ليس غريبا  أن تقف دولة الإمارات العربية المتحدة بكل إمكانياتها الى جانب مصر ،وأن تمدّ يد العون الى الأشقاء المصريين وهو يواجهون مخطط الشر والإرهاب ذي الأصابع المتعددة ،ويدافعون عن إستقلالية قرارهم الوطني وعن موقعهم الجيوسياسي والحضاري والتاريخي في المنطقة العربية والعالم ، أقول ليس غريبا لأن لقادة الأمارات من الحس الوطني والقومي والإنساني ومن الوعي السياسي والإستراتيجي ما يجعلهم على قناعة بأن من يستهدف مصر إنما يستهدف كل العرب ، وأن في قوة مصر قوة لأمتها ، وفي سقوطها سقوط العرب وإنفراط عقد المسلمين ،وقد قالها شاعر النيل حافظ إبراهيم على لسان مصر :  

أنا إن قدّر الله مماتي

 لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدي 

ومن يطلع على تاريخ دولة الأمارات العربية المتحدة منذ تأسيسها في العام 1971 يدرك متانة الجسور التي ربطها الشيخ زايد ،رحمه الله ، مع أرض الكنانة وشعبها وقياداتها ،بل حتى قبل ذلك ، وبعد نكسة يونيو 1967 ورغم خضوع منطقة الخليج للوصاية البريطانية في تلك الفترة ،أرسل حاكم أمارة أبوظبي في تلك الفترة الشيخ زايد بن سلطان أل نهيان وفي سرية تامة صكا الى الزعيم الراحل جمال عبد النار لدعم المجهود الحربي والمساهمة في إعادة بناء القوات المسلحة المصرية  

وكما سعى الشيخ زايد وأخوانه الأباء المؤسسون لبناء مشروعهم الوحدوي على ضفاف الخليج العربي ،سعوا الى توحيد الصف العربي ، وإعتبروا مصر القلب النابض للأمّة ، وأرتبطوا معها بعلاقات فيها الكثير من رؤية العقل وسند العاطفة وعبق الإيمان 

و أثناء حرب أكتوبر 1973 كان للشيخ زايد دور تاريخي كبيركشف من خلاله عن معدنه العروبي الأصيل ،حيث وضع كل إمكانيات الدولة على ذمة المعركة وأصدر قراره التاريخي بمنع تصدير النفط للدول الداعمة لإسرائيل  رفي مقدمتها الولايات المتحدة اأمريكية وقال قولته الخالدة « النفط العربي ليس أغلى من الدم العربي »  وقد إستغرب البعض من الجرأة التي تحلّى بها حكيم العرب في موقفه مما جعل أحد الصحفيين يبادر بسؤاله : ألا تخاف على عرشك من الدول الكبرى؟ ولم يتردد الشيخ في أن يرد عليه قائلا :إن أكثر شيء يخاف عليه الإنسان هو حياته، وأنا لا أخاف على حياتي، وسأضحى بكل شيء في سبيل القضية العربية، إنني رجل مؤمن، والمؤمن لا يخاف إلا الله “,”. 

ونظرا للظروف المادية الصعبة بسبب توجيه كل الإمكانيات المالية لبناء الدولة الحديثة وّجه رحمه الله بإقتراض مائتي مليون دولار لدعم مصر وسوريا ، وبعد الحرب بادر بإعادة إعمار مدن القنال التي دمرها عدوان 1967: السويس وبورسعيد والإسماعيلية ، وبادر ببناء مدن أخرى منها مدينة الشيخ زايد ،وأنجز عشرات المشاريع الإجتماعية والصحية والزراعية والصناعية ، ودخلت دولة الأمارات العربية المتحدة في شراكة مع مؤسسة التصنيع الحربي المصرية ، 

وعندما قرر العرب مقاطعة مصر بعد إتفاقية كامب ديفيد ، رفضت دولة الأمارات العربية المتحدة القرار وحافظت على علاقاتها بالقاهرة ،ونُقل عن الشيخ زايد قوله أن « أن مقاطعة مصر من قبل العرب في هذه المرحلة  يعني إجبارها على الإرتماء في أحضان العدو ،ونحن نرفض ذلك ولن نسمح به »

واليوم ، تقف دولة الأمارات العربية المتحدة بكل عنفوانها وأصالتها مع مصر ، أولا من منطلق الواجب القومي الذي ترسّخ في وجدان القيادة والشعب ومن باب الوفاء لوصيّة زايد بأن لا ينقطع الدعم عن مصر ،ولا يحول حائل دون مساندة ومساعدة شعبها ، وثانيا ، من منطلق الوعي الإستراتيجي بأهمية الدور المصري في إرساء التوازن بالمنطقة والعالم ،وثالثا من باب الدفاع عن مصالح عرب الخليج والعربدفي كل أرض عربية ، حيث أن المعركة الحالية ضد الأمة تتخذ وجوها عدّة من أبرزها محاولة الإطاحة بقوة مصر الممثّلة في جيشها العظيم ذي الدور الريادي والحضاري عبز التاريخ ، ويدرك الأماراتيون أن الإطاحة بقوة مصر تعني وضع اليد على المنطقة وتقاسمها بين ثلاثة قوى قد تختلف تكتيكيا ولكنها تلتقي إستراتيجيا ومن خلال الغطاء الأمريكي على هدف إخضاع المنطقة العربية لهيمنتها وهي إسرائيل وتركيا وأيران 

وقد كان المشروع الإخواني واجهة لهذا الهدف بما يلقاه من دعم تركي وإيراني مباشر ومن دعم إسرائيلي يمر عبر اللوبي الصهيوني المسيطر على القرار الأمريكي 

ويدرك حكّام الأمارات أن ثورة الثلاثين من يونيو التي قادها الشعب المصري  وساندها الجيش نجحت في الإطاحة بالمشروع المعادي للأمة ، وإنتصرت لدور مصر كما إنتصرت لأمن المنطقة ومستقبلها ، وهزمت مخطط الشر الذي كان يستهدف مصر ومن ورائها كل القوى الخيرة بالمنطقة ومنها دولة الأمارات العربية المتحدة ، كما قطعت الطريق أمام القراصنة المحليين والإقليميين والدوليين الذي سعوا الى بث الفوضى وتدمير المجتمعات وتخريب الدول والسيطرة على الثروات والعبث بمصالح الشعوب وإعادة تشكيل الخرائط بما يلائم طموحات الأباطرة الجدد والأقزام الطامحين للعب دور العمالقة 

وأنا أشاهد الشيخ محمد بن زايد وهو يستقبل المشير السيسي رأيت زايد الخير في عنفوانه ، وهو يحيي جيش مصز بعد ملحمة العبور 

وأنا أشاهد الشيخ عبد الله بن زايد وهو يقبّل جبين شيخ الأزهر رأيت روح زايد ترفرف على الموقف والمكان ،فتلك هي الأمارات ،وأولئك هم شيوخها ، يعرفون قدر الدول والشعوب والرجال ، ويثون العهد ،وينتصرون للحق وللأمة ، ويصنعون التاريخ بما تستوجبه متطلبات الأخوة الصادقة والرؤية العميقة الثاقبة 

 

 

 

كاتب صحفي من تونس