لايحدث إلا في بلاد العرب ، أن تصادر ايديولوجيات وتنظيمات حزبية أوطانا بإسرها ..فإذا ظهر حسن نصر الله عبر شاشات الفضائيات لابد أن يظهر لبنان وطن كل اللبنانيين كخاتم صغير في خنصر يد سيد المقاومة..وإذا تكلم إسماعيل هنية فلاصوت للغزاويين ولا لكل الفصائل والحركات  الوطنية المتمترسة تحت كل حبة رمل في قطاع غزة ..
هذه المصادرة الحزبية التي تشبه الاحتلال بل هي في بعض الأحيان أسوأ ، شوهت الوعي والولاء القومي لدى الشعوب العربية ، وأدخلت القضية المركزية للأمة إلى بازار المساومة السياسية والطائفية ، وورطت إسم فلسطين الذي كان إيقونة للحق والنضال الانساني لكل  أحرار العرب و العالم في مزايدات رخيصة بين الأنظمة والقوى الإقليمية المتصارعة على النفوذ والسيطرة ..الأخطر أن سياسات ومواقف تلك الأحزاب والتنظيمات المنخرطة  في صراعات خارج دائرة أوطانها ، أساءت لوجدان المواطن العادي في بلاد كثيرة من بينها ليبيا من خلال المشاركة في التآمر على أمن واستقرار دول عربية شقيقة..الحديث عن هذا الأمر ساقني إليه حوار دار بيني وبين أحد الزملاء بالعاصمة الليبية طرابلس ، بمناسبة الاعتداءات التي نفذتها قوات الاحتلال الاسرائيلي ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة الجمعة الفارطة وأسفرت عن سقوط جرحى في صفوف المدنيين والصحفيين الذين تعرضوا للقصف بالقنابل المسيلة للدموع ..  كنت قد إقترحت على الزميل بوصفه ناشطا حقوقيا ومناصرا للقضية الفلسطينية الدعوة إلى تنظيم وقفة تضامن مع الإخوة في غزة وسائر الاراضي المحتلة ، لأصدم برده الذي يشي بمدى غضبه ووجعه ..قال : - ليس لحماس والحمساويين الذين ظاهروا عدوان حلف شمال الاطلسي على بلادنا قبل أعوام ، وشاركوا عمليا في قتل أخي ورفاقه من أبناء القوات المسلحة الليبية التي طالما دعمتهم ودربت عناصرهم المقاتلة أي مساحة للتعاطف والمساندة في قلبي وقلوب الكثير من الليبيين بل والكثير من العرب على إمتداد خارطة الوطن الكبير ..
هؤلاء الذين بذلنا لهم من دمائنا ومن أموالنا على حساب أنفسنا واحتياجاتنا فبادلونا المعروف بالنكران وطعنونا بسلاح نحن من وضعه بأيديهم ..
أقول صدمني الرد ، لأنني أولا لست على علم  أن عناصر من حماس قد قاتلت في ليبيا إبان عدوان حلف الناتو وشاركت في الحرب الأهلية المشتعلة بالتزامن .. وكنت أظن أن أقصى ماتورطت فيه حركة المقاومة الإسلامية أثناء أحداث 2011 م  - حتى مع إرتباطها العضوي بجماعة الإخوان المسلمين الأممية -  هو بعض البيانات والتصريحات الرعناء التي أطلقها رموز و قادة الحركة من بينهم خالد مشعل واسماعيل هنية ، تأييدا  لتدخل الولايات المتحدة وحلفاءها عسكريا في الشأن الداخلي الليبي ..
ثانيا : أن هذا الإختزال المشوه للقضية المركزية في خطاب حماس الايديولوجي العابر للحدود التاريخية للدولة الفلسطينية والمشتبك فعليا في صراع إقليمي لايخدم الأهداف المعلنة لحركة مقاومة وطنية ، يشكل تواطؤا - غير واع وغير محسوب العواقب - مع المشروع الصهيوني الامريكي الهادف لتصفية الحق الفلسطيني في إطار صفقة القرن وتكريس الشرعية التاريخية والسياسية والأخلاقية للكيان الصهيوني القائم على تبرير ديني لا يتناقض كثيرا مع التبرير الذي تستند عليه حركة المقاومة الاسلامية وحاضنتها الأم  جماعة الأخوان المسلمين..
إنه وبغض النظر عن الأدوار المشبوهة التي تؤديها الفصائل السياسية المتسربلة بعباءة الدين الإسلامي  في فلسطين ولبنان وإصرار قادتها ومنظريها  على إحتكار إصدار تراخيص ممارسة النضال والمقاومة  ..وبغض النظر كذلك عن الإساءة التاريخية البالغة التي أمعنت في توجيهها للوجدان الشعبي في سوريا وليبيا واليمن والعراق من خلال تورط هذه الفصائل "المأجورة" التي نالت التعاطف بسبب تمسحها بقميص القضية الفلسطينية ، في حروب وصراعات داخلية غرضها تدمير تلك الدول والأنظمة التي لطالما دفعت أثمانا باهضة نتيجة مواقفها المبدئية المؤيدة للحق العربي في فلسطين ..
فإن بوصلة الوعي العربي والإسلامي لايجب أن تنحرف قيد أنملة عن حقيقة الصراع المشتعل في المنطقة منذ عقود فهو صراع وجود في التاريخ والجغرافيا والحضارة.. وليظل العدو الأساسي هو الصهيونية والإمبريالية الغربية  ، وتظل فلسطين العربية الإسلامية هي الهدف والغاية أكبر من حماس وحزب الله.. أكبر من الفصائل والفرق والسنة والشيعة وأكبر من اللاة والعزى ومناة الثالثة الأخرى  ..
وياصديقي وأخي الغاضب من خيانة حماس وحزب الله وخذلان العرب :- لن تكون ليبيا خالصة لنا حتى تعود فلسطين خالصة لنا   ..ولن تكون سوريا ولا العراق ولا اليمن ولامكة ولا المدينة ولا كل أوطان العرب في أمان وسلام حتى إزالة الخلية السرطانية التي تسكن قلب الأمة .. 
فلسطين ليست مشعل ولا نصر الله .. 
رحم الله أبو عمار..

الاراء المنشورة ملزمة للكاتب و لا تعبر عن سياسة البوابة