حميد زناز

يعود صعود الإرهاب في الغرب في جزء كبير منه إلى عدم القدرة على فهم  الغربيين للظاهرة. إن استحضار المفكرين والسياسيين الغربيين لمقولات مثل حقوق الإنسان والعلمانية والحرية الدينية ، فضلاً عن اعتبار الإرهابيين مرضى نفسيين ، كل هذا أدى إلى ظهور رؤية ضبابية وشبه متسامحة  مع الإرهاب الاسلاموي. لقد ساهمت هذه النظرة الغامضة و المتذبذة في تشجيع الأعمال الإرهابية. مرعب هذا التسامح من الغرب تجاه هؤلاء البرابرة الجدد الذين لا هدف لهم سوى تدميره ! 

أمام  ظاهرة الإرهاب الإسلاموي ، يواجه الغربيون أزمة نظرية ، بل عطالة معرفية،  لدرجة أن سبّب هذا الارهاب انشقاقات وسوء فهم داخل مراكز البحث وبين الباحثين والسياسيين. وكأن الافعال الارهابية الجهادية قد فاجأت هؤلاء الحالمين ، في حين أن الأمر كان واضحًا تمامًا منذ البداية بالنسبة للذين  لم تخدعهم التحليلات المواربة والأطروحات الديماغوجية والساذجة التي اقترحها 'المستشرقون الجدد' مثل جيل كيبيل وأوليفييه روي وفرانسوا بورغا وغيرهم.   

على الرغم من كل الهجمات والاغتيالات الاعتداءات المتكررة ، فإن قلة فقط من المعلقين و المحليين  قد فهمت أن التعصب الإسلاموي يؤدي حتماً إلى العنف الإرهابي. و ربما يعود ذلك العجز الى عوامل ثقافية تقف حاجزا امام القدرة على تصور عمل إرهابي تحت يافطة الدين بالنسبة لكثير من الاوروبيين.  و رغم كل ذلك، لقد فهم البعض المسألة جيدًا منذ البداية ، لكنهم فضلوا الانخراط في الخطاب المهادن السائد حفاظًا على مصالحهم الشخصية و تجنبا لشر اليسار المتطرف المتربص الشاهر لتهم  العنصرية و الاسلاموفوبيا و التحريض على العنف في وجه كل من تسوّل له نفسه الأمارة بالعلمانية و قيم الجمهورية و كل من يفضح تلك الروحانية القاتلة الوافدة. كثير من المؤلفين والباحثين الذي يكثرون من النشر حول مسألة الإسلام السياسي مصابون بالعمى و يضببون رؤية من يقرأ ما ينشرون . إنهم لا يجرؤون على طرح المشاكل الحقيقية ،  بل يفضلون المراوغة كما يفعل  اوليفييه روا حينما يعتبر هؤلاء الإرهابيين الإسلاميين عدميين جدد  مقارنة بالعدميين في الستينيات من القرن الماضي و اعتبار الامر مجرد أسلمة للتطرف وليس تطرفا إسلاميا ! 

في المانيا ، يبدو أن الامر قد حسم إذ ليس لدى السياسيين الألمان الذين يتعاونون مع الـــ 850 مسجدًا على اراضيهم أي فكرة عما يقال فيها. هذه المساجد لا تفعل شيئا من أجل إدماج المهاجرين فحسب بل  تكافح كل يوم ضد أي شكل من أشكال الاندماج. الخطاب الديني الرئيسي للأئمة في ألمانيا وفرنسا وبلجيكا أو في أي مكان آخر هو تحذير و تنفير المؤمنين المسلمين من أسلوب الحياة في الغرب. لا يزال الغربيون في اغلبهم يعتبرون الأصولية مرض الإسلام، ويحلمون بمعالجة تشدّد المتطرفين وإعادتهم إلى الطريق المستقيم من خلال تقديم نسخة الإسلام الحقيقي هم. لكن هل يوجد إسلام حقيقي ؟                                    

تتكاثر الجمعيات من أجل هذا العلاج المزعوم للمتطرفين و تحوم حول هذه التجارة المربحة و هي الجمعيات نفسها التي ساهمت بطريقة أو بأخرى في جعل الشباب من أصل إسلامي يكره الغرب وقيمه. إن عدم القدرة على رؤية الأسلمة القادمة لم يقتصر على الباحثين و المثقفين و الاعلاميين ، بل امتد حتى إلى السياسيين. فوزير الداخلية الفرنسي السابق جيرار كولومب الذي من المفترض أن يحمي المواطنين الفرنسيين لا يعرف أعداءهم ولا دوافعهم أو لا يريد أن يشير إلي ذلك  ! كيف يمكن أن يغيب عنه أن هؤلاء القتلة هم مقاتلون من أجل قضية وأن هدفهم سياسي - لاهوتي واضح: إقامة دولة إسلامية في جميع أنحاء العالم !                                                     

بعد مرور عشرين عاما على اعتداءات 11 سبتمبر 2001 ، ألم يحن الوقت للتخلي عن التشخيص البسيكولوجي ، عن  ايديولوجيا التحليل النفسي التي تبرر الشيء ونقيضه؟ الإرهاب ليس مرضا نفسيا يمكن علاجه تحليليا أو اكلينيكيا ، ورغم أنه انحراف ، إلا أنه ليس مرضا عقليا بالمعنى الصحيح للكلمة. الإرهابي لديه بنية ذهنية معينة ، وتكوين نفسي محدد ، وتصور لاهوتي للحياة ، ومن هنا تأتي صعوبة تصور علاج لهؤلاء الأفراد ، لأنه من الصعب تغيير نظرة الشخص الذي تم إيديولوجيته بدقة. هل كان النازيون مرضى أم مجرد مذنبين مثلا؟

الخطأ الفادح الذي ارتُكِب و يرتكب في فرنسا وفي جميع أنحاء الغرب هو عدم رؤية أو عدم الرغبة في رؤية الصلة الجوهرية بين الإسلام السياسي الذي يؤدلج في المساجد و المراكز الاسلامية والإرهاب الإسلامي الذي يترك القتلى في الشوارع و الكنائس.

الإرهابي ليس مجنوناً كما يعتقد كثير من الساذجين والسياسيين ، فهو مسؤول عن أفعاله الهمجية ويجب اعتباره عدواً للإنسانية والحضارة ، لأن عدم القدرة على فهم العدو وتسميته سيطيل من عمره و خطره. لا  يمكننا محاربة عدو إذا لم نؤمن بأنه عدو. لقد حذرنا ألبير كامو: "إن تسمية الأشياء بشكل سيئ يزيد من تعاسة العالم" لم ينصت اليه لا السياسيون و لا  المثقفون و لا  الإعلاميون في الغرب.

اذا كان صحيحًا أن الغربيين قد تحرروا من هيمنة الدين ولاعقلانيته منذ  قرنين على الأقل ، وأن نظرة جديدة للدين في فضاءهم العلماني قد أثبتت وجودها في أذهانهم وواقعهم ، فهم غالبًا ما يبتعدون عن الحقيقة عندما يعممون نظرتهم تلك على جميع الثقافات والأديان. إذا وسعنا التسامح اللامحدود إلى المتعصبين ، وإذا لم نكن مستعدين للدفاع عن مجتمع متسامح ضد تأثير غير المتسامحين ، كما قال الفيلسوف كارل بوبر ، فسننتهي بتدمير المتسامح والتسامح معا.