لا أحد يستطيع الحسم في موعد تدشين العمل بـ “كذبة أبريل” حيث يردها البعض إلى أواخر القرن السادس عشر، ويقال إنها بدأت مع انطلاق العمل بالتقويم المعدّل الذي وضعه ملك فرنسا شارل التاسع، والذي تحوّل به رأس العام الميلادي من أول أبريل الى أول يناير. ويقال إن تلك العادة راجت بين الفرنسيين ثم انتشرت في الدول المجاورة وخاصة في بريطانيا مع بداية القرن السابع عشر.

ويحاول البعض أن يربط بين كذبة أبريل وعيد هولي الذي يحتفل به الهندوس في الهند كل آخر يوم من شهر مارس، حيث كان البسطاء يبتكرون الأكاذيب لغاية المرح والمزاح، في زمن لم تكن فيه سينما ولا كانت فيه بوليوود.

ويعتقد آخرون أن أصل الحكاية يعود إلى القرون الوسطى عندما كان شهر أبريل موعدا سنويا لإطلاق سراح المجانين وضعاف العقول والصلاة من أجلهم حيث نشأ عيد جميع المجانين على غرار عيد جميع القديسين

ويبدو أن كذبة أبريل وتسمّى كذلك سمكة أبريل صارت تقليدا سنويا يعتمده الناس في الزمن الجميل الذي مضى لنشر البهجة والسعادة في النفوس، حتى أن بعض الصحف كانت تصدّر صفحتها الأولى بخبر طريف ظريف كاذب، تعتذر عنه في اليوم الموالي وتقول إنه كان كذبة أبريل.

ولكن حاليا، لم يعد لكذبة أبريل معنى بعد أن أصبح الكذب مهنة معترفا بها، يحترفها السياسي والدبلوماسي والداعية والتاجر والإعلامي والفنّان ولا يكاد يغفل عنها إلّا من رحم ربّك.

وخلال الفترة الماضية، صدرت فتاوى بجواز الكذب لخدمة مشروع الإسلام السياسي، وبات للإخوان سبق في الميدان، وصار لإعلامهم صولات وجولات في فبركة الأخبار والمعلومات، وتحوّل فن الكذب إلى عمل “جهادي” طالما أن الغاية منه شيطنة المناوئين وضرب المختلفين والإطاحة بالأنظمة والحكّام وسيادة الدول.

والتجأ الكبار للكذب، فرأينا بوش الابن يغزو دولة حرة مستقلة ذات سيادة بجيشه الجرّار، مدفوعا بكذبة كذبها فصدّقها المغفّلون، ورأينا بلدانا يطاح بها إلى النفق المظلم نتيجة جملة من الأكاذيب،

وكان الربيع العربي مهرجان أكاذيب سيكتشف العرب ولو بعد حين حجم الأخبار  الكاذبة التي تم ترويجها بهدف بثّ الفوضى القاتلة في المنطقة العربية

ورأينا قنوات فضائية تدشّن مخابر للكذب، ورأينا شعوبا مسكينة تلهث وراء كذبة، ورأينا شبابا يموت بسبب أكذوبة، ورأينا رجال دين يرقصون على حبال الدجل ، ويلعبون بالبيضة والحجر من أجل خدمة مشاريع مشبوهة ، إختلط فيها الديني بالسياسي ،والمذهبي بالطائفي ،بالصهيوني ،بالأمبريالي ، والإجتماعي بالإقتصادي ، والإعلامي بالثقافي ،بالنفسي ،بالإجرامي ،

ورأينا منظمات حقوقية تكذب 

وجمعيات إنسانية تكذب 

وزعماء وقادة يكذبون 

ومحللين سياسيين وعسكريين وإستراتيجيين يحترفون الدجل 

وظهر علينا أكثر من مسيلمة كذّاب، 

وأكثر من « جزيرة » تزوّر الحقائق 

وأكثر من أعور دجّال 

وفي حين يتخذ البسطاء من الكذب وسيلة مرح أو كسب قوت يوم يستعمله كبار القوم لنهب دول وسرقة ثروات الشعوب.

وكما يعتقد البعض أن الكذب فنّ، يعتقد آخرون أنه علم وتقنيات ومخابر ومختصون.

وفي حين ينتظر السذّج كل أول أبريل ليكذبوا كذبة، يجعل البعض من كل أيام العام أياما للكذب، ما عدا أول أبريل، خوفا من أن يحسب الناس أنهم يكذبون.. رغم أنهم يكذبون فعلا.