلات العلمانية الشيوعية الخلفية سيكون في صالح الأحزاب الإسلامية، لأن العزوف سيخدمها من باب أن وعاءها الانتخابي سيكفيها في حال سُجلت نسب مقاطعة كبيرة في هذه الانتخابات.

إنّ ما يؤكد بأن الإسلاميين سينالون حصّتهم من "كعكعة" البرلمان المقبل، هو تصريحات الرئيس تبّون لوسيلة اعلام فرنسية يسارية مؤخرا (Le Point) بخصوص الإسلام السياسي ومستقبله في الجزائر، فهو يرفض بشكل قاطع عودة الأيديولوجية الإسلامية للحياة السياسية، وكان يقصد بها "الجبهة الإسلامية للإنقاذ-الفيس المحل"، لكنّه عاد واستثنى من ذلك الإسلام السياسي إن كان لا يخالف مبادئ الجمهورية، منوّها بالتجربة التركية والتونسية في ذلك، مما أعطى الانطباع بأنّ الرئاسة لا تمانع في العمل مع أحزاب الإسلام السياسي في الجزائر، وكانت هذه التصريحات بمثابة ضمانات لهذه الأحزاب للتحرّك من أجل لعب دورها بعد الانتخابات ما دام الرئيس فتح لهم الباب للمشاركة في الحكم، وفي غضون ذلك، أبدت قيادات حركات حمس، البناء الوطني، النهضة، الإصلاح، وجبهة العدالة والتنمية، من خلال خطابها في الحملة الانتخابية أنها واثقة من الفوز مما يعطي الانطباع بأنّ حظوظ التيار الإسلامي في البرلمان المقبل ستكون قوّية وإمكانية مشاركتها في الحكومة كبيرة مادامت تسدّ الفراغ الذي تركته أحزاب السلطة "الأفالان والأرندي" وأحزاب اليسار الديموقراطية "الأفافاس والأرسيدي". 

 لكن، هل سيكون الإسلاميون شركاء في الحكم فعلا بعد الانتخابات؟ 

يبدو أن معطيات الواقع تشير بأن أحزاب الإسلام السياسي الأوفر حظّا في هذه الانتخابات، هل ستحصد الأغلبية أم لا، ذلك أمرٌ لا يمكن التكّهن به مسبقا، لكن بالنظر لهوية الأحزاب المشاركة في هذا الاستحقاق، يكون فوز الإسلاميين أمرٌ ممكن الحدوث، فهم برغم أنهم دخلوا متفرقين هذه المرّة على عكس المرّات السابقة (انتخابات 2017)، ظهروا أكثر قوّة واصرارا من ذي قبل، كأنما ضمنوا الفوز قبل الأوان، ويظهر ذلك من خلال خطاب قيادات حركتي حمس (عبد الرزاق مقري) وحركة البناء (عبد القادر بن قرينة)، حيث تحدّثا في أكثر من مناسبة خلال الحملة الانتخابية عن الفوز بهذه الانتخابات وعن إمكانية حصدهم لأغلبية مريحة تضمن لهم تشكيل الحكومة، أو في تصريحات أخرى، المشاركة في الحكومة بقوّة، طبعا يبقى هذا مجرّد خطاب سياسي لإثارة حماسة الأنصار وممارسة الحرب النفسية على الأحزاب والقوائم الحرّة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالتهجّم على أحزاب وُصفت بالفاسدة وأنها جزء من العصابة ( نظام بوتفليقة السابق)، أو التقليل من شأن منطقة القبائل وتأثير مقاطعتها للانتخابات، ومن بين ما قاله بن قرينة مثلا "هدف حركة البناء هو تشكيل حكومة ائتلافية تشارك فيها جميع القوى ..." وبرغم إعلانه بأنّ حزبه لا يطمح في قيادة الحكومة، قال أنّه يفضّل العمل من أجل حل الأزمة تحت اشراف رئيس الجمهورية، وهذا يعني أنّ حركة البناء تدعم بشكل كامل سياسة الرئيس، ونفس الشيء بالنسبة لمقري الذي يبدو بأنّه مطمئن لرضى السلطة عن حزبه، خاصة وأنّ التغيير الحكومة الأخير شمله بتعيين أحد إطارات حمس في الطاقم الحكومي (حقيبة وزير العمل)، وسبق للرئيس تبون أن استقبل رئيس حمس، وهو مؤشر على أنّ الرئاسة لا تمانع من العمل مع الإسلاميين، بالأخص، حمس والبناء، لأنّهما الحزبين الوحيدين في التيار الإسلامي الذين دعما تبون، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار دورهما في العلاقات الجزائرية التركية والقطرية، فالمعروف على حركة حمس قربها من نظام اردوغان الاخواني، وهي التي قد تساهم في تعزيز العلاقات مع انقرة، ونفس الشيء بالنسبة لحركة البناء الوطني التي هي الممثل الشرعي لتنظيم الاخوان المسلمين العالمي، المدعوم من اردوغان، ومادام أنّ الرئيس تبّون أبدى اعجابه بالإسلام السياسي في حكم تركيا، فإنّ ذلك يعدّ أقوى مؤشّر على أنّ اشراك اخوان الجزائر في الحكومة هو من باب أنّ الجزائر تريد الانفتاح على تركيا ومحور الشرق عموما (قطر، روسيا، تركيا، الصين)، فالجزائر تراهن على الاستثمارات التركية لتعزيز هذه الشراكة، برغم الازمة المالية التي تمرّ بها تركيا، لذلك احتمال مشاركة اخوان الجزائر في الحكومة جدّ محتمل من هذا الباب.

 لكن مسألة فوز هذه الأحزاب بالأغلبية تبقى مجرد احتمال إذا ما أخذنا بعين الاعتبار مسألة المقاطعة والعزوف الانتخابي، فعلى مدار أسبوعين كاملين من الحملة الانتخابية، طاف المترشحون من الأحزاب والقوائم الحرّة شرقا وغربا لإقناع الناخبين بجدوى الانتخابات من أجل التغيير، لكن خطابهم وُصف بالمبتذل والبعيد عن الواقع، ما يجعل إمكانية فوز حزب بالأغلبية أمرا صعبا، إذا ما أخذ في الحسبان مسألة المشاركة وبقاء منطقة من البلاد دون تمثيل نيابي.