رغم ما اعتدناه نحن العالم ثالثيين من بشاعة الكوابيس ورعبها في منامنا إلا أنني لم أتخيل أن أصحو وعائلتي في ساعة متأخرة جداً من الليل في شقتي في الإسكندرية على أصوات خلع باب الشقة التي أسكنها أنا وعائلتي من قبل أفراد من الجيش المصري مجهزين بكل عتادهم وأسلحتهم ... لقد أعدّ الجيش المصري ما استطاع من قوة وعتاد ليرهبنا نحن الأسرة الليبية الفقيرة الوافدة لغرض الدراسة.

ركضت متعثراً في الظلام لألحق الباب قبل أن يخلعه الجنود بأقدامهم. واختبأت أسرتي في أحد الغرف خوفاً من اعتداء وشيك من قبل زوار الليل المسلحين وما أن فتحت الباب حتى رأيت حشد من الجنود والمدنيين المسلحين الغاضبين ولعل الرصاص الذي يتطاير من عيونهم أشد فتكاً من الرصاص المتأهب بمخازن بنادقهم. جرني أحدهم طالباً هويتي وأوراقي سائلاً : انت ليبي؟. ربما نتيجة ما أصابني من رعب وخوف تمنيت لو لم أكن كذلك أو كنت من مزدوجي الجنسية لأقول بفخر "أنا أمريكي" فترجع تلك البنادق خائبة ذليلة، بعد الاعتذار وتوسل العفو على ما سببوه من رعب وازعاج لي ولعائلتي. ولكنني ليبي ولي الفخر أيضاً ولكن داخل حدود الوطن لا خارجه.

بعد التأكد من اوراقي أوقفوني قرابة الساعة حافياً بملابس النوم مرتعدا من الخوف والبرد ووضعوني تحت حراسة ثلاثة من الجنود المسلحين يتسلى العسكر باستجوابي كوني متهم بانتمائي وهويتي "الليبية". التي يبدو انه لم يعد مرغوباً فيها بأن تطأ أرض الكنانة "مصر". حسب ما يروج له الاعلام المصري هذه الأيام. المهم أنهم تركوني وشأني بعد حوالي الساعة أو يزيد. لأنتظر في بيتي حتى الصباح وخرجت لأسمع بأن زوار الليل قد قاموا باعتقال شعبان هدية وقامت القنصلية صراحة بجهود مضنية معنا نشكرهم عليها من أجل مساندتنا ولمعرفة مكان اعتقال مواطنها. ولم يتوقفوا عن الاتصال بنا والاطمئنان عن أوضاعنا نحن وعائلاتنا. 

اما فيما يتعلق بالموقف الرسمي الليبي ومع احترامي لشخص السيد شعبان هدية، ودعواتي بأن يفك الله اسره ... ولكن اليس غريباً أن تتم شخصنة بيان المؤتمر الوطني العام ليقتصر دفاعهم عن شخصية ليبية واحدة بالاسم لأنها وحدها من تهم الدولة الليبية أما بقية المواطنين الليبيين الذي تم اعتقالهم في نفس الفترة وظل مصيرهم مجهول حتى هذه اللحظة هم مواطنون لا أهمية لهم ولا يستحقون اهتمام دولتهم لأنهم نكرة وليسوا من قادة الثوار أو من الأسرة الحاكمة في ليبيا الجديدة.

ألا يستحق بقية الليبيين المعتقلين حتى هذه اللحظة أن يكونوا حتى مجرد رقم مجهول في صيغة الجمع في بيان مؤتمرنا العام الموقر. أو أن تطالب دولتنا الليبية على أقل تقدير السلطات المصرية باحترام آدمية المواطنين الليبيين المقيمين على أرضها واحترام حقوقهم القانونية والإنسانية، وعدم التعدي على أرواحهم وممتلكاتهم. ووقف الاعتقالات التعسفية في حقهم؟  

وهذا التخاذل الرسمي الليبي هو ما جعل كل ليبي هو ارهابي بالهوية داخل جمهورية مصر العربية...! و مصر تدرك جيداً ماذا تفعل وقادتها ليسوا حديثي عهد بألاعيب السياسة وليسوا خريجو سجون بصفة مناضلين وليس نجوم تلفزيون كما هو الحال عند بعض جيرانهم. مصر تدرك أهمية صناعة أو اختلاق (العدو الخارجي) للمحافظة على أمنها القومي ووحدة شعبها. مصر تعي جيداً بأن عليها أن تنفض غبار خلافاتها الداخلية للخارج لتعمل على ترتيب بيتها الداخلي ورأب الصدع بين مكوناتها المجتمعية والسياسية.

ومسألة صناعة "العدو الخارجي" ليست بدعة حديثة وقد نبه اليها منذ مئات السنين العلامة العربي ابن خلدون كأحد أسباب الحفاظ على وحدة الأمة. وهي احدى أسرار بقاء أمريكا دولة واحدة فهي تتقلب من عدو الى آخر فمن الخطر النازي إلى الخطر الشيوعي إلى الخطر الإسلامي ومن بعده الخطر الصيني حسب تنظيرات صموئيل هنتنغتون. ما كان لأمريكا وسط هذا الخليط من الأعراق والديانات والشعوب المختلفة أن تحافظ على وحدة شعبها لولا الاعتماد الرئيسي على خلق حالة الرعب لدى شعبها بمدى خطورة الأعداء المتربصين بهم من الخارج. وكذلك الحال بالنسبة للكيان الإسرائيلي.  

والمتتبع للآلة الإعلامية المصرية هذه الايام سيدرك مدى شراسة الحملة الإعلامية الموجهة ضد الجارة الجريحة والمسكينة ليبيا. والتي يتم تصويرها الآن بأنها هي مصدر الخطر الأكبر وأن الليبيين هم مصدر البلاء الأعظم الذي يهدد مصر. وعقب كل حادثة تفجير أو عمل إرهابي أو أحداث شغب تسمع بأنه تم القبض على مواطنين ليبيين متورطين في العملية. لا أحد يكترث بهم من دولتهم الليبية.

ورغم الاعداد التي يتم الإعلان عن اعتقالهم من الليبيين لم تحرك الحكومة الليبية ولا البرلمان الليبي ساكناً. إلا بعد أن تم اعتقال أحد رفاق أعضاء مؤتمرنا الوطني العام. أما بقية المواطنين المعتقلين فلا بواكي لهم وليذهب للجحيم أي ليبي لا سند ولا رفيق له في المؤتمر والحكومة سواء كان طالبا أو مريضاً أو لاجئاً.

مرة أخرى اننا ندعو السلطات الليبية أن تكون على قدر المسؤولية في حماية مواطنيها في الداخل والخارج. وأن تطالب السلطات المصرية باحترام الحقوق القانونية والإنسانية لرعاياها. وأن تتوقف الحملة الإعلامية الشرسة ضد الليبيين فهذا التأجيج والتحريض يعرض الليبيين وعائلاتهم وأطفالهم وممتلكاتهم للخطر.

وأن تصنيف الليبيين كإرهابيين بالهوية أمر غير مقبول اطلاقاً وان كانت الجارة مصر تحتاج إلى "عدو خارجي" لتوحيد صفوفها والمحافظة على أمنها فإن ليبيا ليست هي الخيار الصحيح لما يربط البلدين من علاقات تاريخية أكبر من عمر الأشخاص والحكومات أو فلتعلن مصر صراحة قطع العلاقات وعدم رغبتها بوجود أي كائن ليبي على أرضها. وربما هذا هو الحل الأمثل الذي يجنب الطرفان خطورة تبادل أعمال الخطف والبلطجة والتغييب القسري والظالم للرعايا الأبرياء لكلا الدولتين.