بلادنا ليبيا تعيش مرحلة رمادية عاصفة غير مسبوقة ولم تحدث مسبقًا، حيث يتم بشكل مدروس قلب المعايير الوطنية والقيمية والأخلاقية والقانونية و الديمغرافية  رأسًا على عقب و وضعها على حافة السقوط في مستنقع الفوضى و الايديولوجيات الفكرية و العمالة للخارج السلطوي المرفوع بالحقد القديم الأزلي على حساب الداخل بطريقة ممنهجة ومدبرة و من قبل قوى دولية بتمويل إقليمي و التنفيذ بأيادي محلية ، حيث يتطاول الجاهلون ممن يسمون أنفسهم بأصحاب السيادة والقانون والقرار حسب المعايير الدولية والعهود والمواثيق  المتسلطة بسلطة قانون الغاب و سلطة الأمر الواقع التي فُرِضَتْ على الشعب الليبي ، كما يضربون روابط الشعب الواحد و الوطن الواحد و الدين الواحد وضوابطها عرض الحائط.

 وأصبح الطريق يقودنا نحو مستنقع من الوهم والجريمة والخداع، وبناء عالم غريب ومفاهيم خاصة تصب بمصلحة العولمة وطمس الدين والثقافة واستعمار العقول الليبية أكثر فأكثر وطمس الهوية الليبية.

 ليبيا كدولة انهارت و ضعفت وهزلت فيها العقول وتهاوت الوطنية بداخلها, فأصبح العدو بداخلنا أفتك من الخارج, كما أن جروحنا ومآسينا من صنع أياد عربية مُهوِده ومتصهينة, حُكِمَ عليها أن تكون السلاح الذي يضرب بني جلدتها و عرقها. 

إن صوت الحق دائمًا يعلو في وجوه الحاقدين، المتآمرين و يصرخ عاليًا على هذا الوطن و قضيته الوطنية التي ليست للبيع وليست لصراع الايديولوجيات و التيارات كما يحاول الترويج لها من قبل المطبلين والساسة المتخاذلين الذين يحاولون ترويج فكرة أن الصراع القائم هو صراع ليبي ليبي على عكس حقيقة المضمون هي أن الصراع هو بين الشعب الليبي على اختلاف ثقافاته وبين عملاء و بيادق الخارج على اختلاف أشكالهم و ألوانهم, ليتقبل المواطن الليبي البسيط و يسلم بهذه الأفكار و إيهامه بانه في مرحلة التطور الحضاري و الديمغرافي  و ذلك بالتطبيع مع هذه الأيديولوجيات التي تسعى لاستعمار و احتلال العقل و الوطن. فكلما جاء ظالم و جاحد اغتصب واستوطن في هذا الوطن و سلب ثرواته بغير حق زادت معه سلبية شعب من قديم الأزل تعود على أن يثور في وجه الظلم و الاستعمار والاستحمار الفكري, فما الذي جرى اليوم حتى نصبح هكذا. دولتنا الليبية العربية و  وحدتها وعزتها وكرامتها وثرواتها وشبابها و كل شعبها في خطر الانقسام و التشرذم و التفكك و السقوط من على حافة الخريطة العالمية و الانزلاق في غياهب جبٍ لا نهاية له. ديننا و وطنيتنا  وهويتنا ووحدتنا المُراد تقسيمها إلى ثلاث من خلال ثلاثية الانفصال (الثورة و الدستور و اللامركزية)  لن تتحقق إلا بتحرير فكرنا من الفكر السلطوي المتعفن و التيقن بأننا على حافة السقوط في غياهب مستنقع أحلام نُسجت لنحلمها و دُفِعنا من فاعل قرر إخفاء نفسه تحت جنح الظلام لكي نسبح و نغوص بهذا الوطن في مستنقع الفوضى و اللادولة و اللانظام. 

فالنتأكد بأن ليبيا تحتاج منا التوبة عما سلف و نبدأ التفكير بهدوء الوطنية و التصالحية و التعالي على الجراح ودمجها و وضعها بالخلاط  لنقبل فكرة التعايش وإعادة ترميم دولتنا التي نهشتها كلاب حقد الغرب و غيرة الغربان. 

ففي حالتنا المأساوية يجب ان ننتقل من مرحلة التفكير العاطفي و الجهوي و العرقي و القبلي  إلى مرحلة التفكير الوطني العقلاني الذي لا ينم و لا يؤدي إلا إلى حل وطني بنَاء بعيد عن صنَاع الأزمات و المشاكل و مقسمو الأوطان. وهذا لن يكون ولن يحصل إلا بعد تضميد جراح بعضنا لبعض فكلنا جرحنا من غيرنا أو من أنفسنا. 

نعود ونذكر بأن ليبيا اليوم تتعرض لاحتلال فكري و تغييب قسري للفاعل الوطني و احلال نائباً عنه ليكون أداةً بيد مجهول متحكم من خلف الستار, وأيضاً تغيير ديمغرافي لأرض عربية إسلامية الدفاع عنها واجب ومطلب وحق على كل من تحرر من حالة اللاوعي و الفوضى السائدة في بلدنا، فالجميع فهم بان القضية قضية وطن عُرِض في مزاد العمالة والتشرذم والتفتت, حيث بدا تجار الاوطان يتلاعبون به تحت مرئ و مسمع عالم انشغل بنفسه لأنه أصبح يعلم بأنه سيؤول لنفس المصير, وهو الوقوف عند حافة السقوط.

أما آن لنا ان نستفيق, أما آن لعقلنا الباطن أن يطلق صفارة إنذار السقوط فننهض بفزع السقوط, و نفزع بقوة شعب عُرِف بالثورات منذ القدم. 

سأكرر وأعيد القضية الليبية ليست حرب أديان أو حرب طوائف و أعراق بل هي حرب فكرية أيديولوجية دموية لتطبيع منطق الاستكانة والخضوع لما أسلفنا دكره. لذلك نقول لمن يحاول نشر فكره وسمه ببلادنا والمطبلين له نقول لهم كفو آذاكم عن هذا الوطن الجريح فلن يتحمل أكثر من ذلك خضوعًا وذلًا.

كفوا عن تعميم الفوضى غير البناءة، وتدشين عصر الإرهاب والحروب والعنصرية والجريمة المنظمة، وتحطيم المنظومة الليبية برمتها. لأن مخططكم لا ينتج إلا هدماً للمنظومة القانونية والدينية وطمسًا لحقوق الإنسان الليبي مما يعني حقيقة واقعية مباشرة وهي انتفاء القيم والأخلاق والحقوق والحرية، واحتلال مباشر للفكر والمنظومة الوطنية، وترك ليبيا كطعم لوحوش الصهيونية والماسونية الآدمية لتسحق ما تبقى من عروبتنا وتطمسنا وتسحقنا بلا رحمة باسم الديمقراطية والحرية، وتسلب كل خيراتنا وتبقي لنا الفتات وتنشر السموم وتضيع شبابنا، وتمحو عروبتنا من أجيالنا فهل سنقبل بهذا؟ 

لا وألف لا مادام بقي ومازال منا من المثقفين وأصحاب الضمائر من يرفض ويستنكر ويدافع ويحارب من أجل الحق فإننا سنستنهض تاريخنا المجيد لنستنهض بلادنا.

همسة أخيرة: ليبيا وطننا و لن تتقاعس جهودنا عن مواجهة التحديات التي تفرضها علينا بعض السياسات العوجاء، والمسكونة بالنرجسية والغطرسة، نحن سننهض ونصنع التاريخ لأننا ببساطة أصحاب أرض وحق يُرادُ اغتصابه. نحن قررنا أن نقف في القمة و ليس على الحافة. 


الآراء المنشورة ملزمة للكاتب و لا تعبر عن سياسة البوابة