لم يقوَ على تحديد موقف من مجريات الأحداث وصُناعها على تخوم العاصمة؛ راح المدعو علي زيدان وكعادته دائماً يتناول التضاريس والأحراش السياسية للنظام الجماهيري بالتجريم والوصف بالطغيان والاستبداد ؛ وكأن لا طغيان ولا ظلم ولا استبداد ولا قتل ولا تنكيل بالمدنيين وعلى الهوية بعد القذافي وعلى أيدي (ثوار فبراير) على اختلاف مشاربهم ومناطقهم وجهوياتهم المقيتة وتبعيتهم للأجنبي في وضح النهار!.

تحدث المدعو بنصائح ومواعظ وأماني مهيض الجناح وعديم القدرة على التأثير فيما يعانيه الوطن والمواطن الليبي جراء حروب فبراير البينية والحرب الأخيرة الجارية على تخوم العاصمة وسابقاتها مع عدم القدرة على إدانة أي من أمراءها من كلا الطرفين، وطفق يستعرض نبل الأخلاق وتغليف العجز بغلاف الحذاقة الدبلوماسية التي ربما استقاها من دراسته الجامعية وما أوصلته له من العمل بالخارجية لحاجة الخارجية الليبية في السبعينيات لتحديد مواقع الدول على الخرائط وتضاريسها وظروفها المناخية كي يتسنى اختيار الدبلوماسيين الأنسب لكل موقع جغرافي عوضا عن الاكتفاء بتدريسها للأجيال الناشئة؛ عملا بمبدأ الرجل المناسب في المكان المناسب!.

ربما تحسب على نظام القذافي ولا تحسب له أن أتى وبتأثير محسوبية الضباط الأحرار وقيادات الإتحاد الاشتراكي آنذاك بعناصر مناطقية ريفية وقبلية للمؤسسات السيادية تحت شعار مساهمات رجال الريف في صناعة الحياة المدنية المعاصرة وتقليص أدوار أبناء الحضر والعائلات البرجوازية المتنفذة في طرابلس ودرنة وبنغازي وبذا لم يشكل التخصص التعليمي مانعا يذكر أمام الزخم الريفي الهائل المساند لثورة الفاتح من سبتمبر في سنواتها الأولى ما جعل من المدعو خياراً نادراً لإضفاء النكهة القروية على الخارجية الليبية وإضافة رائحة عرق أبناء الواحات المنسية على أروقتها ومكاتبها وسفاراتها؛ خاصة وأن الواحات قد خطت أولى خطواتها نحو المدنية بإنجاز بضعا من الشهادات الجامعية النادرة في ذلك الوقت!. 

في القرى و الواحات كثيرا ما تحدث مشاجرات وبعض الخصومات بين الفتية حين تعلو شمس النهار بتأثير نقيع التمر و(اللاقبي) المحتسى في الظل أو في الليل وأطراف النهار، ولأن المتخاصمين عادة ما يكونوا أهلا وبني عمومة يضطلع كبار السن والوجهاء بالتصدي لتلك الخصومات بالتوازن وعدم إظهار الانحياز كون الأمر في مجمله لا يعدو مشاجرات النقيع واللاقبي ومن أن يتصاعد الخلاف لأكثر من مشاجرة بين أخوين سيعودان لصفو المحبة بزوال حالة الدوار والنشوة، الأمر لا يقتضى أكثر من كلام رطب وبعض الملام وشيئا من الوعظ والتذكير بأوشاج القربى!.

الذي ترعرع في مناخ عائلي كهذا يذهب للمدينة ويتحصل على أي من التخصصات التي تخدمه في مدرسة القرية ليتبوأ بمرور الزمن وبتأثير مهنة التدريس مكانة المصلح بين خصومات اللاقبي بين الأخوة، وإذا - لا قدر الله - قررت الدولة في العاصمة أن تُبطئ عودته للقرية وتملأ به فراغا من باب الولاء الاجتماعي لا الكفاءة ومن باب إتاحة الفرص للقرويين فإنه وخلافا لأبناء الحضر لن يقيده التخصص في العمل بالمؤسسات السيادية من باب محاصصة الريفي للحضري في دولة مدنية في طور النهوض وبنكهتي القرية ولاء والمدينة كفاءة !

المدعو بن زيدان تأهل -على ما يبدو- للحياة في القرية وبدورين يفضي أحدهما للآخر - أولهما أن يغطي مقرر الجغرافيا في التعليم الريفي وليتبوأ من خلاله الدور الثاني ألا وهو الأبوي الإصلاحي الاجتماعي الناجع في تخفيف تأثير منازعات اللاقبي على الوئام الريفي ولكن القذافي برؤاه المشحونة بالعاطفة تجاه القرية على حساب المدينة أفسد المخطط القروي وفقد الريف كادرا أعدته مجانية التعليم كمصلح ريفي اجتماعي وظفه رجال النظام في مؤسسة لم يعد لها ولم تخطر على باله يوما؛ أن يلحق بالخارجية ويرمى في عاصمة دولة محورية بثقل الهند!.

نهج المصلح القروي لا يخلو من الوجاهة والأهمية في مسيرة ستطول ما ظل اللاقبي متعة الأجيال القروية لكنه لا يصلح البتة في نزاعات حربية كبيرة كالتي تدور رحاها على تخوم طرابلس اليوم، ثم أن رجال النظام لم يثبت عنهم أنهم تفرغوا لمطاردة رجال الظل فيما عرف بالمعارضة الليبية؛ والمدعو علي زيدان لم يرتفع له صوت يدفع بالنظام لاعتباره مصدر خطر على النظام حتى يقرروا مطاردته أو ملاحقته قضائيا وكل ما بدر من علي زيدان انضمامه - وهو في مأمنه الأطلسي - لصديقه المقريف في جبهة معارضة سياسية تأسست بأموال وقف إسلامي ليبي دعوي أمر رأس النظام بتخصيصه للمسلمين في الهند وقد تُقْدِم جمعية الدعوة الإسلامية أو الأوقاف الليبية - متى ما تنبهت للأمر - على المطالبة القضائية بهذه المخصصات المعتدى عليها من طرف بعض أفراد الطاقم الدبلوماسي التابع للنظام السابق في الهند في ذلك الوقت!.

2من4


والأنكأ أن تطلب مكافأة (نضالاتك!) بمناصب وزارية وتستدعي من التاريخ الإنساني قائمة أسماء خالدة وتلحق نفسك بها وتتجاهل أن غاندي مات ولم يملك سوى عنزاً يحلبها ليتغذى على حليبها، وأن عبد الناصر مات ولم يترك لأسرته أكثر من شقة متواضعة في منشية البكري، وأن جورج واشنطن ودع المشهد السياسي الأمريكي بعد أن وحد البلاد وأنهى الحرب الأهلية وعاد مزارعاً في جبل فيرنون؛ شتان بين تجارب (الانتقام والمغالبة والاستقواء) والتجارب الثرية الغنية بالموعظة والأنسنة والتضحية والإيثار!.

أن تأتي بعد عشرات السنين في حملة دولية كاسحة وتحت غطاء أممي وبجحافل وأساطيل قوة عالمية كحلف (النيتو) هذا أيضا لا علاقة له بالنضال الوطني الشريف وليس لأحد المزايدة به على الشعب الليبي؛ فالنظام تحول في حينها لهدف مشرعن أمميا بالإسقاط ولا بطولة في اصطفاف ليبي أو عربي مع حلف النيتو ضده؛ فالحلف لم يكن بحاجة لاصطفاف معارض ساكن خامد النشاط وعديم التأثير لعشرات السنين، كل ما قدمه لقريته أن سحب أعداد كبيرة من شبابها للجوء غربا بفتات منحته لهم من أموال الوقف التي تمولت به جبهته، ثم وحين اجتاحت الأساطيل المياه والأجواء الليبية - يعلو صوته ويخرج من طور السكون والحقوقية الناعمة وينشط في نقل وتقديم معلومات عن جيش ليبي تأسس قبل وسيبقى بعد القذافي يتعرض للتدمير الكامل دوليا!.

يقول برنارد هنري ليفي في كتابه حول الربيع العربي أنه وبينما كان جالسا في مقهى في باريس استقبل مكالمة هاتفية من صديق فرنسي - وكأنه رجل مخابرات- يطلب منه أن يستقبل شخصين ليبيين ويهتم بهما، حين وصل الشخصان فإذا بهما المدعو علي زيدان والمدعو منصور سيف النصر يعرضان استعدادهما للتعاون فيما يخص ليبيا، يصف ليفي هذين الشخصين بأنهما مطيعين طوال تعاملي معهما، وهنا نسأل السيد علي زيدان: أليست بوسمة أن يصفك صهيوني عالمي بحجم ليفي بأنك (مطيع)؟!

ليفي وبخبرته الطويلة في نفوس عملائه يكتشف وببساطة شخصية المصلح الريفي الذي يتعامل مع قضية بحجم تدمير وطن على طريقة مشاجرات (اللاقبي) بكل بساطة ودونما اعتبار لما سيصفه به التاريخ!. 

في جلسة مسائلة للمدعو علي زيدان سُئلَ عن علاقته مثار الاشتباه مع ليفي المعروف بعنصريته وانحيازه التام ضد قضية الشعب الفلسطيني رد قائلا: دخلت على الرئيس الفرنسي (ساركوزي) في مكتبه فوجدت ليفي جالسا معه؛ فهل أطلب منه الخروج؟ وليفي يقول أرسل إليّ في مقهى على الناصية؛ فأيهما نصدق؟

لقد حطم النظام السابق بـ (مشروع ليبيا الغد) إدعاء العصامية من قبل الكثير من (المناضلين الليبيين والعرب)؛ فمنهم من زاحم على مناقصات بشركات أوربية المانية في جلابيب رجال أعمال محليين وتحطمت أحلامه وزاد من عداءه لرأس النظام حين فقد الترسية، ومنهم من كشفته مواقع السلطة بعد (17 فبراير) وأنغمس في ملذاتها وامتلأت حساباته بمئات الملايين من اليوروهات بـ(عمولات) صفقات شراء السلاح للمليشيات من (ذوي القربى وأبناء الخالات!) بعقود التكليف المباشر للشركات (المالطية!) والخليجية والتركية وذهبت سنوات نضالاتهم أدراج الرياح ولم يعد لهم من دين أو منة في رقاب الليبيين!.

وعلى ذكر الجنوب الليبي فإن هذا السلجق الجغرافي لم يشهد تدفقا للسلاح والأموال على المليشيات والمجاميع القبلية المسلحة كما شهدها في فترة رئاسة السيد المحترم علي زيدان الذي يتباكى اليوم على أمنه ونصيبه المفقود من الخدمات والتلويح لبقية الليبيين بالقدرة على تحريك عصى المناطقية والإحساس بالتهميش فيه .. أستخدم ذلك السلاح في حروب قبلية دامية أفضت لدماء وثأر وتداعيات مجتمعية ستدوم لسنوات، ولن يعرف الجنوب معها معنى للتعايش والسلم الأهلي ولتنتهي بتأثير تلك الدماء والثأر أسطورة الحقوقي علي زيدان ورفاقه متبوعين بلعنات الثكلى والأرامل ومن انتهكت حرماتهم وسلبت أرزاقهم وهجروا بفعل ذلك السلاح اللعين!.

مدير الحوار مع المدعو علي زيدان في قناة ليبيا الأحرار تمحورت أسئلته عن رأي المدعو فيما يجري حول وفي تخوم العاصمة والمدعو في كل مرة يهرب لمهاجمة شخص رأس النظام السابق، ولم يقوَ على تحديد موقف واحد صريح من أي من أمراء الحرب وظل يرثى للمواطن الليبي ومآسيه وهو نفسه من ضخ بجرة قلمه قرابة المليار من أرزاق الشعب الليبي للمجاميع المسلحة وكل ضحايا صراعاتها هو الوطن والمواطن!.

ما قاله المدعو في الحوار الأثيري ليس بدبلوماسية بقدر ما هو هروب من تحديد موقف كعادته دائما في سكونه واستكانته أمام مذابح الشعب الليبي منذ مجيء (النيتو) إلى يومنا هذا!.

في ظروف حرجة كالتي تمر بها طرابلس خاصة وليبيا إجمالا؛ ما الذي يدفع شخصية اعتادت الرمادية ونعومة المواقف على القبول بالظهور الإعلامي؟! كان من الأجدى لو تفرغ هذا الحقوقي لملكته في فض منازعات اللاقبي في الواحات والقرى بـ(الحيادية واللا موقف!!)، وتخلى ولو قليلا عن التنفس بكراهية القذافي والتحامل المستمر عليه والتباهي بالانحياز الدائم ضده حتى وهو خارج المشهد لقرابة العشر سنوات! ودون أن ينتبه - هذا الرجل الناعس - أن القذافي الغائب بات اليوم الأنظف ذمة والأكثر شعبية وحضورا من كل وجوه المشهد الليبي والإقليمي!.

كاتب ليبي 

الآراء المنشورة ملزمة للكاتب و لا تعبر عن سياسة البوابة