لعلنا لا نبالغ في التفاؤل إذا قلنا أن البيئة الإقليمية التي تحيط بالمشهد السياسي الليبي في هذه اللحظة هي الأنسب على مدى الثمانية سنوات الماضية ليصنع الليبيون قدرهم ويحددوا مسارات مستقبلهم بعيدا عن أطماع وطموحات الجيران الجنب وهذا عامل مربك كان يلقي بظلاله على ساحة الصراع المحلية ويؤجج حالة الإستقطاب بين الفرقاء ..
المؤشر الايجابي الآخر هو التراجع الايطالي في سباق المنافسة مع الغريم الفرنسي على الجائزة الليبية ، بسبب الأوضاع التي تعانيها روما في هذه المرحلة وفتور الدعم الأمريكي لمواجهة تطلعات باريس .. إضافة وهذا الأهم إلى نضوج خارطة الصراع الدولي حول منطقة شمال افريقيا والشرق الأوسط ما انعكس على الوضع الداخلي بما يسمح بتحقيق اختراق في حالة الانسداد السياسي التي وسمت المرحلة الماضية بميسم الاحتقان والتعنت ..
كل هذه المعطيات تحتشد في أفق المؤتمر الوطني الجامع الذي أعلن مبعوث العناية الدولية عن موعد إنعقاده منتصف الشهر القادم بمدينة غدامس بحضور مابين 120 إلى 150 شخصية ، تمت دعوتهم حسب ما أعلنته ستيفاني وليامز في لقاءها بأعيان الزاوية وفق معايير خاصة وضعتها البعثة ..ودون الخوض في تفاصيل الغموض الذي أحاط بالمعايير المعتمدة يبدو واضحا حجم الرهان الذي يضعه سلامة ونائبته على نجاح المؤتمر الموصوف بأنه طوق النجاة الأخير ولابديل عن نجاحه غير الحرب الأهلية والارتهان إلى مصير مجهول ..
مايخيف في كلام غسان سلامة ونائبته الامريكية  عن السيناريوهات المقترحة في حالة فشل المؤتمر، أنه يضع الأطراف الليبية ( الوطنية وغير الوطنية ) أمام خيارين لاثالث لهما ، إما التسليم التام بأن المؤتمر وفق المعايير الموضوعة لشخصياته ولتصورات البعثة الأممية لإستحقاقات المرحلة القادمة هو أقصى وأفضل ما يمكن أن يتوصل إليه الليبيون المختزلة إرادتهم في المدعوين للحضور ، وإما الذهاب إلى الهاوية مع صك براءة للمجتمع الدولي الذي لم يكن فقط شريكا فيما حدث لليبيا من مآسي منذ كارثة فبراير، بل كان الصانع الأساسي لكل محطات ومراحل تلك الكارثة المستمرة ..ومن موقع الإنصاف والموضوعية لا أحد يضع اللوم على سلامة وأرباب عمله في إدارتهم للإزمة ومصادرتهم لحق الليبيين في تقرير مصيرهم والبحث عن حلول وطنية لمشاكلهم مادام جميع الفرقاء يضعون رهاناتهم وكل بيضهم في سلة الاغراب ..لقد فوت الساسة الليبيون وخصوصا الفبرايريين منهم وكذلك القبائل والإثنيات فرصا كثيرة لقطع الطريق أمام هذه الوصاية الدولية الوقحة ، ولكن ليست اللحظة لحظة مناسبة للندم أو محاسبة الذات ..ومازالت هناك ثمة فرصة لإستعادة زمام المبادرة إذا أخلص من وقع عليهم الاختيار النية تجاه أنفسهم وشعبهم وعملوا على توظيف هذا المؤتمر الذي يحظى بمباركة دولية واقليمية كمدخل لعمل سياسي واجتماعي يتوخى إطلاق حوار وطني واسع يشمل كل القبائل والقوى والشرائح المجتمعية دون إقصاء وتهميش وبعيدا عن المعايير المشبوهة وقوانين الشوكة والمغالبة  ، بدل أن يتحول المؤتمر والحاضرون فيه إلى شهود زور لجريمة دولية يشرف عليها سلامة هدفها تقديم ليبيا وثرواتها وأرضها كبيضة مقشرة على مائدة المصالح الغربية الشرهة ..
يقولون أن السياسة هي فن تحقيق الممكن وليس ثمة مستحيل في أن يتمكن الليبيون من قلب طاولة المؤتمر الجامع المصمم على مقاس سلامة ووليامز ومصالح قوى الهيمنة العالمية التي يمثلانها ، ليتحول إلى لحظة وطنية خالصة توضع خلالها خارطة طريق واضحة للخروج ببلادهم من عنق الزجاجة والعبور بها إلى بر الأمان وسط عاصفة الاستقطاب والصراع الذي تداخل فيه المحلي بالاقليمي والدولي ..وكل مايحتاجه الأمر إدراك وفهم للمصالح الوطنية يتجاوز مصالح الحزب والايديولوجيا والقبيلة والأقليم ، واستيعاب للحقائق الاقتصادية والسياسية في عالم اليوم الذي تحول الى ساحة صراع ضحيته ووقوده الضعفاء والأطفال الذين لم يحققوا الفطام عن ارادة ووصاية الاخرين..
قبل أن نتوجه إلى الانتخابات - وهو خيار لانملك غيره مادام لكل منا ثأره الخاص -  عبر بوابة مؤتمر نظمه ودعى إليه الغرباء علينا أن نعرف أن ماأنتجه العقل الجمعي للثقافة التي ننتمي إليها من أمثال ووصايا إنما هي خلاصة تجربة إنسانية عاشها الأسلاف وصاغوها في أبسط الحروف والكلمات لكي نفهم أنه ( ماحك جلدك غير ظفرك) ولله الأمر من قبل ومن بعد..