تتناغم دعوة السيد علي زيدان في دعوة الدول الغربية الى التدخل المباشر على الارض في ليبيا، مع مطالب عدد لا بأس به من أبناء الشعب الليبي. وفي ذات الوقت تصطدم مع الآخرين الذين يرفضون هذا المنحى تحت أي ذريعة او سبب من الأسباب. وعليه يجب تجاوز كل من يدعم او يعارض هذه الدعوة لمواقف سابقة، وضمن الاصطفافات التي تشهدها الساحة الليبية، والتي من خلالها يمكن التنبؤ بموقف كل شخص من ذلك.

وهنا استذكر ما كتبه الدكتور محمد عبد المطلب الهوني في شهر يونيو سنة ٢٠١١م، وبناء على ما شهده على ساحات المواجهة المفتوحة آنذاك، وفي كواليس المجلس الوطني الانتقالي، الى دعوه الليبيين من المجتمع الدولي بالتدخل بقوة مسلحة على الارض، لتفصل بين الكتائب والفصائل المتصارعة المتناحرة على السلطة. وفي دعوته، استحسن قوة غربية قوية، ولكن لحساسية الليبيين من الاستعمار، ربما يكون الخيار جيش قوي من احدى الدول الاسلامية، مثل تركيا او الباكستان. عندها كان أغلب الليبيين متفقين على هدف واحد وهو إسقاط نظام القذافي، ولكن لم يدر بخلدهم انه وفي ذلك الوقت كانت بعض القوى تخطط الى السيطرة الكاملة على الدولة الليبية، كوريث للقذافي.

ما يطلبه السيد زيدان هو اجتهاد منه لحل المعضلة الليبية، والتي تتعاظم كل يوم، ويتوافق معه فيها الكثيرين من أبناء الشعب، وربما وبكل أسف هذا ما سنصل اليه بعد حين، في ضل تعامي القوى المسيطرة على الكانتونات الليبية الصغيرة. ولكني اعتقد انه اجتهاد خاطئ، وللأسباب الآتية:

١- عدم توفر النية الآن لدى الدول الغربية بالتدخل المباشر في ليبيا مطلقا، ولا ارى ان هذا سيتغير في المستقبل القريب او المتوسط، تحت اي سبب من الأسباب. تعلم الغربيون من تجربة العراق ان مصالحهم يمكن الحصول عليها بدون إزهاق لأرواح أبنائهم الذين يعون قيمة الحياة، وبإمكانهم ان يتركوا مثل هذه الجرائم ليقوم بها المؤهلين من أهلها، تحت ذرائع الجهاد والإصلاح والدعوة والحرية وما شابهها من تعليلات.

٢- الأهمية الاستراتيجية لليبيا لا تصل حتى الى العشر مما تمثله سوريا، ومع مئات الآلاف من الأرواح التي أزهقت، والبيوت التي دمرت واستمرارها، لم يجرؤ الغرب على وضح أقدامه على الأرض لان الدمار هو للشعب السوري والوطن السوري، ولست أشك لحظة واحدة ان النهاية بعد ان ينهك الجميع هي " تقسيم سوريا"، وهذا أراه هدف استراتيجي للغرب. وعليه فان ليبيا المقسمة هي ما يطمحون إليه وما كانوا يطلبونه في نهاية الأربعينيات من القرن الماضي.

٣- ما يقوم به سفراء هذه الدول في الثلاث سنوات الماضية يوحي بأنهم يتواصلون مع قوى الصراع او السلطة في ليبيا، بما فيها الحكومة والمؤتمر ودار الإفتاء والمدن المنتصرة ومن يصنف نفسه تحت الأقليات العرقية، وفي دور مشبوه ويدعو الى الريبة. وعلى سبيل المثال اتجاه سفراء الدول ذات التاريخ الاستعماري لليبيا، الى مناطق نفوذهم في سابق العهد والزمان، وربما لإحياء ما بقى فيها ممن أعطو العهد والأمان.

٤- التدخل الغربي يتلو الحرب الأهلية - لا قدر الله- ولا يسبقها، وهذا ما عهدناه في التاريخ، بمعني ان التدخل بعد ان يتقاتل الأخوة الى درجة الإنهاك، وإذا عجز طرف من السيطرة على الاخر، حينها فقط يطلب الطرفان، طرف ثالث وهو الغرب للتدخل، برضى الجميع ليفصل بين المتحاربين.

٥- ما يجري في ليبيا لا يمكن ان يخرج عن سياقه وهو ما يجري في منطقة الشرق الأوسط. ولذلك التدخل شبه مستحيل.

والأمر كذلك، ارى ان ما يدعو اليه السيد زيدان هو طموح بعيد عن الواقع، وان كان بالطبع له اطلاع على خفايا الأمور التي لا يعلمها عامة الناس من أمثالي. والحقيقة هي ان ٩٠٪ من أبناء الشعب الليبي لا يطلبون الا وطن يعمه الأمن والأمان، ولا يسعون الى حرب اهليه مطلقا، ولكن هناك الباقي، وهم ١٠٪ الذين ينقسمون الى نصفين متضادين، يجرون البلاد الى الخراب من أجل تحقيق أطماعهم في السلطة، تحت أي مسمى سياسي او ديني او وطني. هولاء هم " من يحكمون الآن"، وحاولوا بكل الطرق في السابق، والآن الى إشعال فتيل الحرب، ولكن فضل الله اولا، وجهود الصالحين هي من أفشلت خططهم الجهنمية.

الحل يكمن في الكيفية التي يتجاوز فيها الليبيين هولاء ( ١٠٪) الذين ينفثون سمومهم كل يوم، وينفقون أموال الليبيين من أجل قتلهم وافقارهم، وفي ذات الوقت إبراز اولائك الليبيين الصالحين والمخلصين داخل الوطن، الذين عاشوا الواقع الليبي على ارض ليبيا ليقودوا المرحلة، التي في صدارتها المصالحة الوطنية بين أبناء الشعب الليبي الذي أنهكته مغامرات العاهات والمعاقين فكريا. وفي ذلك يتنافس المتنافسون.

 

صحيفة وطني الليبية