مأساة يعيشها أهل السودان وهم ينظرون إلى سودانهم يتمزّق، وقد ذهب ثلثه بأيدي من دفع بآلاف الشباب الذين دفعوا أرواحهم ليبقى السودان موحداً!!
وتمسك أهل السودان بالمثل البلدي «الجفلن خلهن أقرع الواقفات» ولكن من يستمع للحكمة من السياسيين؟! لا أحد!! رغم أن ياسر عرمان صرح في يوم توقيع البرتوكولات الستة أن هذا النموذج سيطبق على دارفور والشرق والمناطق الثلاث.. تصريح أطلقه ياسر عرمان عبر قناة الجزيرة وسمعه كل العالم عدا السياسيين الذين يحكمون والذين يعارضون!!

والواقفات بدأن بالجفول حيث لم يقرعهن أحد!!
مأساة السودان أن من يحكمه يتقمّصه وهم أنه يملكه ولكم سمعنا عبارة نسلمها لعيسى من سياسيين حكموا من قبل وحكموا لاحقاً.. ولا أدري ما دخل عيسى عليه السلام في حكم هؤلاء الساسة وتخبطهم وفسادهم!! ولماذا افترض السابقون من الساسة واللاحقون منهم أن عيسى عليه السلام هو المفوض باستلام الأرض من بني الإنسان وقد استخلفه الله عليها فإن كان هناك تسليم وتسلم فإن صاحب الأمانة هو الذي يستلم أمانته ولا أحد غيره!!

فعيسى عليه السلام هو الآخر معرض لسؤال المولى عز وجل وقد ورد هذا في محكم التنزيل، ولي سؤال بسيط ما الذي سيبقى من السودان ليسلمه هؤلاء لعيسى إذا افترضنا تصدي عيسى عليه السلام لعملية التسليم والتسلم.؟!
«إن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم» هذا إنذار إلهي نافذ وليس كإنذارات الشيطان أمريكا لكن سياسيينا يخشون أمريكا من دون الله، ونتيجة لذلك قادونا للسباحة في بحر الضياع الذي لا يرى السابح فيه شاطئاً!! والسياسيون ذاتهم يعرضون أنفسهم كل مرة وبعد زوال كل نظام عسكري أو مدني يعرضون أنفسهم وبذات التفكير الذي قلب الحكم عليهم ومثلهم في ذلك قول النار حين يدخلونها أن لو عدنا إلى الدنيا لأسلمنا وحسن عملنا ولكن هيهات هذا نفس ما يقوله السياسيون الذين حكموا ويحكمون، والذين منذ الاستقلال وحتى اليوم يطبقون على البلاد تجربة واحدة في انتظار نتائج مختلفة!!

منذ الاستقلال وحتى اليوم لم تتحقق للمواطن حقوقه الأساسية والتي تحاول كل الدول تحقيقها وهي حقه في التعليم والعلاج والسكن والعمل، بينما السياسيون كذباً ونفاقاً يطالبون بحقوق الإنسان كحرية الكلمة والتعبير والاختيار وما عهدناهم إلا فراعنة جدد اختاروا تسليمها لعيسى عليه السلام، أين الديمقراطية التي بها يتشدقون!!
برلمانات الدنيا ترسم السياسات وتعاقب أنظمة الحكم وتسقطها وترسم لها السياسات وتحاسبها على ذلك أما برلماناتنا فضيق أفق من يزجون بهم إليها لا يتيح لهم إلا المطالبة بحفر بئر أو إنشاء مركز صحي أو بناء مدرسة وهي من حقوق الإنسان الأساسية بل الحد الأدنى الذي يجب أن يتوفر!!

إن أغلى الاستثمارات في الدنيا هو الاستثمار في الإنسان. فالإنسان هو الذي يبني وهو الذي يبدع وهو الذي يخترع ويبتكر، فكيف نترك هذا الإنسان أمياً ومريضاً وعاطلاً عن العمل ومن ثم نتحدث عن الاستثمار!! من أجل من هذا الاستثمار ومن الذي سيقوم بهذا الاستثمار؟!
إن السودان من أغنى دول العالم من حيث الموارد الطبيعية والزراعية ويملك مخزوناً من المياه الذي منه كل شيء حي ما يحسده عليه الآخرون، ولكنه بفعل السياسات الخرقاء والفرعنة والفساد وعديمي القدرات من السياسيين أصبح الدولة الأفقر في العالم!!

إن السياسيين يريدون أن يحكموا ودائماً ما يفكرون التفكير الخاطئ من يحكم السودان لا كيف يُحكم السودان وهذا الخطأ وقع فيه السياسيون منذ اليوم الأول للاستقلال، لذلك افتقر إلى المؤسسية منذ اليوم الأول للاستقلال وسارت الأمور بالدفع الذاتي للنظام الاستعماري حتى توقف في ستينيات القرن الماضي وإلى اليوم، لذلك كثيراً ما نسمع عبارة عادة ما يقولها كبار السن «يا حليل زمن الإنجليز»!! وهذه السياسات خلقت ضعف الانتماء لدى المواطن، فالمواطن الذي لا يجد تعليماً ولا علاجاً ولا عملاً ولا سكناً وهي الحقوق الأساسية للإنسان فأي شيء يمكن أن يقوي الانتماء لديه؟!!

فالمواطن يعالج نفسه إن استطاع ويعلمها إن أمكنه ذلك ويدفع نتيجة هذا الضرائب والأوتاوات حتى أصبح مستقلاً بذاته يحول مدخراته خارج البلاد خوفاً عليها والنظام الاقتصادي في السودان لا تحكمه قواعد وأسس اقتصادية!!
والسودان باختلاف أعرافه كان يمكن أن يكون شركة مساهمة عامة كبرى ينافس اقتصادها أغنى اقتصاديات العالم، هكذا فعل مهاتير محمد في ماليزيا وكذلك لي كوان يو في سنغابور حيث إن تلك البلاد تمتزج فيها اثنيات مختلفة جمعها الاقتصاد!!
وهذه الاثنيات في السودان يجمعها الإسلام ولكن السياسات الاقتصادية الفاشلة والمتوجة بالفساد هي ما فرق ما جمع الإسلام!!

وما يضر بالاقتصاد بجانب الفساد هو عدم وجود شركات مساهمة عامة ففي السودان لا توجد شركة مساهمة عامة واحدة تساهم في بناء اقتصاد معافى وحتى الشركات الخاصة تمتلكها عائلات والسوداني لا يميل لشراكة الآخرين عموماً. وهذا فتح الباب أمام ما يسمى بالشركات الحكومية والتي عاثت فساداً فكانت وبالاً على الاقتصاد والبلاد!!
ما يريده السودانيون نظام حكم يستثمر فيهم أولاً، فالمواطن أهم استثمار وهذا ما استعصى على كل من السياسيين والعسكر سواءً بسواء!!.