مصطفى حفيظ

لماذا تخلت جبهة القوى الاشتراكية "الأفافاس" عن مساندة الحراك الشعبي، وأعلنت مشاركتها في الانتخابات المحلية التي ستنظّم في الجزائر شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل؟ هل هي صفقة مع السلطة؟ أم من أجل الوحدة الوطنية مثلما صرّح مسؤولو الحزب لوقف مشروع "حركة الماك" الانفصالي؟ هل ما زال الأفافاس متجذّرا في منطقة القبائل؟ كيف سيقنع الناخبين بضرورة المشاركة في منطقة شهدت على مدار السنوات الأخيرة نسبة مشاركة قاربت الصفر بالمائة؟ أم أنها محاولة من أعتى حزب معارض للسلطة في الجزائر لقياس مدى شعبيته في المنطقة؟ أليست مشاركته في الانتخابات هي بمثابة خروج عن تاريخه السياسي المعارض خاصة في منطقة القبائل؟       

إلى وقت قريب، لم يكن الأفافاس، وهو الحزب الوطني المعارض منذ تأسيسه على يد المجاهد والقيادي في الثورة الجزائرية حسين آيت أحمد سنة 1963، يعترف بمصداقية انتخابات تنظمها السلطة بحجة عدم توفيرها لشروط سياسية ترقى لطموحات وآمال الحراك الشعبي، كما أنه رافق مسيرات هذا الحراك منذ فبراير/شباط 2019 حتى آخر مسيرة في ماي من السنة الجارية، فمثلا، لم يشارك أو يدعم الانتخابات الرئاسية التي نُظّمت في ديسمبر/كانون الأول 2019، والتي أوصلت الرئيس الحالي عبد المجيد تبون إلى رئاسة الجمهورية، كما قاطع بعدها استفتاء تعديل الدستور في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، ثم قاطع الانتخابات التشريعية في جوان/يونيو 2021، وكانت مبرراته في كل مرة بأن السلطة لم توفر مناخا مناسبا ونزيها للانتخابات، كما أن خلال فترة الحراك، كان الحزب مساندا لمعظم مطالب المتظاهرين، باستثناء تصريحاته التحذيرية قبل التشريعيات بشأن وجود أصوات وممارسات في الحراك الشعبي وعلى مستوى السلطة "يمكنها أن تؤدي بالجزائر للهاوية وتكرار سيناريوهات سنوات ماضية"، وكان أمينه الوطني يوسف أوشيش يقصد دون شك، اختراق الحراك من طرف حركتي رشاد والماك من جهة، ووجود أطراف في السلطة، ربما بقايا العصابة من نظام الحكم السابق، كانت تدفع إلى المواجهة بشكل ما، لأن سيناريوهات السنوات الماضية تعني العودة إلى سنوات التسعينات وهي فترة الإرهاب في الجزائر، ويتّضح من ذلك، أن الحزب كان قد فهم خيوط اللعبة التي كانت تسنج من جهات لم يعجبها عفوية وسلمية المسيرات الشعبية باسم الحراك، ولعل هذه كانت أقوى حجة للحزب كي يعلن مشاركته الآن في الاستحقاق المقبل يوم 27 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. 

قد يكون الأفافاس عقد صفقة مع السلطة، مثلما يرى البعض، لأن الأكيد بحسب العارفين بجبهة القوى الاشتراكية في تاريخها السياسي، أنها حزب يحسب خطواته جيدا قبل دخول أي سباق انتخابي، وأحيانا يعقد صفقات مع السلطة لأهداف تخدم الحزب والسلطة معا، أو أن يكون الواجب الوطني أقوى نداء، خاصة إذا تطلبت الأمور ضرورة قيام الطبقة السياسية بدورها من أجل المصلحة الوطنية، وتكون الجبهة (الأفافاس) قد اتفقت مع السلطة لتمرير الانتخابات في منطقة القبائل خاصة، ربما لأن الظرف الحالي يتطلب ذلك، كما أن الحزب، هو أقوى حزب من حيث الانتشار والتجذّر في الجزائر بعد حزب جبهة التحرير الوطني، لكنه أكثر حضورا في محافظات القبائل، وهي تيزي وزو، بجاية، وبعض الدوائر بولايات البويرة، برج بوعريرج وسطيف، إذن، قد تكون الصفقة هي أن يشارك الحزب في الانتخابات، والمقابل هو حصوله على حصته من المجالس البلدية والولائية، ولكل أهدافه طبعا، فالسلطة همّها هو محو تلك الصورة الملتصقة بالمنطقة وهي نسبة مشاركة ضئيلة تقارب الصفر بالمائة في غالب الأحيان ومعظم المواعيد الانتخابية، ومحاربة مشروع "الماك" الانفصالي هناك، وهمّ الأفافاس هو قياس مدى شعبيته في المنطقة بتسجيل حضوره من جديد في المجالس المنتخبة، والعودة بقوة، والوقوف في وجه محاولات المساس بالوحدة الوطنية، لأن أي تغلغل للماك في المنطقة يعني بالضرورة خسارة الحزب لأنصاره.

وبرغم اعترافه بعدم توفر شروط الانتخاب النزيه، أعلن مشاركته مجددا في العمل السياسي، ويعني ذلك أن حساباته السابقة عندما كان يدعم الحراك ويقاطع العملية السياسية لم تعد تجدي في الوقت الراهن، وحسب تصريحات قيادته، فقرار المشاركة في الانتخابات المحلية، هو خيار استراتيجي تمليه اعتبارات سياسية وطنية، فالحزب بحكم كونه ذو توجه وطني، قال إنّ الانخراط في الاستحقاق المقبل تفرضه المسؤولية اتجاه الوطن والوحدة الوطنية، ومما لا شكّ فيه، فإن الأفافاس يكون قد قرر المشاركة أولا، انخراطا في التوجّه العام للطبقة السياسية الجزائرية التي تبنّت خطاب السلطة فيما تعلق بالوقوف ضد محاولات المساس بالوحدة الوطنية والترابية للجزائر، وثانيا، فيما يخص الموقف اتجاه المغرب، واتجاه حركتي الماك ورشاد باعتبارهما منظمتان ارهابيتان تهددان الدولة الوطنية، فقد كان واضحا وهو أن الحزب رفض تدخل المغرب في الشأن الجزائري واعتبر قطع العلاقات معها قرارا منطقيا، وندد بمحاولات المساس بالوحدة الوطنية واعتبرها خطرا أحمرا، تعقيبا على تصريحات ممثل المغرب بالأمم المتحدة، ومعروف عن الأفافاس تفريقه بين العمل السياسي في المعارضة وبين وقوفه إلى جانب الدولة الوطنية عندما يتعلق الأمر بحماية السيادة الوطنية أو وحدة الشعب الجزائري، ولعل هذا ما جعله يقف ضدّ المشروع الانفصالي لما يعرف بـ " حركة استقلال القبائل - الماك "، لأنه يرفض مساعي "تفتيت هذه الأرض المقدسة" كما قال أمينه الوطني.  

إذن، خشية الأفافاس الكبيرة هي أن يتمكن "الماك" بشكل ما من التغلغل في منطقة القبائل، مع العلم أن الحزب أكثر تجذّرا فيها منذ الاستقلال، وكان تقريبا يفوز في الانتخابات المحلية بحكم أنصاره وقواعده النضالية هناك، لكن اليوم، ومع تغير الظروف، فمهمته الأساسية هي اقناع الناخبين أولا بجدوى الانتخابات في حد ذاتها، ثم ثانيا، إقناعهم بالتصويت لصالحه، والمعروف بأن المواطن الجزائري عامة، وبالأخص في منطقة القبائل، أصبح لا يثق في المجالس البلدية بحكم سوء تسييرها السابق للبلديات واهمالها لمصالح المواطنين، وأيضا استفحال ظاهرة المقاطعة للانتخابات بشكل عام، والسبب هو الحراك الشعبي طبعا، لذك تعدّ مهمة إعادة الثقة للمواطن، وخاصة من معتنقي فكرة استمرارية الحراك لقلع جذور "العصابة"، واقناعه بضرورة المشاركة في الانتخابات، أمرا شبه مستحيلا، فالأسباب كثيرة، لكن أبرزها اختراق الحراك من حركتيّ "الماك ورشاد"، وهما طبعا، مشروعين لا يصبان في مصلحة البلد، لكون الأول انفصالي هدفه التقسيم، والثاني اصولي هدفه عودة "الفيس" أو الجبهة الإسلامية للإنقاذ- المحلة، بثوب جديد وهي حركة رشاد التي تقف وراءها جهات معروفة بدعمها للتطرف والإرهاب. 

لكن محللون، وحتى معارضون للحزب من نشطاء "الحراك" يرون في مشاركة الأفافاس في الانتخابات المحلية المقبلة، قد تعصف بتاريخه السياسي في المنطقة، على اعتباره حزبا معارضا له سمعته التي صنعها عبر تاريخه النضالي مؤسسه حسين آيت أحمد، خاصة وقوفه جنبا إلى جنب مع الحراك الشعبي منذ بدايته، وقبل ذلك، مساندته لكل مسيرات "الربيع الامازيغي" منذ بداية الثمانينات من القرن الماضي، برغم منافسة غريمه في ذات المنطقة حزب التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية (الارسيدي)، الذي ينافسه هو الآخر على أصوات الناخبين في ولايات منطقة القبائل، لكن الارسيدي الذي قاطع كل الانتخابات التي جرت منذ 2019، لم يعلن بعد ما إذا كان سيشارك في هذه المحليات أم لا، لكن المرجح هو المشاركة، لأنه يسعى مثله مثل الأفافاس لافتكاك أصوات الناخبين القبائل، برغم اختلاف توجهاهما، ومنه، فالأفافاس سيسعى لقياس شعبيته في المنطقة برغم المعارضة الشديد التي يبديها نشطاء الحراك لأي انتخابات تنظمها السلطة، التي ما تزال محل انتقاد من طرف هؤلاء، في حين تجهل هوية وانتماء بعض الأسماء التي تنشط خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فيما إذا كانت تنتمي لرشاد أو الماك أم لا. فهل سيتمكن الحزب من اقناع منطقة القبائل بالانتخابات، خاصة وأنها عاشت في الصائفة المنقضية حرائق مهولة خلفت ضحايا وفتنة بين الجزائريين؟