حميد زناز

في سنة 1963 و لم يكن مر على الاستقلال سوى سنة واحدة بدأت الجزائر تنتج الازمات و الصراعات العنيفة بين مختلف الاجنحة. "أين تتجه الجزائر ؟" هكذا تساءل في كتاب تاريخي آنذاك أحد مفجري ثورة نوفمبر 1954 السيد محمد بوضياف الذي اغتيل سنة 1992 و هو على رأس السلطة في الجزائر بعد معارضته للنظام اكثر من ربع قرن من منفاه الفرنسي و السويسري ثم  المغربي،بعدما حكم عليه بالإعدام  بتهمة التآمر على أمن الدولة و هي تهمة لا تزال مرفوعة إلى اليوم ضد بعض المعارضين السياسيين.  لا شيء تغيّر في العمق و لا يزال سؤال بوضياف مطروحا وبحدة : أين تتجه الجزائر ؟

على عكس ما يدعي أنصار "الجزائر الجديدة" ، يعيش البلد ازمة ذات أبعاد متعددة ، فهو يعاني اقتصاديا ، ماليا، اجتماعيا، سياسيا، ثقافيا و حتى دينيا. و إن تراكمت كل المصاعب منذ زمن طويل و كاد الجزائريون ان يتأقلموا معها  فإن ضعف الاقتصاد المرتكز اساسا على الريع البترولي بات يهدد مستواهم المعيشي بشكل مخيف في السنتين الماضيتين بعد انخفاض سعر البرميل الكبير علاوة على الضرر الذي خلفه كوفيد19 على الحياة الاقتصادية إذ تم غلق عشرات المؤسسات و ضاعت آلاف مناصب الشغل في ظرف اقل من سنة

تعرف "الجزائر الجديدة" مشاكل قديمة مزمنة كالسكن و انقطاع المياه و الفياضانات و حرائق الغابات وصراعات اجتماعية لا تنتهي ونسبة بطالة في ارتفاع مستمر وصلت حسب الاحصائيات الرسمية الى 15 % بينما يرى محللون اقتصاديون كثيرون أنها تجاوزت 25 %. و ما اصبح يثير القلق هو ندرة بعض المواد الاساسية و الغلاء الفاحش الذي مس كل شيء. وقد بدأت تظهر في شوارع المدن الجزائرية علامات فقر لم تعهدها من قبل كعدد المتسولين والذين يعيشون في العراء. و قد اعترف الرئيس عبد المجيد تبون نفسه بوجود ما يسمى "مناطق الظل" و هي المناطق التي لم تستفد من حقوقها من الريع التنموي و التي اصبح يطلق عليها الجزائريون "مناطق الذل " في إشارة الى ان الحياة الكريمة باتت منعدمة فيها و هي مناطق تتوسع من سنة إلى أخرى حتى أصبح أغلبية الجزائريين متيقنين من أن السنة التي تمر أحسن من التي تأتي. لقد وصل عدد الفقراء الى حوالي 8 ملايين حسب بعض الدراسات الا أن بعضها الآخر يضاعف العدد. و كما في كل المجالاتت لا اجماع حول الارقام لأن الصراع مستمر بين أرقام السلطة التجميلية والارقام الحقيقية.  

و لكن ما يعري خطاب السلطة من كل مصداقية هو تزايد وتيرة الهجرة السرية و محاولة هروب الجزائريين بالآلاف نحو اوروبا نظرا للظروف الاقتصادية و السياسية المزرية التي تعيشها بلادهم و فقدانهم لكل امل في تغيير يتشدق به النظام منذ سنتين و لا يأتي. "لا عمل لا امل ما جدوى البقاء في هذا البلد"، يقول الشبان الجزائريون المتخرجون بالآلاف من الجامعات المنكوبة. تعاني المنظومة التعليمية من ضعف بيداغوجي مزمن و  تدهور مستمر على كل المستويات، ارتفاع نسبة الرسوب و التسرب المدرسي من الابتدائي حتى الجامعي. 

و لم تعد الشهادات المحصل عليها ذات قيمة علمية تضمن الحصول على عمل او وظيفة نظرا لتدنى المستوى و تغوّل العدد على حساب النوعية. و هذا له علاقة بالوضع الديمغرافي السائب إذ يزداد عدد الولادات بشكل رهيب الى درجة يستحيل معها تحقيق أية سياسة تنموية دائمة أو برمجة استثمارية.  و لا يتطلب الامر دراسات معمقة  ليرى الملاحظ نوعية الخدمات العمومية الرديئة كهشاشة السياسة الصحية و الحماية الاجتماعية التي تزيد كل يوم من تعقيد امور الفئات الفقيرة و تهميشها أكثر فأكثر. في الجزائر غياب واضح لكل تهيئة عمرانية  او تخطيط حضري  و هو ما خلق محيطا مثيرا للاشمئزاز. وضع يرده معظم الجزائريين الى سوء التسيير الذي خنق كل القطاعات باعتماده على طرق عتيقة لا يمكن أن تصل الى نتائج جيدة فقط بل ساهمت في ظهور ظاهرة الفساد التي أفلست البلد. جاء في تقرير برنامج الامم المتحدة للتنمية لسنة 2020 أن الجزائر قد احتلت الرتبة 91 من  مجموع  189 في مجال التنمية البشرية. لقد خسرت 9 مراتب مقارنة بسنة 2019

نمو اقتصادي في تراجع ، تضخم رهيب، أزمة سيولة، عجز في الميزانية، ضعف في الاستثمار، تدهور قيمة الدينار الجزائري، ارتفاع اسعار جنوني ، ظهور آفات اجتماعية كالتسول و المخدرات و الدعارة و السرقة... وبدل ان يجتهد النظام في حل هذه الازمات المتشابكة يعمل على إغراق  الجزائريين في جدالات حول الذاكرة و في ترويج خطاب ديماغوجي باختلاق مؤامرات خارجية و داخلية  و تكميم الأفواه و استعمال الهراوة بغية تغطية فشله المتواصل في تسيير كل القطاعات الحيوية في البلد.

في سنة 1963 ندّد الرئيس المغتال بالانعدام التام لحرية التعبير و الرأي و بالمراقبة المطلقة المفروضة على الاعلام كالاذاعة والتلفزيون ووكالة الانباء و فرض اعلام أحادي الاتجاه .كما تحدث السيد بوضياف عن تقوية الجهاز الامني و توجيه النداءات الديماغوجية للشعب من اجل استغلال عاطفته الوطنية . وكأن السيد بوضياف يصف ما يحدث اليوم حينما يشير الى محاولة خلط النظام للأوراق امام كل صعوبة تعترضه باختلاق مؤامرات وهمية بغية تضليل الرأي العام و كسب تعاطفه

فهل تجاوزت الجزائر ما قاله رئيسها المغتال بعد قرابة الستين سنة من الاستقلال ؟  و من صدّق السيد أيمن عبد الرحمن، رئيس الحكومة الجزائرية لما صرّح أخيرا بأن الانجازات التي تحققها الجزائر الجديدة يمكن اعتبارها معجزة أبهرت العالم ؟