منذ أكثر من ثمانية عقود, إستطاع – الشّر الأعظم – تحت تسميّة مُركبّة ماكرة, وهي إسم, (جماعة الإخوان المسلمين), ممثلّة لأحد أبشع محاولات إبليس نفسه, الذي تمكّن – لعنة الله عليه – من أن يُوسوس لمريدين وغلمان من طلبة يافعين ضّالين, في الثلث الأولّ من القرن السابق, بأنه فعلا هو الله نفسه, وبأنّه يتكلّم ويوحي ويؤيد بإسمه وصفته, وإستطاع بهذه الخطة الخبيثة, وبكلّ جبروته ومكره ودهائه الذي حذّرنا الله منه, وعبر مخططات جهنّمية, وتنظيرات خبيثة هدفها مُقايضة روح وجوهر صفات الله النورانيّة الرحيمة الأبقى والأصدق بصفات دموية غليظة فجّة شريرة, ومن خلال دروس وكتب وفتاوي تلامذة سذج وشبه أمّيين فكريا تقريبا, نجح ببساطة في إغرائهم والتعشّيش في ألسنتهم وأقلامهم والتفرّيخ في صدورهم وقلوبهم, وتمكّن بذلك من التسلّل بخبث ولؤم إلى شرايين وعُصاب مصر وعامّة سواد شعبها الطيبّ الذي لم يتسلّح بسبب فساد الحكّام وعهود الإنحطاط والإستعمار العثماني والإنجليزي بما يكفي من العلم والعقل والمعرفة, وتمكنوا من التسلل إلى العقول الرخوة الخاوية الإنفعاليّة, عبر تنظيرات مسمومة, وتأويلات موغلة في التدجيل والتزوير وتحريف كلام الله المتسامح المحبّ وعبر الإحتيال في التفسير والمكر في التأويل, وتمكّن الشرّ من أن يستوطن مثل الورم السرطاني ويتغلغل في القلوب والذاكرة والأفئدة إلى حدّ, إعتقدتُ فيه بصراحة, بأنّه لا خلاص للعالم العربي كلّه, إلاّ بالبتر وتدخّل الله ذاته مرّة أخرى, بصاعقة أو بعقاب جديد, يُكمل به مشيئته, بعد أن كان قد طهر مصر والأرض سابقا وفي عهود غابرة, بالعقاب أيضا, مثلما حدث في عهد سيّدنا موسى وفي عهد سيّدنا ثمود وفي عهد سيّدنا لوط وفي عهد سيّدنا نوح وغيرها من عهود المعاصي العظمى, ومواقع الخطايا الكبرى الغابرة, حيث انتصر الشيطان والتي كان الله يفصل فيها بين كلّ عهدين عقاب إلهي رادع وحاسم.

ولمّا كان العقاب بالقمل أو بالجراد أو بالدّم أو بالضفادع غير كاف في عصر الفيسبوك والسيليكون وقناتي الجزيرة والسي .آن. آن, فقد خشيتُ وأشفقتُ, أن يتمّ عقاب الله بأحد عناصره الأربعة الهاتكة, وأعني الريح الصرصر المُشتت, أو نيران الصواعق الحارقة, أو إنزياح الطين الخاسف أو تفجرّ ينابيع الأرض والسمّاء الساحق الماحق المُقتلع المُبتلع. ولا أخفيكم أنني كنت على شبه يقين حتّى بداية سنة 2010, بأنّ النّهاية ستكون قريبة ووشيكة, حتّى أنني سارعتُ على عجل بتصفية كلّ أموري في ألمانيا المُعقّمة الغاطسة حدّ الإبط في وهم الرّهان على مبدإ التأمينات, وقررّت أن تكون نهايتي في أرض الله المُختارة, في مصر التي بدأت وستنتهي الحياة منها, وفكّرتُ أن تكون نهايتي مع أهلي وعشريتي الحقيقية, وأعني ما ومن أحبّ من بشر ومن كتب ومن أقلام ومن فنّ ومن مجد ومن نيل ومن أهرامات ومن تاريخ ومن لغة ومن لهجة ومن نكتة ومن بساطة ومن عمق وبين أيتام الله في أرضه. وكان ذلك كذلك. وقدمتُ القاهرة فجرا, قبل أن تهلّ سنة 2010, وكتبتُ نصّا طويلا بعنوان ( صباح الفلّ يا محروسة), قال عنه أحد أساطين الساحة الثقافية, بمكر وفطنة, بأنه من من النصوص النادرة التي تذكّره بديباجة المَهر عن ملوك العرب. ونشر فورا بجريدة أخبار الأدب المصرية , في صفحتين مع صور لي بين النيل والهرم, وتحت عنوان باذخ لفت إنتباه وتوجّس الكثيرين أيّامها, وخاصة ممن يقرؤون ما بين السطور.

ولم أكد أستقرّ في القاهرة, وأبدأ بتحسس حجم الورم, ومساحة العطب, في المجتمع وفي السياسة وفي الإقتصاد وفي الساحة الثقافية خاصة, حتى تفجرّت مواسير قناة الجزيرة بخبر إحراق شاب تونسي لجسده وفرار أحد أكبر الطغاة عبر العصور, وهو الجنرال البوليسي زين العابدين بن علي وعصابة ليلى زوجته التي خنقت البلاد وأمتصّت خيراته مع أخوة لؤماء خونة فاشلين وجوعانين للمجد والسلطة والمال…وكان ذلك بعد ستة أشهر فقط من حصولي على التقاعد المُبكرّ من ألمانيا والإستقرار بمصر نهائيا, وبقرار لا رجعة فيه, كونه قرار عن حبّ وإقتناع ورؤية ورؤيا ربّانيّة صائبة.

وتابعتُ الأحداث المتسارعة بلهاث ويدي على قلبي كلّما سمعت بخبر إعلان رجوع أحد القيادات الإسلامية المعروفة من أوروبا إلى بلدي. وياكم كنتُ مُتوجّسا من حماسة الشباب المبالغة, التي كانت تغطيّ على أخبار خبيثة, تتمثلّ في إعلانات لئيمة لتحويل رصيد الثورة المباركة, إلى أرصدة وهابيّة مشبوهة, تقودها أياد شيطانية تفوح منها رائحة النفط والبنزين لتشعل البلد وتضخّ في شرايينه آلاف من اللحيّ والجلابيب الأفغانية وتنفخ في شرارة الفتنة وتسوق صناّع الموت وعبدته إلى الأضرحة والزوايا والمساجد, فبدؤوا بالإعلان عن أنفسهم منذ البداية بإحراق الرايات التونسيّة الحمراء و بعض المكتبات والمسارح والزوايا الصوفيّة وغيرها من المنشآت التي تمثل في نسيجها معا هويةّ تونس الملوّنة المتسامحة, التي عاشت وتعيش منذ ستّة آلاف سنة على مبدإ حسن الجوار والتعددية, منذ استقبال عليسة وبناء قرطاج مرورا بإستقبال القائد عقبة بن نافع والصحابة وبذور الحضارة العربية وإلى حدّ اليوم. وتوجسّتُ أكثر…ووضعت يدي على قلبي وبدأتُ أنبّه للخطر عبر بوسترات ومقالات يومية مُباشرة.

وأذكر أنني كنت أيّامها, وبالتحديد يوم 07 يناير 2011, في جلسة بمقهى الجريون القريب إلى القلب, مع رفيقة الدّرب, الروائية المُبدعة, د. سهير المصادفة, والروائي الصحفي الصديق عزت القمحاوي والشاعر العصامي الفذ سعدني السلاموني والدكتور مدحت الجياّر والعديد من الأصدقاء الذين عصّت بهم الطاولة التي وسّعناها ووسّعناها حتّى اغلقت كلّ الممر, أذكر أنني يومها, أنّ العديد من الأصدقاء كان ينفي بشدّة إمكانية أن تتسرّب شرارة الثورة بكلّ هذه الحماسة والإصرار إلى مصر, ذلك أنّ مصر غير تونس. ولكنني كنت أصرخ بصوتي الجهوري الذي يوقظ الموتى, بأنّ تونس هيّ مصر تقريبا . وأنّ الثورة في تونس ستنجح بشكل مذهل, وأنّ زين العابدين بن علي سيُقتل أو يهرب, وأنّ الشعب واحد, وإستشهدت ببيرتين وقصيدة, وبأنني أعرف أكثر منهم لأنني أعرف الشعب التونسي جيّدا كما أعرف الشعب المصري الذي أحبّه وأعيش بينه…وأقسمت بأغلظ الإيمان, بأنّ الثورة قادمة بقوةّ جبّارة إلى مصر وقريبا جداّ….وأنّ خوفي الأكبر فقط هوّ أن ينهض المارد الوهّابي في تونس وفي مصر والعالم العربي متسللا من فجاج التاريخ من جديد ومن شقوق السجون, وأنه علينا أن ننتبه منذ الآن. فإذا كان إخوان وعثانين تونس متعلمين ومتخرجين من أرقى الجامعات الأوروبية وهم على هذه الدرجة من الدموية والشرّ والمكر والرّغبة في الحرق والذبح والإقصاء التي نعرفها عنهم منذ ثمانينات القرن الماضي, فكيف سيكون الأمر, مع الإخوان المصريين المتخرجين من إفغانستان والسجون والذي يعاني أغلبهم من الأميّة والتعصبّ وعماء الألوان والتلبسّ بإبليس وتعاليمه ظنا منهم أنّه الله العزيز الحكيم. ؟؟!!!

وفعلا, لم تمض على تلك الجلسة غير بضعة أيّام حتي حدث كلّ ما توقّعت, وهرب الدكاتور الكرتوني زين العابدين بن عليّ إلى السعودية, وسبقته ليلى زوجته بحمولة طائرة من الذهب والفضة والمجوهرات والدولارات, وتبعها أغلب إخوتها هاربين إلى أوروبا وإلى قطر. وانهار النظام الدكتاتوري المستبد المقيت في تونس مثلما ينهار سقف من القشّ الهشّ مع أوّل كتلة من اللهب تسفّه سفاّ….ولم تمض أيّام أخرى, حتى بدأت شرارة الثورة في مصر أيضا…وكان ما كان. وانتصر الشعب المصري العظيم على أساطين الفساد. وسقط نظام التوريث والشلليّة والظلم والجبروت.

ولكنني كنتُ كلّ يوم تقريبا أهاجم بضراورة تسلل الإخوان المسلمين إلى مفاصل الدوّلة, وإستغلالهم لحميمية الشعب وعدم حنكة الشباب الثائر وعدم وجود رؤية أو منهج أو خطةّ تحافظ على مكاسب الثورة من ناحية وتخرج بها من عنق الزجاجة المعروف من ناحية أخرى, كون الامر لا يتعدى في الحقيقة مبدأ فيزيائي معروف, وهو أنّ النار حينما تشتعل في قعر زجاجة بدون تهوئة ضرورية, فإنها سرعان ما ستنطفئ. وكنت كما غيري يعرف ذلك…ويعرف بأنّه من غير مشاركة الحكماء وأهل العقل والتعقلّ وبدون فرامل ضرورية, فإنّ الثورة ستخبو وستدخل في الحائط بسرعة مجنونة…وهذا ما وقع في ليبيا وفي سوريا. لأنّ المبدأ كان صحيحا, لكنّ الطريقة كانت خطأ…فضلا عن تحريكها بأياد شيطانية مأجورة ومرتزقة ومدفوعة الثمن.

وكدتُ أيأس فعلا. وأنتظرتُ بتوجس عقاب الله صابرا, دون أن أنقطع يوما واحدا عن مهاجمة الإخوان في تونس والتحذير مما يحدث في مصر. والله شاهد على ما أقول, وراجعوا صفحتي الشخصية على الفيسبوك, يوما بيوم منذ 14 يناير 2011 وحتى اليوم. وكان كفني كلّ يوم على كتفي. ولكنني لم أكن أحشى غير الله. وكان خوفي الوحيد هوّ من تسلل الإخوان إلى تونس ومصر وأحتلالهما حتى الساعة الموعودة. لأنّ من طبيعة إبليس أنه يهيئ لأنصاره أنهم الحق. وأنّ التخلي عن الحقّ يعني خيانة الله…وحاشا الله أن يأمر بالذبح والقتل والتخريب والدمار والإقصاء. إنما هي آيات بيّنات زوّر وحرفّ الشيطان فهمها في سياقها البشري كإجابات وقتية خلال معارك وحروب مفتوحة, وجعل أنصاره يظنون أن الله يدعوهم إلى القتل في كلّ العصور والحقب. ومعاذ الله أن يفني خلقه بهذه الطريقة الساذجة الغبية…كون الله عزّ وجلّ أرقى وأسمى وأعلى من ذلك.

ولكن فجأة حدثت المُعجزة والرّحمة الربّانية يوم 30 يونيو 2013…وشاء الله أن يكون الخلاص على يد إبن بار من روح مصر ومن جندها الذين هم خير جنود الأرض, وأن يكون أسمه الفريق عبد الفتاح السيسي…وشتت في ايام صفوف عبدة لبليس المضلل, وأعلن بصرامة وجزم أنه لن يبيع مصر. لاّن مصر هبة الله, وليست هبة النبيل كما قال الخواجة المؤرخ اليوناني هيرودوت (هيرودوتس) في القرن الخامس للهجرة.

وها أنهمّ الآن في السجون والمنفي التي تليق بهم. وها أنّ الشعب المصري يستقبل هذه السنة الجديدة 2014 بقلب متسامح وعزم وإقدام وإلتفاف حول جيشه وحدوده ومبدعيه ويساره ويمينه ووسطه, بأريحية وأمل وتفاؤل…وقريبا جدا جدا, سيهرب الإخوان من تونس ململمين أتباعهم وأزلامهم من السلفيين والجهاديين والقتلة وعبدة الموت والضالين والخونة والسفاحين…وستعود تونس الالوان والمحبّة والأخوّة والتسامح …كون الله الكريم العزيز القادر النور السلام…لن يرضى أن نرزح سنة أخرى تحت حكم عبدة إبليس من الوهابيين والقتلة….

فعامكم بُشرى يا أحباب الله…عامكم بُشرى ورضا وصفاء وتسامح وإلهام ورضاء والدين وصحّة موفورة….وعامكم رضاء الله عنكم ورحمته لكم ولأولادكم ولأحفاذكم ولكلّ أحبّتهم أجمعين إلى يوم الدين…فشمّروا على ساعد الجدّ…وتعالوا معا, نضمّد جراح هذا الوطن ونحن نكنس الزبالة بدون قرف…كونها زبالتنا نحن. ونحن من تهاونا وتركنا رعاة الإبل والأعراب الغلاظ عبدة ابليس يصعدون بأصواتنا ولقد كادت تكون الكارثة…لكن رحمة ربيّ سبقت غضبة مناّ…

فلتكن سنة البداية الحقيقية…ولتكن سنة الإنجاز والعمل …