حميد زناز

مع الأسف لم أمارس حقي الانتخابي يوم 12 جوان المنصرم  في الانتخابات التشريعية المسبقة التي فرضها النظام لإكمال أجندته المرفوضة من قبل أغلبية الشعب الجزائري.  لم أشارك   كالعادة لأسباب كثيرة أوجزها في النقاط التالية :

لم أنتخب.. لأنني لا يمكن أن أعترف بشرعية اقتراع  يرفضه الشعب في أغلبيته. كيف أنخدع بانتخابات صورية لا شرعية سياسية أو أخلاقية لها، الهدف منها فبركة برلمان بأي ثمن ليكون درعا تشريعيا تتخفى من ورائه مجموعة مصالح تريد الاستمرار في حكم البلد والعبث بمقدراته

لم أنتخب.. لأنني لا أرغب في تزكية مرشحين اختارتهم سلطة الأمر الواقع بعناية من صفوف الحرس القديم و هواة الامتيازات. وحتى وإن أردت المشاركة فهل هو اختيار حر حينما أجد نفسي أمام قوائم أحرار مزيفين و أحزاب إسلامية تضم انتهازيين إسلاميين كانوا من المصفقين لبوتفليقة طيلة عشرين سنة كاملة عبث فيها بالبلد و مستقبله ودعموا حتى عهدته الخامسة التي أجهضتها انتفاضة 22 فبراير  2019

لم أنتخب.. وحتى وإن أردت فعلى أي أساس أختار؟  فلا أحد من هؤلاء المرشحين يملك رؤية علمانية حداثية..  نصفهم بلا هوية سياسية أو فكرية، يبحثون عن الراتب فقط.. ونصفهم الآخر من الاسلاميين الانتهازيين المنادين بتطبيق الشريعة.

لم أنتخب .. كي لا أعطي تزكية مجانية لنظام حكم لم ولن يستطع هضم فكرة التداول على السلطة لأنه يعتبر الجزائر غنيمة له وحده، هو الذي جعل منها مزرعة خاصة منذ الاستقلال

لم أنتخب.. حتى لا أساند وليمة انتخابوية بحتة لا تروم الانتقال إلى نظام ديمقراطي بقدر ما ترسخ سلطة النظام الحاكم الواقف حاجزا منيعا أمام تطور البلد. لا أبذّر صوتي وأرميه في صندوق فخ نصب للمغفلين بغية استنساخ النظام الذي نهب خيرات البلد وحرم الجزائريين من الحرية ومتعة العيش طيلة 59 سنة

لم أنتخب.. كي لا يختلط صوتي بصوت الإسلامويين الذين لا يتوانون في إظهار كرههم لكل ما هو حداثي وعلماني ويطالبون جهارا نهارا بتطبيق حد الردة على المفكرين والمناضلين. لا أقبل أن يكون صوتي مساويا لصوت "إرهابيي" الجيش الإسلامي للإنقاذ صاحب المجازر إبان العشرية السوداء

لم أنتخب.. لأن السجون مكتظة بسجناء الرأي الذين اعتقلوا بسبب رفضهم للنظام اللاديمقاطي القائم وضد اغتصاب الإرادة الشعبية من خلال تنظيم انتخابات تشريعية غير مجدية يراد منها فقط إيجاد حل سريع مؤقت لأزمة النظام وشرعيته لا لحل مشاكل الجزائر الحقيقية

لم أنتخب.. لأنني لا أرغب في القيام بدور ممثل مضحوك عليه في مسرحية تغتصب فيها الديمقراطية وحقوق المواطن. أريد للجزائر نظاما سياسيا عصريا، علمانيا، يتساوى فيه النساء والرجال ولا تخصص مكاتب للنساء في عملية الاقتراع.

لم أنتخب .. لأن النظام أبعد المعارضة و خصومه السياسيين الحقيقيين من الحياة السياسية و فتح المجال أمام معارضة حزبية صورية و لكل من هب و دب ليكون الجميع لعبة طيعة بين يديه. ما معنى انتخابات لا يشارك فيها حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وحزب القوى الاشتراكية والحركة الديمقراطية والاجتماعية  وحزب العمال ؟

لم انتخب .. لأنني لا أريد المشاركة في اقتراع تنظمه سلطة تتشدق بمحاربة التطرف الاصولي و استغلال الدين لأهداف سياسية وهي تمارسه في وضح النهار و تنشر عبر وسائلها الاعلامية بين الشباب فكرة "مثالية الدولة الاسلامية"  على الطريقة الاخوانية و تستعمل ائمة و دعاة يأتمرون بأوامرها لجذب بعض السذج الى صفها، يصدرون فتاوى تحرم الخروج عن طاعة الحاكم حتى و إن كان ظالما

لم أنتخب..و لا ضمانات كافية قدمها قانون الانتخابات الجديد لإجراء انتخابات حرة و نزيهة و حتى و إن كانت شفافية فلن يستطيع البرلمانيون المنتخبون فعل أي شيء لأن الدستور يعطي الصلاحيات كلها للرئيس

لم أنتخب..و السلطة مهيمنة هيمنة كاملة على جل وسائل الاعلام و تقمع الصحافيين الذين يغطون مظاهرات الجزائريين و تزج ببعضهم في السجون

لم أنتخب.. لأن حزب النهضة الإسلامي في احتقار كامل للقوانين والأعراف الانتخابية الجزائرية أظهر على ملصقاته الإعلانية الآنسة "ق. ل" مرشحة كالشبح لا وجه لها ولا اسم. حزب مازال يؤمن ليس بأن صوت المرأة عورة فحسب  بل و صورتها أيضا  . كيف أنتخب والشعبوية الدينية الرسمية تدفع بوزير الشؤون الدينية والأوقاف السيد يوسف بلمهدي الى القول دون أدنى تحفظ أو تعقل بأن " تارك الانتخابات كتارك الصلاة كلاهما سيحاسب حسابا عسيرا." 

لم انتخب .. لأن البرلمان في بلدي  لم يكن له يوما  ادنى تأثير في الحياة السياسية بل هو مجرد علبة بريد تصلها قوانين يصادق عليها أشباه نواب   جيء بهم ليباركوا ما تقول السلطة التنفيذية مقابل الاستفادة من الريع . و هذه الانتخابات لا تؤدي الى التغيير المأمول الذي اندلعت من أجله ثورة الابتسامة  يوم 22 فبراير2019 . 

كيف لي أن انتخب وفي الجزائر شبه حالة طوارئ فكل الساحات العمومية موصدة في وجه المتظاهرين المطالبين بتغيير ديمقراطي حقيقي. 

لماذا انتخب و رئيس الجمهورية قد أكد منذ شهور أنه مهما كانت نسبة المشاركين في الاقتراع ضعيفة، فإن ذلك لا يمنع من إعلان النتائج الرسمية. و هو ما حصل بالفعل في هذه الانتخابات إذ قاطعها حسب اعتراف النظام ذاته 70 % من المسجلين الا أن الحقيقة أمرّ من ذلك فكل التقديرات تقول أن النسبة تجاوزت 80%! أيعقل أن تكون نسبة المشاركين 14 % على الساعة الرابعة و تصل بقدرة قادر إلى 30 %  مع نهاية الاقتراع، في حدود الساعة الثامنة؟