من البداية اقول . سوف اتكئ على الموروث الشعبي الليبي وفى شعره تحديدا . لأسّند ما سأذهب اليه في طرح تناولي هذا . حول غرب البلاد . الذى كان يظهر ودائما في الفترات المفّصلية من تاريخ  ليبيا . كخاصرة رخوة للجغرافية الليبية  . 

      فمند بداية تَشكّل الارهاصات الاولى لمفردة الوطن الليبيى . والتى بدأة للظهور في الفضاء الثقافى الليبيى مع  فترة الاحتلال التركى للبلاد . والذى شرع الوطن يُفّصح عنها . اثناء احتكاكه الخشن الدامي مع الغريب الغازي . من خلال معاركه الرافضة للاحتلال . كل هذا قد  صِيَاغة الوطن في ديوان شعره الشعبى  . كما جاء على لسان (المّهاجى الليبيى) في ساحات القتال . وهو يرفع وبعقيرته المُدوية المٌسّتنهضة المُستحثه مرددا وقائلا :- ( الغرب فيه المحاميد والشرق فيه الجوازى * * * والوسط فيه المزاريع ضرابة الطبل صادى ) . هنا اقول . لم يكن يجمع هذه المكونات الاجتماعية الليبية الثلاث . المحاميد . الجوازى . المزاريع . في التباعد   المكاني الفاصل بينها . بمقاييس ذلك الزمان . سوى عاملين اثنين  .اولهما . الوعاء الجغرافى الذى حُدد بالغرب والشرق والوسط .وهى جغرافية ليبيا , التراب الليبيى . والاخر . هو عدائهم للمُعتدى التركى ووقوفهم في وجهه . بانحيازهم الواضح لمفردة الوطن . التى كانت في طور التشكل والظهور الي دنيا الوجود . 

   ففى هذه الفترة التاريخية لليبيا . كان المكوّن الاجتماعى  . الذى عُرّف به وسط ليبيا . كما جاء على لسان (المّهاجى الليبيى) . يستوطن و يسكن شمال غرب البلاد . غير انه لم يستسيغ او يقبل التعايش مع إملاءات الغازي التركي في مُكوسه . فقرر الانزياح مُبتعدا الى الوسط والجنوب . تاركا دون اسف , تلك البيئة الحاضنة للطغيان والذل . 

   جاء تأكيد ذلك . في ما انشدته احد شاعرات ذلك المكوُن الاجتماعى . وهى تفتخر بقومها . او ربما تستنهضهم لفعل ذلك . في قولها . ( ايهودى ولا يقّبل الذل مَدْ ارّقابها للصحارى * * * يابال من يوُسمْ البلْ على خدودها من ايسارى ) . ربما استدعاء اليهود هنا . في مقاربة الشاعرة لهم . كان في حدثْ موسى عليه السلام وقومه . ورحيلهم من مصر الى صحراء سيناء . ابتعاد عن طغيان الفرعون وجبروته , او ما شبه فى حدث يُحاكيه . 

   كنت احاول القول . بان بيئة غرب البلاد . كانت مند ذلك الزمن . على استعداد دائم للتعايش مع من قد يسبب ضرر للوطن . وقد كانت احيانا منطقة تجمع وانطلاق . لتطويع الوطن للغريب . فمثلا . عندما كانت تنتفض فزان على طغيان التركى ومُكوسه . في حاضرتها مرزق ومركزها الإداري حينها . ويتمدد التمرد الى باقي الاقليم . وتتوالى ادارة الاقليم ايادى محلية وطنية . يسّتنفر التركي غرب البلاد . ليُشكّل حمّله عسكرية . جلّها من محلّى الغرب . لتنتقل الى اقصى الجنوب . في مهمة قمع تلك الانتفاضة . واعادة الاقليم لقبضة الطغيان التركى . وحدث هذا ايضا . مع شرق البلاد في ما عُرف بتجريدة حبيب . 

     ولا يختلف الشأن كثير عن كل هذا . اثناء مرحلة الاحتلال الايطالى لليبيا . فقد كان غرب البلاد ايضا . هو كعب اخيل الوطن الليبيى . فقد تمكن (بنك روما) كما يقول التاريخ  . من تأسيس رأس جسر لجحافل الغزو الايطالى . من خلال شراء اطيان وارضى بطرابلس ومحيطها القريب والبعيد . وما اعقب ذلك لا يحتاج الى سرد . وتُوج بوضع الايطالى كل يده . على كل التراب الليبيى . 

   غير انه في خلال هذه الفترة الاستعمارية . بدأة تظهر وتتبلور صيغة موازية . لما كان سائد بغرب البلاد . جاء هذا على يد مدينة مصراته . في حدث تاريخى هام . حاولت فيه المدية جر غرب البلاد بعيدا عن صف الغريب  الغازي . والى خندق الوطن في معركة القرضابية الشهيرة  .

     وفى انتفاضة الليبيين مع بداية عام 2011م . قد تولى وظيفة (بنك روما) اثناء مراحل الانتفاضة . وللمفارقة (مصرف ليبيا المركزي) بطرابلس . المركز الإداري لغرب البلاد ولليبيا . فنفخ المركزى (بملياراته) في روح طرابلس المليشياوية . كى تصير لها مخالب وانياب . وولى بظهره لطرابلس المدينة ولليبيا . فهوتْ البلاد الى مدارج البؤس والفاقة . 

     وعندما زحفت ليبيا وجيشها . نحو طرابلس المليشاوية لتفكيكها . هرعت طرابلس الملشياوية الى استدعاء التركى من جديد . فاندفع هذا . بجيوشه جو وبحر الى غرب البلاد . وشاهدنا رئيس الاتراك (اردغان) وهو يفّرد الخريطة الليبية . وكان بيده عصاء يؤشر بها على الخريطة ومفرداتها  . في مشهد اقل ما يقال عنه بالمخزي .

    وحدث ايضا . وفي غمرة كل هذا وتكرر . ظهور صيغة موازية . لما كان يكتنف غرب البلاد في توجهه العام . وجاءت هذه المرة . على يد مدينة مصراته ايضا . في محاولة لجر غرب البلاد . بعيد عن صف الغريب . الى صف الوطن عبر فتح قناة تواصل مع شرق البلاد . واجتهدت في تطويرها . مع تجاوب وطنى ظاهر من طرف ليبيا .                                                                                                            

      كنت احاول الوصول بالقول . وبالاستناد على السابقة التاريخية . يجب - وفى تقديرى - على الوطن الليبيى . الاتكاء على مدينة مصراته , في جر غرب البلاد الى البلاد . عبر اجتراح كل ما يساعدها على ذلك . فان نجح الوطن في ذلك . يكون قد تمكن من اجتراح قرضابية جديدة . وهذا ليس بغريب على شرق البلاد روح الوطن .   

الآراء المنشورة ملزمة للكاتب  و لا تعبر عن سياسة البوابة