حميد زناز 

نزلت الايرانيات والإيرانيون مرة أخرى إلى الشوارع بالآلاف بعد مقتل الشابة مهسا أميني، البالغة من العمر 22 عاماً على يد شرطة الإرشاد او دورية الاخلاق أو بالأحرى اللأخلاق. وكالعادة كانت ردة فعل الملالي عنيفة راح ضحيتها العشرات من البريئات والأبرياء إذ لا ثقافة سياسية لدى السلطة الدينية سوى قمع المعارضين المطالبين بدولة حديثة بعيدا عن أحكامها القروسطية. يطالب أغلب الإيرانيون وخاصة الايرانيات بالدولة الحديثة التي لا تقتل فيها شابة في مققتبل العمر بسبب خصلة شعر هاربة من تحت حجابها المفروض بالقوة في إطار ما يعرف بقواعد الزيّ الإسلامي، التي تفرضها السُلطات الكهنوتية في إيران. 

في الوقت الذي تخلع فيه الايرانيات الحجاب المفروض وتحرقه في الساحات العامة احتجاجا على الظلم المسلط عليهن في بلاد الملالي، نجد بعض النساء في الغرب مدفوعات من قبل جماعة الاخوان المسلمين يطالبن بحق ارتدائه في المدارس والمؤسسات الحكومية وبعضهن يتقاضين راتبا لارتدائه واستعراضه في الشوارع بغية تعويد الغربيين على رؤيته ثم قبوله

قبل هذا، كان قد خرج الإيرانيون في مظاهرات عارمة مطالبين حكومتهم الكف عن تمويل الارهاب والبدء في تحسين ظروف حياتهم. ولكن في الوقت الذي يصرخ فيه المتظاهرون غاضبين: "اوقفوا حروبكم في الخارج"، "فكروا فينا"، لا يزال الملالي يتشدقون بشعارات فارغة " الموت لأمريكا " والموت لإسرائيل " متناسين أن الشعب الايراني قد أدرك أن اقتصاد بلده على حافة الانهيار جراء العقوبات المتتالية وانسحاب الشركات الاوروبية مضحية بالأسواق الايرانية كيلا تخسر الارباح الكبيرة التي قد تجني من الاستثمار في الولايات المتحدة الامريكية وغيرهالقد ملّ الايرانيون من تصرفات الملالي الغوغائية وعنترياتهم الفارغة وسيصلون حتما ، اليوم أو غدا، إلى عتبة فارقة تقصم ظهر النظام القروسطي.

تعيش إيران نفس الوضع الذي كان سائدا قبل ثورة 1979 التي قام بها الشعب بقيادة اليسار واختطفها الخميني بمباركة من بعض الغرب لقطع الطريق على القوى التقدمية بقيادة حزب تودة الشيوعي. ومثل اليوم كان يشعر الايراني أنه فقير يعيش في بلد غني وهو نفس الدافع الذي يجعل الايرانيون يتظاهرون رغم القمع الشديد، فليس لهم ما يخسرون فهم يعرضون أنفسهم لخطر الموت إعداما حينما يهتفون في كل مناسبة بموت مرشد الثورة خامينيي.  

انطلقت ثورة 1979 بنزول التجار إلى الشارع للاحتجاج على الاوضاع الاقتصادية السيئة وتم على إثرها الاطاحة بالشاه. وهي نفس ظروف اليوم إذ في سنة 1979 كانت ثورة من أجل "الخبز والرفاه والحرية" ولكن تمر 43 سنة ولا خبز أكثر ولا رفاه ولا حرية في البلد بل ازدادت الامور سوءا. ولئن كان نقد الحكومة في زمن الشاه يعتبر جريمة، فاليوم يعتبر إثم وخطيئة ومعصية  .

لقد استبشر الايرانيون خيرا حينما رفعت العقوبات على بلدهم سنة 2015 وامتلأت خزائن الحكومة الأصولية بملايير الدولارات ولكن في الوقت الذي كانوا ينتظرون فيه تحسن حالتهم المعيشية جراء هذا التدفق المالي الكبير وإصلاح البنية التحية المهترئة في بلدهم، راح الملالي يبذرون أموال الايرانيين في تمويل الارهاب الدولي واحتلال سوريا ودعم بشار الأسد وعصابات حزب الله والحوثي

يمر الاقتصاد الايراني اليوم بمرحلة يرثى لها: ازدياد نسبة الفقر إذ يعيش الآن ما بين 30 و50٪ من الإيرانيين تحت خط الفقر ، نسبة البطالة بين الشبان 25%. وبغض النظر عن كل العوامل الخارجية الكابحة، فمهما كانت نية الاصلاحي حسنة، فلا يستطيع أحد ضمان تنمية اقتصادية حقيقية في إيران نظرا للخطوط الكثيرة الحمراء التي وضعتها الدولة "الثورية". وقد فشل نظام الملالي فشلا ذريعا غي ادماج اقتصاد الجمهورية الاسلامية في الاقتصاد العالمي لعدم قدرة الملالي على احترام القواعد المالية الدولية وعلى الخصوص مسألة تمويل الحركات الارهابية.

لم تعد حيلة تحطيم اسرائيل تنطلي على الايرانيين منذ زمن طويل، وقد أدركوا مبكرا أن حمى التسلح والتلويح بالحرب وخلق النزاعات الطائفية في بلدان الجوار وفي الخارج عموما لا تزيد سوى من تدهور الحالة المعيشية داخل إيران. و رغم ادعاءات الحكومة و إعلامها، فالإيرانيون يعيشون الازمة من الداخل ويلاحظون تدهور قيمة عملتهم الوطنية إلى مستوى خطير جدا أمام الدولار الامريكي . ويبقى عدد البطالين مرتفعا جدا، والتجار لا يحصلون على العملة الاجنبية التي يحتاجون. وبسبب عدم التسيير العقلاني للجفاف المستمر منذ 50 سنة، أصبحت المياه نادرة سواء للشرب أو للري ولم يعد في استطاعة الفلاحين الانتاج بوفرة لتغطية احتياجات المستهلكين. وعلاوة على عزلته الداخلية، فهذا النظام مبرمج إيديولوجيا ليعادي أهم القوى في العالم: الولايات المتحدة الامريكية، السامية، العرب، والغرب كله. ولم يبق للجمهورية الاسلامية من الاصدقاء سوى التابعين والمرتزقة كحزب الله في لبنان ونظام بشار الاسد والحوثيين وبعض الجماعات العراقية. 

ولكن إلى متى يستمر هذا النظام الغريب عن العصر في الاستهتار بمقدرات الشعب الايراني والعبث بمستقبله؟  كيف سيتعامل هذا الشعب المنكوب أمام هذا الانسداد المتعدد ؟ هل سينتفض انتفاضة نهائية ضد العصبة الحاكمة؟ 

مع تنصيب ابراهيم رئيسي القريب جدا من الحاكم الفعلي غير المنتخب علي خامنئي رئيسا في انتخابات رئاسية مفبركة، كان نظام الملالي يظن بأنه أحكم قبضته الفولاذية نهائيا على مقاليد الحكم في إيران.  ولكن مع ظهور ووعي هذا الجيل الجديد المنفتح على العالم والذي ليس له ما يخسر سوى أغلاله، تشير كل الدلائل إلى إمكانية حدوث تمرد قطاعات واسعة من الشعب في أية لحظة قد تعصف بالنظام، فالميدان جاهز والانزعاج عميق ولا ينقص سوى تحالف المحرومين والطبقة المثقفة لتنطلق حركة شاملة كما حدث سنة 1979 قد تحرر هذه المرة الشعب الايراني نهائيا من تحت نير الاستعمار الاصولي وأضحوكة ولاية الفقيه.