ليبيا ذات المساحة التي تعادل مساحة المانيا وفرنسا وايطاليا وسويسرا والنمسا و لوكسمبورغ وبلجيكا وهولندا والمملكة المتحدة مجتمعة، وعدد سكان يقل عن عدد سكان مدينة لندن، وعمق تاريخي يتجاوز تاريخ وضع اساسيات "تمثال الحرية" بالولايات المتحدة الامريكية بخمسة الالاف سنة، تدمر مدنها وتدك مطاراتها وتتآكل أطرافها تحت سياط مزاعم التحرير والانتصارات التي لا اساس لها الا في مخيلة مُدبريها .!!!


انتصارات تحققها ليبيا على ذاتها مند عقد من الزمن تقودها كوادر وزعامات "وليدة اللحظة" وبعضها "سابق الإجهاد" والتي تأسست على نغمة المناطقية والايديولوجية والجهوية التي لا اتجاه وطنيا لها.  ليس ثمة ما يدعو إلى الخوف والتذمر سواء تلك الاصوات الفردية الناطقة باسم الامة وهي تعمل لتحقيق اهداف على اساس جهوي مناطقي ضيق، او انها تُسوق لمصالحها الخاصة تحت شعارات، اعلان حالة التمرد على مركزية الدولة وقطع دابر الإقصاء والتهميش وممارسة حرية التعبير والبحث عن الذات وتحقيق حلم الفدرالية والقضاء على ما يسمى بأذرع الدولة العميقة، واستئصال كوادر النظام السابق من الادرات الوسطى والعليا على غرار قانون اجتثاث البعث من منظومة العراق. !!!


عملاً بمبدأ "تعميم الظلم عدالة" فان الخطاب الصادر خلال اليومين الماضيين من أعلى مراكز الدولة الليبية يدعو فيه إلى "عدالة توزيع الاظلام" في وصفه لحل مشكلة الكهرباء بدلا من دعوته لتوزيع الفرص والارباح لتحقيق الاحلام، ففي ظل ضعف الدولة وأدائها فان زوايا أخرى تجد من يُصدرها ويتبناها مثل البحث عن كينونة الامة وثقافتها ولغتها لتجذير الهوية وابراز ملامحها والتواصل مع ابناء المكون من خارج حدود البلد للحصول على وعود بناء دولة على انقاض وطن، كما ان ضعف الدولة يدفع اطراف الوطن و زوياه البعيدة عن المركز للاستعانة بالأجنبي من اجل تحقيق مطالب الخدمات وتوفير الحاجات، كل هذا برعاية المنظمات الدولية التي دفعتنا الي استهلاك احتياطي الغذاء والتي تُبادرنا اليوم بجلب اغاثة الدواء !!!


الواقع الليبي يعيش حاله الازدواجية ليس فقط في ما هو حاصل من ثنائيه المؤسسات والحكومات ووصل الامر ا إلى ازدواجية مؤسسة (التشريع) البرلمان (طرابلس ـ طبرق) وكلاهما يمارس الحق الديمقراطي في التناوب السلمي للاختيار قياديه ويغفل حق مُنتخبيه، بل تجاوز ذلك الي ازدواجية معايير التفكير والفهم حتي على نطاق القضايا الحياتية المحلية ومن هنا فان عمداء البلديات ومجالسها التسييرية والذين مهامهم تنحصر في تقديم الخدمات لمواطني مناطقهم واختيارهم او تكليفهم كان لتنفيذ خطط محلية واضحة في نطاق جغرافي محدد، فانهم تعدوا سُلطاتهم هذه ليمارسوا "سحر السياسة" فنجدهم يجالسون ساسة واجهزة مخابرات دول ويقومون بدعوة سفراء دول اخري لزيارة بلدياتهم في حين ان السفراء المعتمدين للعمل لدى ليبيا يؤكدون بان ليبيا دولة امنة مستقرة غير انهم يقفلون ابواب سفاراتهم بطرابلس ويمارسون اعمالهم من تونس!!!

نعيش حالة الازدواجية في التدبير والتقدير وذلك من خلال الاقامة الدائمة لجل أعضاء برلمان منتخب خارح البلاد، تتاكل اطراف الوطن وتعقد صفقات المجتمع الدولي والاقليمي وهم يديرون ظهورهم لمنتخبيهم ولقضايا وطنهم الجريح ولربما جمعتهم جلسات الارقيلة في "ستي ستار" مصراو منتجعات " قمرت" بتونس اكثر مما جمعتهم قضية وطن تحت قبة برلمان طبرق !!!

نعيش حالة الازدواجية حين يقترب مواعيد انتهاء وقت وتسليم الوظائف الداخلية منها مثل ادارة الشركات والمؤسسات السيادية والوظائف الخارجية مثل شركات الاستثمار والسفارات حينها يُطلب التمديد او التهديد والوعيد بإعلان الانشقاق لغرض "التصفير".!!!

وتستمر حالة الازدواجية في الانتماء للمناطقية الجهوية او الانحياز للوطن وصعوبة التوافق بين الاثنين ويصبح الوطن في موازنة غير متكافئة للكثيرين ويداس على الحجج التي بها دمر الوطن قبل عشر سنيين وتستكين سلطة امر الواقع الى المحاصصة بين المنتصرين بحجة القضاء على الإقصاء والظلم والتهميش وخلق اسس التوازن بين المتربصين.!!!

طالما تراجعت فكرة المواطنة والانتماء بتجسيد مبداء المغالبة على حق المساواة، فاننا بحاجة الى مراجعة كتب ”هوبز، ولوك، وروسو، ومونتسكيو، وغيرهم“  بطرح مفهوم آخر يقوم على العقد الاجتماعي ما بين أفراد المجتمع والدولة وعلى آلية طبيعية تحكم العلاقة بين الأفراد، فالمواطنة تقوم على ثلاث اسس هي (العدالة ـ الحرية ـ المساواة) إذ إن المواطنة تقتضي أن يتشارك جميع افراد المجتمع بغض النظرعن خلفيتهم الاجتماعية والمناطقية والجهوية في الفرص والمكاسب والمسؤوليات، والا سيستمر استنزاف وتشظي الوطن تحت سلطة واستبداد (مُحررينا) والذين لم ولن تكفيهم مدخرات الوطن التي فوق الارض ولا والتي في باطنها.!!!

الآراء المنشورة ملزمة للكاتب و لا تعبر عن سياسة البوابة