رجــاء إقــرأوا أيـهـا الـكـرام هـذه الـسـطـور بـالأبـصـار والـبـصـائـر:- ليس لأنني منها ولأنني عشت محنتها ، فأنا من لـــيـبـيـــا ، وأعيش الآن محنة لـــيـبـيـــا أفهم جداً قلق مــصــراتــة ، وأفهم أيضاً أرق كل لـــيـبـيـــا من جزئها العزيز مــصــراتــة ، فالمدينة التي دفعت الثمن غالياً في انتفاضة فــبــرايــر ، والتي لولا صمودها ربيع وصيف 2011 لكانت موازين القوة الآن في مكان آخر رغم تدخل الناتو ، والتي خرجت من الحرب أقوى عدةً وعتاداً لم تفلح في تحويل تضحياتها منافع لها ولكل الـوطـن ، ليس فقط لأن الـوطـن منقسم على نفسه ، بل لأنها أي مــصــراتــة لم تقتنع إلاّ متأخرةً جداً ، وربما لم تكتمل قناعتها بعد بحقيقة أنها بعض لـــيـبـيـــا ، وأن لـــيـبـيـــا لن تصبح أبداً بعض مدينةٍ مهما كانت قوتها وجدارتها وصدارتها. أزمة مــصــراتــة تتمثل في فائض القوة واقعاً وإحساساً ، وتتجسد في ضعف بل وهزال العقل السياسي الذي يدير هذه القوة ويوجهها بشكل مباشر أو غير مباشر ، والذي يتكون من مجاميع قد لا تكون متطفلةً على ثوار فــبــرايــر وأبطال المعارك في شهور العناء والضنك ، ولكنها قطعاً متطفلة على السياسة فكراً وممارسة ، وهي مجاميع لا رابط أيديولوجي بينها ولا ناظم سياسي ينظم عقدها ويضبط مسارها ، ولا أُوافق من يقول بالتأثير الكبير لتنظيم الإخوان المسلمين وبقية أطياف المتأسلمين على مــصــراتــة ، فجميع أدعياء التأثير ومتصدري المشاهد والاستعراضات هم مجرد انتهازيين يتقنون ركوب الموجة ويجهلون السباحة ، وقد كان للمغادرة المفاجئة والعاجلة الأقرب إلى الطرد لكتائب مـصـراتـة من العاصمة طــرابــلــس بعد جريمة 15 نوفمبر تأثيرٌ كبير في ارتباك الحالة المصراتية إن جاز التعبير ضمن الارتباك الشامل للحالة الليبية عامة ، وكان وربما لا يزال ثمة أمل أن تتمكن مــصــراتــة من الاستدارة ليس حول نفسها لتعود إلى حيث كانت ، بل لتستعيد نفسها من حيث كانت . الــيــوم ينصب الذين لم يذرفوا الكثير من الدمع على مــصــراتــة وهي تُذبح في 2011 ثم وهي تدفع ثمن مذبحة نوفمبر 2013 لمصراتة شركاً آخر باستدعاء كتائبها إلى طرابلس مجدداً تحت أكذوبة حماية الشرعية ، وكأن هذه الشرعية شرعية حقيقية منجزة عادلة عاملة ناجحة تستحق الذوذ عنها والموت في سبيلها ، وكأن مــصــراتــة هي الحارس الأمين لأمثال أبي سهمين يُستدعى عند الخطر ويُستغنى عنه عند الأمان. أفهم دواعي قلق مــصــراتــة الذي ظهر واضحاً في بيان أمس مِن سقوط بيت عنكبوت الشرعية المسمى المؤتمر الوطني ، أو وقوع تغيير بالقوة على الواقع السياسي ، أو عودة بعض قوى النظام القديم إلى الوجود مما يلحق الأذى حكماً وحتما ليس بمصراتة فقط بل بجميع من التحق بفبراير أو ساهم فيها ، وهو قلقٌ مشروع ، بل إن عدم توقعه هو الغباء بعينه ، وعدم استباقه وقطع الطريق عليه ليس سوى انتحار. الجميع قلقٌ ومتوتر ، وسقوط المؤتمر الوطني أو التمديد له لن ينال إجماع الليبيين ، ولن يؤدي إلى الاستقرار ، وجميعنا في سفينةٍ واحدة تتلاطمها أمواج الصراع ، والجودي الذي تستقر عليه لم يظهر سفحه بعد ، بل ربما تصطدم السفينة به {لاسمح الله} ،، ولِمن يسأل عن الحل أقول :- إن حواراً مجتمعياً حقيقياً يتجاوز مناورات الأحزاب والكتل ، ويكون محروساً بسلاح الثوار غير خائفٍ من هذا السلاح سينتج بداية حل يحتاج ما يكفيه من زمن وصبر ويقين وإيمان لصياغته وثيقةً وتوثيقه واقعاً .. سيبقى الـوطـن ما بقي العقل وتعقّل العضل .. والله المُستعان