اعتقد بان حدث (آية صوفيا) 2020 . لا يتخطى كوّنه محاولة لإحياء واستدعاء ثنائية العالم في غرب شرق . التى نهضت وتبلورت على ما جاء في سرديات الاستشراق الغربى . ليوظفها هذا الغربى ويسخرها في صياغة وتشكيل (الاخر المختلف ) . وفق ما يرى فيه خدمة لمصلحته . وبعيدا عن مراعاة وفى تجاهل تام للاعتبارات . التى حاولت المواثيق الدولية في عصرنا هذا .  واجتهدت في صياغتها . واعتمدتها كمرتكزات لا يجب تخطيها . لكى يعمْ هذا العالم البائس قدر ادنى من التوازن . تستطيع به الحياة التقدم ودائما نحو الامام . 

    هذا لا غيره – في تقديرى - واقع الامر والحدث . وليس كما حاولت (آية صوفيا) 2020 . ان تقوله وتحّصره في ثنائية الفسطاطين . من خلال التأثيث الذى ساقته , وشكّلت ورسمتْ وزيّنت به احتفاليتها . في يوم جمعة مع . منبر , وإمام , وسيف , ومصحف . داخل معّمار كنسي . كان محج ومزار لاتباع الكنيسة الشرقية . 

     وبمختصر القول . ان واقع الحدث وفى تقديرى . لا يزيد في شيئي . عن خطوة في اتجاه احياء واستدعاء ثنائية غرب شرق الى الحاضر . مهما حاولت هذه . التستر وراء مفردات .لتقول من خلالها غير ذلك . 

      ولكن للغرب ومن الطبيعى . الحق في اجتراح المقاربات . التى يراها . وان يذهب في اتجاه تبنّيها . واتخادها مرتكزات ومرجعيات له . اثناء تعاطيه وتفاعله مع مفردات العالم . والتى من بينها الشرق . الذى تقول عنه سردياته  الاستشراقية وتنّعته بالاخر المختلف .

    فلقد كان هذا الغرب - في تقديرى - وفى مجمل مقارباته . موضوعيا بما فيه الكفاية مع ذاته وشؤنها . فمثلا . لا يرى هذا الغرب في الشرق . شرقا واحد الا في انه الاخر المختلف المقابل للغرب . وفى ما عدى ذلك . فهو شرق متعدد متنوع . فجغرافيا يقسّمه . الى شرق ادنى . وشرق اوسط . وشرق اقصى . وكأنه يقول . بل يقول عنه . ووفق هذا الترتيب . بان الشرق في وجهه الادنى اسلامى . وفى الاوسط هندوسى  . وفى الاقصى بودى كنفشيوسى . وهكذا .  

    ولكن المفارقة الغريبة في كل هذا . والتى يرتكز عليها قدر كبير من هذا العبث والسفه . الذى يعصف بشرق المتوسط وجنوبه . مند قرابة قرن من الزمان . ترجع الى تبنّى . بل تماهى شرق المتوسط وجنوبه . مع مقاربة الغرب للعالم . في ثنائية الاستشراقية غرب شرق . واعتمادها من طرف هذا المشّرقي كمرجعية . في واثناء تفاعله وتعاطيه مع الاحداث . سوى كانت هذه . تنّشط وتحّتدْ على جغرافيته المحلية او في فضاءه الاقليمى اوالدولى  الاكثر اتساع . وان قال واظّْهر غير ذلك شفاهتا  . فالواقع بوقائعه , سيقول لنا بانه يضّمر ويفعل غير الذى يلّهج به لسانه . 

         وبقول اخر . ان شرق المتوسط وجنوبه . بانسياقه وراء هذا الخيار . يجعله يُتموّضع بذاته وبدون تبصّر . في داخل الخندق المقابل . جاعلا بذلك كل جهد وطاقة يبدلها ويحاولها . ترّتد عليه سلبا وليس غير . لانه وببساطة القول . كل مقاربات الغرب . والتى وفى الغالب تظهر وهى مشبعة بقدر كبير من الموضوعية . لا تتجاهل بل ترتكز على فضاءاته الجغرافية الديمغرافية الثقافية . ولهذا ستكون في مخرجاتها ذات مردود ايجابى علية . ولن تكون البتة  كذلك . على من لا يضمه ويُصيغه  فضاءه الجغرافى الديمغرافى الثقافى .    

       من هنا . لا يستقيم لشرق المتوسط وجنوبه . ان يتبنى مجّمل ما جاء في سرديات الاستشراق . والتى تقول وتتعامل مع الغرب في سردياتها . بانه غرب واحد . ففى هذا خطل. لا يقّبله ولا ينسجم مع الواقع الموضوعى . للديمغرافى الثقافى الجغرافى لشرق وجنوب المتوسط  . الذى يتماس مع جزأ كبير من الغرب الاوربى . الذى يغطى بجغرافياته . كل الرقعة الشمالية لضفة المتوسط  .  فهو يشاركه ويشترك معه وبحكم الواقع .  في ثقافة البحر المتوسط . وجغرافية الحوض  وديمغرافيته ايضا . وبهذا يكون هذا الغرب الادنى جوارا  . بل وان شئتم  جوار جنب . بحكم الواقع الموضوعى . الذى عددناه فى مفرداته سلفا . 

   وفي الحين نفسه . ثمت غرب ثاني انجلوسكسونى مع توابعه . لا نجتمع معه في شيئى من هذه القواسم الجغرافية  الثقافية  الديمغرافية الهامة . والتى تمثل ارضية صلبة . وبيئة مناسبة لمد جسور من التواصل والعلاقات البناءة بين الطرفين . 

     بل استطيع ان اُغلّب القول الذى يذهب ويرجح . بان هذا التماس الجغرافى الديمغرافى الثقافى لا غيره . هو من دفع الغرب الادنى وحفّزه . للتحرك نحو اجتراح مقاربات اسلامية . تكون في وجه من وجوهها بعيدا بما فيه الكفاية . عن الغلو الذى وفى الغالب يصبغ الدين بوجه مُنفر . من خلال اصرار هذا الغرب الادنى . على مراقبة وتوّجيه كل منابر المساجد المبثوثة والمزروعة على اتساع رقعته الجغرافية . 

     وكأنه بذلك يجتهد ويتحرك نحو التأسيس . لأرضية مشتركة تصلح لحوار بناء . مع هذا الاخر المختلف  . وهو بذلك يقترب كثيرا من صياغة قرآنية . كان من الاوّلى لشرق وجنوب المتوسط مراعاتها قبل الغير . اعنى الصياغة القرآنية التى تقول  . بالا تجادلوا اهل الكتاب الا بالتى هى احسن . وفى الحين نفسه . وفى المقابل . نجد بان مجّمل مقاربات الغرب الاقصى (الانجلوسكسونى) وتوابعه . تذهب بعيدا عن ذلك . في طرح غير بناء . لا يؤسس لأرضية حوار مشترك . بل لميادين صدام مشترك . والشواهد التاريخية قديما وحديثا . والتى تأكد ذلك كثيرة . وليست بخافية على شرق المتوسط وجنوبه وكل متابع .

    وبعد كل هذا . استطيع القول . بانه لا مناص لشرق المتوسط وجنوبه . عن الاتكاء على مرجعيات . تتحلى في مقارباتها بقدر ليس بالقليل من الموضوعية . اثناء تعاطيه وتفاعله مع جميع مناحى الحياة في محيطه . المحلى . الاقليمى . الدولى . كى يستطيع التفلّت والانعتاق من كل هذا العبث والتدهور المزمن . الذى يلاحقه مند قرابة قرن من الزمان . ويعصف به وبمجمل ما تضمه جغرافياته . وهذا في تقديرى . يتأتى بالابتعاد عن تخطى ضروريات ومقتضيات الجغرافى الديمغرافى الثقافى . الذى يُشكل ويُصيغ فضاءات حياته قاطبة. 

      واعتقد بان المدخل الجغرافى المحلى . الاقليمى . الدولى . هو الاداة والوسيلة لتأمين ذلك .  وهو الخطوة الاولى والمرتكز الاساسى . نحو التأسيس لأوطان تنهض على منظومة من المؤسسات . تجتهد وتجد هذه . متنكّبه في ذلك العلم . للوصول الى اليوم . الذى تصبح فيه دولة المواطنة . شيئى محسوس ملموس . في حياة كل الناس . بتنوع وتعدد مشاربهم ومذاهبهم . داخل الوعاء الجغرافى للوطن .   

الآراء المنشورة ملزمة للكاتب لا تعبر عن سياسة البوابة