بموضوعية وبعيدا عن الاحكام التي قد تكون صحيحة !!
بعد قرابة عقد من الزمان ، الازمة الليبية ليست كلها لأسباب ذاتية ، بل أساسها تدخل أجنبي معلوم الأهداف والأدوات !!  من أولويات الحلول الوصول الى توافق وطني حول السبيل الأمثل لإدارة الدولة والموارد بما يكفل عدالة التوزيع وكفأةالاداء .
لنسلم جدلا بأن الهدف  من طرح الفيدرالية هو البحث في أسلوب إداري يمكن أن تبنى وفقه ليبيا الجديدة بما يضمن دولة مستقرة قادرة على توفير الرفاه لمواطنيها ، ونزع الغبن والشعور بالظلم سمة المرحلة الراهنة. 
السؤال، هل الفدرالية يمكن أن تساهم في الخروج من الأزمة ؟
للإجابة على السؤال لنرجع لبعض الحقائق ومنها .
١- الفيدرالية فكرة حديثة جدا في تكوين الدول ، وظهرت لأول مرة مع تكوين الولايات المتحدة الامريكية التي تأسست من ١٣ دولة مستقلة شكلت في البدء كونفيدرالية ثم ، رئ المؤسسون للولايات المتحدة أهمية قيام دولة واحدة ، لكون امريكيا قارة كبيرة ، والولايات مترامية الأطراف، لدرجة ان الرئيس كان ينتخب في نوفمبر ويصل واشنطن من الولايات البعيدة بعد شهرين لذلك جرت العادة ان ينصب الرئيس نهاية يناير .
٢- الدول الفيدرالية محدودة جدا في العالم  وتحضى على أصابع اليدين ، وهي امّا ناتجة عن المساحة ، الاتحاد الروسي مثلا ، او بسبب عدد السكان الكبير والمتنوع لغويا واثنيا ، الهند  نيجيريا جنوب افريقيا مثلا ،او لكون الدولة ناتجة من توحد تكوينات اثنية مختلفة بلجيكيا  كندا مثلا.  او لأن الدولة نتجت عن احتلال اجنبي وترتيبات بعد الحرب المانيا مثلا .
٣- اغلب دول اوروبا وافريقيا واسيا وامريكيا الجنوبية دول بسيطة " مركزية" بما فيها الصين بريطانيا فرنسا .
٤- هناك نموذج الحكم المحلي ذو الصلاحيات الواسعة  تتبعه كثير من الدول البسيطة " غير الفيدرالية "  مثال سكوتلندا كاثالونيا  .
الاتجاه في العالم  حاليا هو اللامركزية  اي صلاحيات موسعة للسلطات المحلية بما لا يتعارض مع وحدة الدولة المركزية ، ولقد سهل التطور الهائل في الاتصالات والمواصلات من سرعة ايصال الخدمات والمعلومات الي الاطراف مهما بعدت ، واصبح العالم وليس فقط الدولة شبيه بالقرية الصغيرة .
السؤال البديهي الثاني هو ،اين تقع ليبيا من هذه المتطلبات ؟
ليبيا جزء صغير من منطقة مقسمة نتيجة الاستعمار ، تحتاج الى الإندماج لتبقى وليس لأن تقسم ، وتأسست الدولة الحديثه بعد الحرب نتيجة تقاسم المنتصرين لمناطق نفوذ في مستعمرات الدول المهزومة ، ولعل اتفاق بيفن وسافروزا شكل قاعدة تفاهم على تقسيم المستعمرة الايطالية ليبيا  بين بريطانيا وفرنسا وامريكيا واستبعدت روسيا من حصتها في الكعكة . واعلنت إمارات مستقلة في برقة تتبع الإنجليز وحكم ذاتي في فزان يتبع فرنسا وبقت الهيمنه الامريكية في الغرب عن طريق الطليان ، ويحسب لبعض القادة الوطنيين وفي مقدمتهم بشير السعداوي وقادة جمعية عمر المختار الذين يمتلكون الاغلبية الشعبية شراء وحدة ليبيا في شكل اتحاد مقابل القبول بالملك ادريس ملكا للدولة . 
لقد جربت ليبيا  النظام الفيدرالي لعقد من الزمان  ، بعد عشر سنوات تبث لنفس السلطة الحاكمة فشل النظام الفدرالي وعجزه عن المساهمة في بناء دولة وطنية قوية  فقامت بإلغائه عام ١٩٦٣.
بعد قيام ثورة الفاتح كان همهما التنمية الأفقية المتوازنة والاهتمام بالأطراف ، فألغت فكرة العاصمة ، وجرب محاولات متعددة لنظام حكم لا مركزي بدأ بالمحافظات فالبلديات واسعة الصلاحيات فالشعبيات ، ونقلت العاصمة رسميا الى الوسط الجفرة -سرت وأنشئت بها مقار ادارية ، ومنع بناء اي موقع اداري في طرابلس ، وتم هدم مقر رئاسة الوزراء ومجلس النواب ، ووزعت الهئيات والمؤسسات والشركات المركزية على الشعبيات ، حيث كان مقر مؤسسة النفط رأسلانوف والاستثمارات الخارجية غريان  وهكذا،  وشمل القرار المصارف التي توزعت ايضا ، وهذا شأن يمكن لمن يريد ان يطلع عليه .
في ليبيا  العامل السكاني هو ضمان الدولة الموحدة  وهو ما يمنع قيام نظام فيدرالي ،فالقبائل الليبية موجودة في كل المناطق ، اضرب مثلا ،  قبيلة صغيرة مثل الزوائد موجودة  كتجمعات قبلية في الجنوب والغرب والشرق تماما كالقبائل الكبيرة  المنتشرة سكانيا في ورفلة مصراته ترهونه   العلاونة وزليتن  والمقارحة والحساونة والصيعان العجيلات والبراعصة وزويه  الفواخر العريبات المجابرة الخ   .
ما نحتاجه هو استقرار وتنمية وادارة محلية
فاعلة ومنظبته ، فالحل يكمن في حكم محلى واسع  ليس على قاعدة ثلاثة مناطق بل عشرة او اكثر  وفقا للمعطيات السكانية والجغرافية والاقتصادية ، بما يكفل وصول الخدمة الى كل مكان بسهولة ويسر .
ولابد من التذكير بمخاطر الفيدرالية، فهي  
بإختصار  ووضوح  الخطوة الاولى نحو التقسيم ، والامثلة حول العالم موجودة وان كانت محدودة بسبب محدودية الدول التي تتخذ من الفيدرالية نظاما اداريا ، منها السودان حيث قبلت في اطار معالجة ازمة الجنوب   بالنظام الفيدرالي وأنتهي  بها الأمر الى دولتين وفي الطريق الى المزيد .
في العراق الذي كان طوال التاريخ دولة بسيطة فاعلة ومؤثرة فأجبرت التدخل الغربي على تبني الفيدرالية فصار يخيم عليه شبح التقسيم . 
امّا في اسبانيا الحديثه التي تكونت نتيجة حرب اهلية طحنت ملايين الكاتالونيين في ثلاثينات القرن الماضي ، فإن محاولة  استقلال كاثالونيا  قمعت بالقوة قبل شهور  .
لنكافح  جميعا من آجل الحفاظ على ليبيا دولة واحدة ، ونعمل معا على استعادتها من الفوضى والعبث الاجنبي .

الاراء المنشورة ملزمة للكاتب و لا تعبر عن سياسة البوابة