كانت ليبيا قبل  إسقاط حكم العقيد القذافى فى 2011 تمتلك ما يقارب 100 مليار دولار كإحتياطى فى مصرف ليبيا المركزى ويعمل بها 10 مليون عامل اجنبى إضافة إلى الاستثمارات الخارجية التى تقدر بأكثر من 200مليار دولار وانتاج نفط يقدر بحوالى 1.7 مليون برميل يوميا  ، واليوم بعد أكثر من 9 سنوات من إسقاط نظام العقيد القذافى تعيش ليبيا فى أوضاع غير مستقرة توصف الآن بالحرجة بعد تحولها إلى ساحة للصراع الدولى والاقليمى .

مشهد قاتم 

فشلت كل المحاولات الدولية والاقليمة فى وقف الحرب فى ليبيا وهذا بسبب عملية التغير العنيفة التى قام بها حلف الناتو والولايات المتحدة الامريكية فى اسقاط نظام العقيد القذافى والتى كانت أشبه بنظام السلخ ، فالبلد كان لا يوجد به أى مؤسسات قادرة على قيادة المرحلة الانتقالية وهذا ما تجاهلته هذه القوى التى قامت بعملية التغير 

بلد مقسم الى نصفين بسبب الثروة

لقد أدى التدخل العنيف من قبل الناتو وأمريكا فى ليبيا عام 2011 إلى وجود طرفى نزاع لا يحمل أحدهما أى حل لليبين طرف يدعى أنه يدافع عن الحرية والديموقراطية بقيادة حكومة الوفاق فى غرب ليبيا والاخر فى شرق ليبيا يمثله المشير حفتر الذى يدعى انه يحارب الارهاب وتحرير البلاد وتوفير الامن لليبين، حيث  يتناحر الطرفان على الثروة منذ2014 ، والثروة ممثلة فى ليبيا فى ثلاث مؤسسات (مصرف ليبيا المركزى ، المؤسسة الوطنية للنفط، المؤسسة الليبية للاستثمار) وكلها تدار بإشراف من القوى التى اطاحت بنظام القذافى وفى نفس الوقت هى تمول طرفى النزاع بالأموال ،تقول جريدة أويل برس أن القوى العظمى قد تقبل بليبيا مقسمة جاء هذا الكلام بعد أن تلقت قوات الجيش الوطنى الليبى هزيمة ساحقة فى غرب ليبيا خسرت فيها اجزاء واسعة من الارض كان آخرها قاعدة الوطية التى تعد ثانى أكبر قاعدة فى شمال افريقيا

الصراع على الثروة

أدى الصراع على الثروة فى ليبيا الدولة المصدرة للنفط إلى افقار العديد من السكان وفرار الالاف منهم الى المخيمات مثل مهجرى تاورغاء وسكان من احياء العاصمة طرابلس وخسارة أكثر من 20مليار دولار بسبب اغلاق الحقول النفطية وارتفاع معدلات الجريمة والفساد وأهمال جنوب البلاد الذى سقط من ذاكرة حكام ليبيا الجدد ، الان البلد يدار من خلال حكومتان ومجموعات مليشاوية حكومة الوفاق فى غرب ليبيا وقوات الجيش الوطنى فى شرق ليبيا ولدى كل منهما عملة ومصرف مركزى ومؤسسات مستقلة

ممثلين للخارج 

يمثل السيد السراج القوى العظمى فى ليبيا وبعض الدول الاقليمة كتركيا والجزائر وتونس والمغرب لكن على الرغم من ذلك فشل السيد السراج فى السيطرة على البلاد وعجز عن توفير الامن والقضاء على الفساد وإقامة مؤسسات الدولة مما حفز الجنرال حفتر إلى  لعب دور منقذ البلاد من الفوضى  وقام بشن عدة هجمات عسكرية لإستعادة العاصمة لكنها كلها باءت بالفشل حيث تقهقرت قواته فى غرب ليبيا إلى مدينة ترهونة بعد خسارته لقاعدة الوطية 

المشهد قبل تدخل الاطراف الاقليمة

سيطرت قوات الجيش الليبى الوطنى على الحقول النفطية ومحطات التصدير فى شرق ليبيا والتى أدت إلى حرمان حكومة الوفاق من عائدات النفط وأدى ذلك إلى تراجع الانتاج من 1,7 مليون برميل ألى 350ألف برميل الامر أدى ذلك إلى عجز فى ميزانية حكومة الوفاق خلال عام 2019 إلى 10مليار دولار، ولقد وصل الصراع الى زورته مع ظهور اكتشفات النفط الضخمة فى شرق المتوسط ، الامر الذى دفع تركيا الى التدخل فى الشأن الليبى  نتيجة عدم وجود الغاز على سواحلها ووقعت اتفاقية تاريخية مع حكومة الوفاق للدفاع المشترك مما أغضب النظام المصرى الذى يعادى الظام التركى منذ 2013بسبب جماعة الاخوان المسلمين 

حلفاء رغم الخلاف

اتفقت مصرورسيا وفرنسا والامارات والسعودية على تقديم الدعم للجنرال حفتر عن طريق قاعدة سيدى برانى غرب مصر فقد عملت روسيا خلف الكواليس على التوفيق بين الجنرال حفتر وقادة سابقين من نظام العقيد معمر القذافى للعمل تحت قيادته كما دعمت الجنرال بقوات فاجنر الروسية على الجانب الاخر سوقت مصر والسعودية والامارات للجنرال حفتر لدى الادارة الامريكية بأنه الرجل الاقوى والذى يمكن الاعتماد عليه فى ظل ضعف حكومة الوفاق التى يسيطر عليها اسلاميين متطرفين حسب وصفهم ، وتقول صحيفة الواشنطن بوست أن مستشار الرئيس الامريكى جون بلتون له دور كبير فى اعطاء الضوء الاخضر للجنرال حفتر بالهجوم على العاصمة طرابلس

عقاب روسيا للجنرال

زاد التوتر بين روسيا والجنرال حفتر عندما حاول الجنرال تجاهل المستشارين فى ادارة المعارك واخفاء بعد المعلومات عن قوات فاجنر والانفراد بالقرار العسكرى زاد التوتر   عندما رفض الجنرال حفتر طلب موسكو توقيع هدنة مع الاتراك كانت ترغب فيها موسكو  ، لانه كما يقول احد الخبراء الروس رفض ذكر اسمه أن لايوجد خلاف بين موسكو وانقرة حول الطاقة فى ليبيا ،حيث كان العقاب ان موسكو رفضت دعم الجنرال فى الهجوم الاخيرعلى طرابلس العاصمة وحذرت الجنرال حفتر من خطورة هذا الهجوم لكن عناد الجنرال دفعه الى طلب دعم جون بلتون الذى له مواقف متشددة من الاسلام السياسى ، دخل الجنرال حفتر الحرب على طرابلس منفردا ومستندا على ضوء اخضر من بلتون والطيران الاماراتى الذى لم يحدث خسائر سوى فى صفوف  المدنيين ، وحرب خسر فيها 7 مدن وقاعدة الوطية وحصاره فى مدينه ترهونة اخر معاقله فى ليبيا بعد مطار طرابلس العالمى .

بلد يدمر من أجل الثروة

لم يتوقع حلفاء الجيش الوطنى الليبى حجم الهزيمة الساحقة التى لها فى غرب ليبيا حيث يقول الخبراء ان هذه الهزيمة قلصت فرص السلام بين اطراف النزاع وأحدثت نوعا من الخلل فى ميزان القوى الأمر الذى دفع حلفاء هذه الاطراف الى استعراض القوى العسكرية فى ليبيا بشكل يدعو للقلق فبعد تدمير قوات الوفاق لنظام الدفاع الجوى الروسى بانتسير فى قاعدة الوطية بعد الاستيلاء عليها بدعم تركى ونشر  تركيا لنظام كورال للدفاع الجوى وتمركز المدمرات التركية بجوار المدمرات الايطالية فى شمال مصراتة والتى تعد غرفة العمليات الاساسية لقوات حكومة الوفاق وامراء الحرب فى ليبيا وتسير تركيا لاكثر من 20 رحلة جوية خلال شهر مايو 2020 لطائرات لوكهيد العسكرية  العملاقة الى مطار مصراتة ، دفع هذا الامر  الروس الى تزويد الجيش الوطنى الليبى بأسلحة جديدة تدخل ليبيا لأول مرة متمركزة فى قاعدة الجفرة  حسب صور جوية لقوات الافريكوم ، المثير أن تدفق  هذا الكم الهائل من السلاح لاطراف النزاع المتناحرة فى ليبيا يتم تحت أعين القوى الدولية التى تسيطر على سواحل وسماء ليبيا 

ليطرح الجميع سؤلا من الهدف الذى وراء استمرار الصراع فى ليبيا الدولى والاقليمى هناك عدة سيناريوهات 

السيناريو الاول: هو استمرار الصراع فى البلاد حتى يتم تدمير واسع للبنى التحتية الاساسية من اجل رفع تكلفة الاعمار التى ستقوم بها شركات القوى التى ساهمت فى اسقاط نظام القذافى

السيناريو الثانى: تقسيم البلاد الى ثلاث دويلات متناحرة 

السيناريو الثالث : هو استخدام ليبيا كمطرقة للفوضى من زعزعة استقرار دول جوار ليبيا والساحل والصحراء التى اغلبها دول هشه

السيناريو الرابع : هو نشوب حرب إقليمة طاحنة  على الاراضى الليبية تكون مصر طرف فيها مع روسيا والامارات بدافع حماية امنها القوى بعد التدخل التركى فى ليبيا وسيطرته على اغلب غرب ليبيا، لكن الروس ليس لديهم القدرة الاقتصادية  فى شن حرب اخرى ليبيا خاصة انها تعانى من ارتفاع تكلفة الحرب الباهظة فى سوريا ولذلك سيكون تكلفة الحرب هذه المرة مموله من الامارات والسعودية وهذا السيناريو الاقرب

الحل فى ليبيا يمكن فى هدنة طويلة ثم خريطة طريق لاقامة نظام فيدرالى يضمن التوزيع العادل للثروة على الاقليم الثلاثة لان عودة ليبيا كدولة مركزية مرة اخرى امر يحتاج الى معجزة.  

Email:[email protected]

الاراء المنشورة ملزمة للكاتب و لا تعبر عن سياسة البوابة