حميد زناز

تحت تسمية "التربية الإسلامية" في التعليم الابتدائي والمتوسط، وتحت تسمية "العلوم الإسلامية" في الثانوي، ترافق مادة التربية الدينية الإسلامية التلميذ الجزائري مدة ساعة ونصف أسبوعيا في المرحلة الابتدائية ومدة ساعة في التعليم الإعدادي وما بين ساعة ونصف وساعتين في التعليم الثانوي وذلك حسب التخصصات وفي كل مسار التلميذ الدراسي. ويشرف على تقديم هذه المادة في الثانوي خريجو المعاهد المختصة في العلوم الإسلامية كجامعة الأمير عبد القادر الذي كان يشرف عليها الإخواني محمد الغزالي ومعهد أصول الدين في الجزائر العاصمة ومعهد الحضارة الإسلامية بوهران وباتنة وأدرار. أما في الابتدائي والإعدادي فمعلمو اللغة العربية هم الذين يدرسون مادة التربية الإسلامية

ولا يخفى على أحد أن المدرسة الجزائرية كانت مرتعا للمحافظين إذ كانوا يسرحون ويمرحون فيها منذ الاستقلال مستغلين هذه المادة لنشر أفكارهم ورؤيتهم الخاصة للدين ولكن ابتداء من ثمانينيات القرن المنصرم تحول أغلبهم إلى إسلاميين مناضلين ينشرون الفكر الإخواني في وضح النهار وقد ذهب الكثير منهم إلى حمل السلاح وممارسة العنف.

ومع استفحال ظاهرة العنف الإسلاموي والإرهاب ابتداء من سنة 1993 بدأ البحث عن أصل هذا الداء المتفشي بين الكثير من الشباب الجزائري واهتم كثير من الباحثين بعلاقة هذا التطرف الديني وما يتعلمه التلاميذ في المدرسة وبالأخص التساؤل عن الطريقة التي تُقدم بها تعاليم الإسلام داخل الأقسام. وانصب التفكير حول كيفية إصلاح المنظومة التربوية وتنظيفها مما علق بها من شوائب التطرف والعنف واللاتسامح وتسليح التلاميذ بمعرفة تقيهم من شر السقوط في حبائل المتطرفين

وما أثار و لا يزال يثير غضب المحافظين دائما هو القول بأن المدرسة الجزائرية مصدر لتخريج الإرهابيين الذين شكلوا الجماعات المسلحة التي مارست العنف والتقتيل لأن مناهج هذه المدرسة ذات طابع عتيق وديني وذهب بعضهم حتى إلى القول ان تعميم استعمال اللغة العربية بشكل غير مدروس بما فيه الكفاية كان من أسباب الفشل التربوي والتعليمي في الجزائر

وكلما ظهرت مبادرة ما لإصلاح ما يجب إصلاحه وابعاد المدرسة عن الأيديولوجيا الدينية المتطرفة الا وانتفض المجلس الإسلامي الأعلى والأحزاب الإسلامية الكثيرة واعتبر كل من لعب بعقولهم الاخوان أن ذلك اعتداء على ثوابت الأمة الجزائرية الواردة بالدستور (الإسلام والعروبة الأمازيغية) وتجفيف منابع الإسلام من المدارس الجزائرية.

ينبغي البدء حالا في إعداد مشروع إصلاحي جذري بعيدا عما سبقه وذلك بمحاولة تغيير المناهج التعليمية أسلوبا ومضمونا بعد ما بينت عدم مسايرة المنظومة التربوية في الجزائر للتطورات الحاصلة على المستوى الدولي والداخلي لاعتمادها على أساليب تقليدية مبنية على الحفظ والتلقين في أغلب الأحيان في حين أن التعليم يعتمد في الوقت الحاضر على التفكير والتحليل ومنهما يتم الانتقال إلى مرحلة الإتقان والإبداع الفكري والعملي

تعاني المدرسة الجزائرية من انغلاق محكم وعدم تفتح بالإضافة إلى تجذّرها في إيديولوجية قومية ودينية في وقت يسير فيه العالم نحو الانفتاح والعولمة وخاصة بعد ثورة الاتصال الحديثة.

ولئن كان من السهل تشخيص مرض المدرسة الجزائرية و إيجاد المخرج الوصفة  المناسبة  فإنه من الصعوبة بمكان  تطبيقها على الأرض بسبب ميزان القوى في الميدان بين المحافظين و الحداثيين و الذي يبقى دائما لصالح المحافظين الرافضين للإصلاح  و هو ما يعيق تنفيذ القرارات  إذ لا يمكن القيام بإصلاح بدون إصلاحيين، فمعظم المعلمين و الأساتذة هم اليوم  من الإسلاميين أو من القريبين إلى أطروحات الإسلام السياسي لسبب بسيط هو أنهم من خريجي هذه المدرسسة التي نريد إصلاحها من أجل أن تنتج غيرهم .

لا يفوت المتتبع للخطاب الإيديولوجي الجديد الذي يحاول أن يؤطر المنظومة التربوية تلك الازدواجية في تحديد مهمة المدرسة. فمن جهة يركز هذا الخطاب على " أهمية عولمة المدرسة" ومن جهة أخرى يؤكد على "ضرورة تعميق الهوية الوطنية والدينية". وهي ثنائية لم يستطع مضمون الخطاب الذي تتضمنه مادة التربية الإسلامية في المرحلة الثانوية مثلا أن يتجاوزها إذ لا يستطيع الدارس للكتب المدرسية المخصصة للمرحلة الثانوية أن يعرف بوضوح هدف الخطاب الديني المدرسي: هل هو تكوين ذوات دينية لمجتمع ديني أم تكوين مواطنين مسؤولين لمجتمع ديمقراطي؟

لم تتخلص المنظومة التربوية ورغم بعض الإصلاحات الخجولة من فترة الى أخرى من ذلك الخطاب الديني المرتبك والانتقائي الذي نجده مجسدا في الكتب المدرسية الخاصة بالتربية الإسلامية في المستوى الثانوي حيث نعثر مثلا على موضوعات تقدم خطابا حول الأخوة والصداقة والحرية والتسامح ووجوب تعايش المسلم مع الآخر وفي نفس الوقت نجد موضوعات تحذر من خطر الغزو الثقافي ومغبة السقوط في تقليد الأديان الأخرى باعتبارها تشكل خطرا على المؤمنين بالدين الإسلامي

وعلى العموم يبقى الإشكال قائما ما دام الخطاب التربوي في الجزائر لا يقدم للتلميذ أدوات التمييز بين الدين والإيديولوجية الدينية. ويعود سبب ذلك الدوران في نفس المكان إلى تداخل ثلاث شرعيات متناقضة في المدرسة الجزائرية:

شرعية إسلامية، شرعية تاريخية، وشرعية حداثية. وينتج عن ذلك صورة مضببة حتى وإن بدا أن المرجعية الإسلامية هي التي تلعب دور الوعاء الذي يحافظ على الهوية الجزائرية. وهذا ما ينعكس على الأداء التربوي بشكل واضح باعتبار أن الانطلاق من الدين كبراديغم جعل المنظومة التربوية تقترب عن طريق التلقين والحفظ والاستعادة من نسق الفكر الديني التقليدي.