ليبيا 2018 : زاوية دستورية 

لا تزال ليبيا تعاني من اثار احداث    2011    والتي اقلعت معها كل الاخضر واليابس وتحول هذا البلد الي حلبة للصراع الداخلي والاقليمي والدولي وبدلا من انتهاز فرصة التغيير اصبح هذا البلد في مستقبل المجهول وطنا وشعبا . في هذه المطالعة نحاول التقدم الي اهمية التحولق حول مضمون الاستقرار والامن كضمانة للخروج من دوائر الحوار والمصالحة والعدالة الانتقالية والتحول الديمقوقراطي والتي لا يمكن لها رؤية النور في الحالة الليبية إلا عن طريق التوافق علي وثيقة دستورية تحدد الحقوق والواجبات للحاكم والمحكوم. ولا يجوز لهذه الشعب ان يتبني وثيقة عهدية  مشلولة الاركان، حيث الاستحياء فيها وصل الي حد عدم ذكر وتسمية الدولة بهويتها.

لنذكر اعضاء لجنة الدستور ومجلس النواب ومجلس الدولة الاستشاري أن الدستور التركي الحالي قد صاغهُ  علم وفقهية دستوري من مصر ولم يعترض عليه أحد، هذا يوضح أن مسألة صياغة وثيقة دستورية ليست بتلك المهام الممبالغة فيها حاليا في ليبيا. 

وليبيا دولة ذات خصوصية مجتمعية تختلف عن بقية المجتمعات العربية من حيث الترابط الجغرافي والقبلي والمنفعي والذي دائما يتعثر بالعامل الجغرافي وعبر تاريخها الطويل. ومن هنا تأتي الحاجة الي فهم المسألة الليبية من حيث تجاوزها للمطلب المحلح وهو التوافق علي وثيقة دستورية ، طريقا سليما للاستقرار والامن وابعاد شبح التقسيم والانفصال والمضي قدما نحو الاعمار والتنمية، ما عدا ذلك فمسلسل التجاذبات بين الشرق والغرب الليبي , وجنوبه  يهيء الطريق دائما الي التدخل الاقليمي والدولي وعبر وكلائه المحليين.

المرجعيه .. الدستور .. العقد الاجتماعى.. القانون الاساسى ... النظام الاساسى ... الميثاق ... إصطلاحات لمسميات  مختلفه موضوعياً  ومنهجياً وهى فى غاية الاهميه لنا بأن نقف عندها ونحدد مقاصدها فى أى صيغة فقهيه أساسيه ليبيه وطنيه قادمه.

 مصطلح المرجعيه واسع وفضفاض وهلامى   فهو قد يعنى المرجعيه الدينيه والمرجعيه السياسيه والمرجعيه الثقافيه وليست بالضروره تؤدى الى آلية  ضبط العلاقه بين الحاكم والمحكوم . والمرجعيه فى إستعمالاتها دائماً تشير الى الفكره الشخصانيه الكريزميه وكما هو موجود فى ايران. أما المرجعيه الشعبيه فهى نادرة الاستعمال والشيوع فى الصياغات الفقهيه.

 الدستور هو الأخر ليس ببعيد عن سابقته المرجعيه ، فهو فى النهايه يهتم  بالضوابط   المقننه للحاكم  فى علاقته بالمحكومين  ومجمل الآليات التى تؤدى الى حضورهِ او غيابهِ ، ويمكن تغييرهِ او إلغائهُ او تعديلهُ فى أى لحظه وبرغبة الاقوى إن كان حاكماً او محكوماً . ولأبد من الأشاره الى أن الكتاب الاخضر لم يتحدث عن الرفض او القبول بفكرة الدستور وإنما انتقدها عند حديثهِ وبحثهِ عن القانون الطبيعى فى جزئية التشريع  وقولهِ أن الدين والعرف مصدر أساسى للقانون والتشريع!! وأن إعلان سلطة الشعب لسنة         1977 لم يُلغى الدستور الصادر سنة 1969. وإذا أرادت هذه اللجنه أن تُصيغ او أن تعتمد دستوراً عليها أخذ الحيطه والحذر من الوقوع فى المحظور من ذلك ، ففى هذه الحاله فهى مدعوه الى تنقيح الدستور الصادر سنة    1969 وتعديلهِ او الاضافة عليه وتقديمهِ الى الشعب الليبى !!!

العقد الاجتماعى هو الأخر تعبير خيالى  ومفهوم طوباوى   الصياغه والهدفيه ، وحتى أخر مبتكريه جان جاك روسو عجز تماماً على ترجمة فلسفته من العقد الاجتماعى عندما أشار الى فكرة الاراده العامه بانها صلب عقده الاجتماعى وكيفية عكسها الى الواقع السياسى العملى !!! فالعقد الاجتماعى لا يُكتب ولأنهُ ليس دليل للتحول الديموقراطى   والمجتمعى ، فهو وصف خيالى لمراحل الانتقال المجتمعي من البدائيه والتخلف والطغيان الى مرحلة المدنيه بمجتمعها السياسى ( مجتمع السلطه). ولم نسمع فى تاريخ العقود الاجتماعيه بأن هناك عقداً إجتماعياً قد صاغهُ مجتمع من المجتمعات وجعله دليلاً لعلاقات السلطه !! فالعقد الاجتماعى فى أبعادهِ مجرد البحث عن مخارج  من قانون الانانيه ومغادرة طغيانه المعاصر الى نوافذ القانون الطبيعى.، وبالتالى لا يصلح الى أن يكون فقهاً  عصرياً وعملياً ودليلاً للمجتمع السياسى (مجتمع السلطه).

الميثاق..  وإذا أخذنا بفكرة الميثاق فنسأل أين الميثاق الذى صاغتهُ ثورة 23  يوليو فى مصر كتجربه جوارية لنا ؟؟ وماهى  الاسباب التى أدت الى سقوطهِ من قاموس  الديموقراطيه؟؟ فهو حاله وصفيه وتوفيقيه بين الحاكم والمحكوم ولا يقوم على صياغه قانونيه وليست ملزمه لاطراف المجتمع السياسى (مجتمع السلطه) . ولا ننسى ميثاق الامم المتحده . فالميثاق لا يحملُ فى ثناياه  إلا المبادىء  والمقاصد العامه والتى لا تُعير إهتماماً الى الجزئيات المجتمعيه فى نطاق الوحده السياسيه الواحده. والميثاق فى بنودهِ وفصولهِ  لا يحتملُ النص القانونى الضابط الذى يبحث  عنهُ المجتمع السياسى (مجتمع السلطه) . والميثاق يترك السلطه وكيفية ممارستها الى الذى قدم وصاغ الميثاق !! وهو أيضاً لا يشرح ولا ينص على  مرتكزات العلاقه الحقوقيه والواجباتيه لافراد المجتمع السياسى (مجتمع السلطه)، والميثاق فى فلسفة قيامهِ ونشأتهِ غير ملزم  لاطرافهِ بالرغم من الحاجه الى التوقيع عليه او المصادقة عليه ، والشعب يُقر ويختار من خلال نفسهِ او من خلال موكلهِ ولا يوقع  ولا يُصادق على مصيرهِ وتوجهاتهِ وخياراتهِ .       

النظام الاساسى.. النظام الاساسى للدوله وصف للقواعد الاساسيه لهوية  النظام   المؤسسى  للدوله ، وهو تعبير يشير الى هوية النظام السياسى ولا يُشير الى   منظومة العلاقات المختلفه التى تحكم   أعضاء المجتمع السياسى (مجتمع السلطه) . فالنظام الاساسى  للدوله قد يكون جماهيرياُ وقد يكون سُلطانياً او ملكياً  اوجمهورياً  أو إشتراكياً أو ليبرالياً. فالسلطه وكيفية ممارستها  مثلاً لها نظامها الخاص بها ، وقد يشيرُ الى  درجة ديموقراطية النظام إن كان  يعتمد على الديموقراطيه المباشره او غير المباشره او شبه المباشره . ومن هنا هناك جمله من المحاذير المفاهيميه لتوظيف هذا المصطلح لجعلهِ عنواناً لاي صيغة قانونيه أو فقهيه أساسيه لخيارات وتوجهات هذا الوطن . النظام الاساسى   لايسبق الصيغ الفقهيه، بمعنى القانون،   وإنما يأتى بعدها ليفسرها ويشرحها   ويُعطيها ُأطرها العمليه القابله للاستمرار والقبول العام لدى العامه والخاصه ، النظام الاساسى بعد أن يؤسسهُ القانون الاساسى. 

القانون الاساسى  للدوله الليبيه.. نحن هنا فى ليبيا لا نفتقر الى القانون وتعدديتهِ ولا نفتقرُ الى الاعلانات والمواثيق العهديه ولا نفتقرُ الى الدساتير وأيضاً لا نفتقر الى آليات العمل المؤسسى والسياسى والمجتمعى ، فتجربة  هذا الوطن غزيره ولا يحتاج الى تعقيد توجهاتهِ وخياراتهِ. فهذا الشعب وفى تطورهِ يحتاجُ الى من يصيغ لهُ تراثه السياسى وتجاربه بدءً  من معارك جهاده ِ  وثوراتهِ وإعلاناتهِ ووثائقهِ ومرجعياتهِ الفكريه وتاريخهِ وتضحياتهِ. إذًا نحن بحاجة الى لجنه صياغه لمثل هذه المهمه ولمثل هذه الكنوز التى يزخرُ بها هذا الوطن، ولسنا بحاجه الى من يقول لنا (حادى بادى) (دستور ولى قانون) ( عقد ولى مرجعيه) . لقد أنجز هذا الوطن الاطنان من القوانين والعديد من الاعلانات الفقهيه والمرجعيات الفكريه والتجارب العمليه لحياتهِ السياسيه ، وفى تجربة نصف قرنيه ،ألا من   الممكن إستخلاص  نتائجها والابقاء على كل ما يتسق مع واقع  حياة هذا الوطن. 

بمعنى أخر، أن القانون الاساسى يسبقُ النظام الاساسى  ، والقانون هو الذى يؤسسُ النظام العام ، مثلاً النظام الاقتصادى والنظام السياسى، بتفريعاتهِ التشريعيه والتنفيذيه والقضائيه ، والنظام الاجتماعى والنظام الثقافى ، بمعنى النظام الحقوقى والنظام الواجباتى لأطراف المجتمع السياسى (مجتمع السلطه) .    

إنهُ القانون الاساسى للدوله الليبيه الذى ينبغى أن ينعم به الشعب الليبى  والذى من المأمول أن يحوى توجهاثهِ وخياراتهِ   الواقعيه وليست الحلمولوجيه ، القانون الاساسى للدوله الليبيه ينبغى أن يجمعُ بين رؤى  ثقافية الدستور والمرجعيه والعقد الاجتماعى والنظام الاساسى  والميثاق فى وصفة جماهيريه مقنعه للحاضر والمستقبل . فمن القانون الاساسى  للدوله الليبيه ، بمعنى القانون الدائم،  تتشعب منهُ وتمتد عبرهُ منظومة القوانين اليوميه لأعضاء المجتمع السياسى ( مجتمع السلطه) ، ومن هنا تتحقق مقولة أن الشعب هو الذى يصنعُ القانون وينفذ القانون وهو الذى يُعدل القانون إذا ما راى  ذلك !! وإذا تحقق القانون الاساسى  للدوله الليبيه فهذا إنتصار لدولة القانون وأن القانون فوق الجميع   وهو إنتصار لقانون القضاء واستقلالهِ . بذا تتحقق دولة العدل لأن القانون صيغ وخُلق بارادة أعضاء المجتمع السياسى (مجتمع السلطه) .

فهذه المرحله التى تعيشها   المواطنه فى ليبيا فى أمس الحاجه الى صياغة قانونها الاساسى، أم القوانين،وهو أيضاً قانون الواجبات والحقوق،  ضماناً لأستمرار موروثها السياسى والاقتصادى والاجتماعى والثقافى ، ذلك القانون ينبغى أن   لا يتجاوز قواعد الحريه والعدل والمساواه  والشورى   ومبادىء تكافؤ الفرص ، ويضمن مظاهر السياده العامه والسياده الخاصه ويحميها  لأعضاء المجتمع السياسى (مجتمع السلطه). والقانون الاساسى للدوله الليبيه معنى بحسم  مسألة السلطه وحدودها ومن حيث التشريع والتنفيذ والتقاضى  فى أزمنة الاختلاف والثروة والسلاح فى أزمنة الحرب والسلم .    

والقانون الاساسى  للدوله الليبيه لابد لهُ من كيان يحميه ويفسرهُ فى حالة الاختلاف  ووقوع  أمر الطغيان الواقع وفى حالات الانحراف والتجاوزات . إنه الكيان القانونى الذى سوف يحمى   راس الدوله وقاعدتُها  ووسائطها ويضمن أدائها وديمومتها ويحمى أمنها وسيادتها ويعمل على توطين القادم  محل الحاضر من الاجيال، فالقانون الاساسى للدوله الليبيه فى هذا السياق يحتاج الى محكمة أساسيه عُليا لا تختص إلا بهِ ورعايتهِ، ككيان  قانونى وقضائى أعلى  وتفسيراته للقانون الاساسى للدوله الليبيه ملزم  لأعضاء المجتمع السياسى (مجتمع السلطه) .        

وعود علي بدء ليس من مخرج للاوضاع المأسويه في ليبيا إلا اختيار احدي الخيارات السابقة الذكر والتي تؤسس لمدخل نهائي للانقضاض علي التناقضات والاختلافات وتسويفات الحوار.

وهذه المطالعه لا ندعى من خلالها الدراية الكامله لكيفية الاجتهاد فى الصياغه الفقهيه للوثائق العهديه ، ولكن ما اثارنا هو طبيعة الجدال الذى يصاحب مناقشات ومدوالات أعضاء لجنة الدستور في ليبيا ، وعدم إتفاق تلك اللجنه على مسودة المصطلحات المفاهيميه للعمل  ، وسوف يظل راينا  الاخير فى هذه المطالعه مجرد محاوله توفيقيه للجمع بين ما  هو مفيد لهذا الوطن وواقعيته السياسيه التاريخيه ، والامر قد يكون من حُسن أو سؤ الطالع  .   


الاراء المنشورة ملزمة للكاتب و لا تعبر عن سياسة البوابة